إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
إن لم يقم الشيعة الكويتيون والخليجيون والعرب بدور إيجابي مهدئ في التشابك السعودي- الإيراني المتواصل، وفي الصراع والتشاحن الطائفي الناجم عنه، فقد يجدون أنفسهم ذات يوم، في الكويت ودول مجلس التعاون خاصة، أكثر من يدفع ثمن تصاعده واستمراره!
علينا جميعاً أن نتساءل: هل يقف عموم الشيعة لا مبالين صامتين إزاء هذا التطاحن السياسي الإعلامي، السري والعلني؟ وهل من الطبيعي أن يستمر التراشق الطائفي إلى الأبد؟ وهل تنتظر القيادات والفعاليات الشيعية المزيد من التشابك والتورط، كي تقول شيئاً أو تقوم بأي دور؟
إن كان جميع الشيعة محايدين لا مبالين، فهل هو موقف سليم؟ وإن كانت أغلب الأصوات المسموعة تتحكم فيها حسابات السياسة والمشاعر الطائفية، فهل هذا لمصلحة مستقبل الشيعة، ومستقبل استقرار العلاقات الاجتماعية والسياسية وازدهارها داخل مجتمعهم الكويتي والخليجي؟
لماذا نجد في صفوف الشيعة كل هذا العدد النسبي الكبير من الخريجين والمتعلمين والمثقفين، ونجد أغلب المتابعين منهم للوضع الإيراني، مع المحافظين والسياسة الإيرانية الرسمية وأفكار رجال الدين وتصورات ولاية الفقيه؟
إن الشعب الإيراني نفسه منقسم بين السياسة الرسمية وبين التيار الإصلاحي المعارض لهذه السياسية في الداخل والخارج، ومن الإيرانيين من يدعو إلى وقف التدخل في الشؤون العربية والخليجية، والتصالح مع المملكة العربية السعودية وعموم أهل السنّة والدول العربية، وبناء سياسة وطنية تنهض بإيران وتنعش اقتصادها وتنقذ عملتها وتسهل على المواطن الإيراني السفر والإقامة والانتقال، وتبعد إيران عن مجموعات التشدد والتطرف والتدخل وغيره.
ولكن ما هو سائد بين الكثيرين من شيعة الكويت والدول الخليجية، تجاهل الانتقادات الواقعية الموجهة لإيران وسياستها وتدخلاتها، واعتبار هذه الانتقادات تصريحات طائفية، وعدم تقبل أي نقد أو تخطئة للسياسة الإيرانية، لأن ربما جمهورية إيران الإسلامية لا يمكن أن تخطئ!
إذ لم نرهم ينتقدون ويعارضون أي سياسة لها منذ نحو أربعين سنة! ما نراه ونلمسه اليوم في الوسط الشيعي الكويتي والخليجي والعربي- في لبنان والعراق خاصة- ينذر بأشد المخاطر على مكانة الشيعة كطائفة، وكمكون لشعوب المنطقة، وكشريك في بناء هذه الأوطان… فما المخرج؟
إن المخاطر المحدقة لا يدركها الجميع، وهناك جانب تهدّم وخَرِب من الثقة المتبادلة، لا يعلم أحد مدى قابليته للإصلاح، في الوضع الطائفي، وليس المطلوب أن يتحدث الكل أو يكتب الجميع. ولكن، كما اشتكينا مراراً، أين قيادات الشيعة ونخبهم في الكويت والدول الخليجية؟ أين مثلاً دور رجال الأعمال والدين والقانون والفكر في تحريك أجواء المصالحة والتفاهم والضغوط على الأجنحة المتشددة في إيران والعراق ولبنان؟ ولماذا ينفرد “آية الله السيستاني” بين حين وآخر، بمواقف معينة، تحد من زحف إيران على شيعة المنطقة وعلى المرجعية الدينية، ولا نرى أو نسمع أي دور أو صوت أو أي موقف علني لرجال المذهب الشيعي في الكويت والدول الخليجية؟
أين الدور السياسي لأعضاء مجلس الأمة الحاليين والسابقين، ورجال القانون والمحامين، والصحافيين وأساتذة الجامعات والكليات وحتى أصحاب الحسينيات؟ ألا يستطيع كل هؤلاء أن يؤثروا في آراء الشيعة ومواقفهم وفي الموقف الإيراني، وفي سياسات حزب الله والتشيع السياسي، وأن يشكلوا لجنة ما أو ثقلا سياسيا أو مذهبيا، كما في دول كثيرة شرقية وغربية، تأخذه إيران والأجنحة المتشددة في الاعتبار وتحسب له أي حساب؟
ألا تستطيع النخب الشيعية هذه من رجال أعمال وبرلمانيين ورجال دين ومحامين وإعلاميين وغيرهم، من الرجال والنساء أن تؤثر في القاعدة الشعبية في الحسينيات والديوانيات والأوساط الشعبية المختلفة، والتي تستهدفها عادة أداة الإعلام الإيرانية بالسر والعلن، فتتكون في الكويت وغيرها، نتيجة نشاط هذه النخب، رؤية شيعية وطنية تكافح جرّ هذه الدول والمجتمعات إلى مدار السياسات المغامرة التي تورط إيران نفسها بها منذ أكثر من ثلاثين سنة… ولا تزال!
ألا توجد مثلا رؤية مستقلة تعطي الأولوية لمصالح الشيعة ومستقبل الجيل القادم بعيدا عن رؤية إيران لمصالحها كدولة وسياسة ونظام؟ وإذا كانت الرؤية موجودة فمن يعلنها ويصرح بها؟ لا نريد هنا أن نتحدث عن سياسات إيران ومصالحها في العديد من الدول والتجارب. وما يهمنا في هذا المقام أن الكثير من شيعة الكويت والخليج ينعمون مثل الآخرين بالمال والراحة والمقام الرفيع والحرية المذهبية والسياسية، فبمَ سيدافعون عن كل هذه المكاسب؟ وكيف سينقلون لأبنائهم هذا التراث من التسامح والاستقرار والحرية السياسية والمذهبية؟ وكيف سيكسبون الثقة والتقدير، إن كانت ردود فعل الطوائف الشيعية إما منطوية على مواقفها المذهبية إزاء إيران، أو غير قادرة على تطوير وفرز رؤية عصرية وناضجة لواقعها وعلاقاتها؟
الكثير من الشيعة يصارحون بعضهم برؤية معارضة ومواقف ناقدة لإيران وحزب الله والتشيع السياسي وبخاصة في العراق وسورية ولبنان، والذين يبدون امتعاضهم واستياءهم من عملية مثل تخزين الأسلحة في الكويت أو أي عملية أخرى تخدم الإرهاب أكثر.
ولكن لا أثر لأي عمل جماعي منظم ولا أحد من الكبار أو الصغار من القانونيين أو رجال الدين والأعمال والإعلام، يتقدم علنا لتحمل المسؤولية السياسية، ومخاطبة المجتمع الكويتي والخليجي بصوت مسموع يطمئن الناس ويضع النقط على الحروف.
لا أثر لأي توجيه أو تنوير للقاعدة الشيعية الشعبية على الصعيد السياسي والمذهبي داخل الكويت والدول الخليجية، ولا أثر كذلك لأي خط ناضج مدرك يخاطب الشيعة ويحذرهم من مخاطر مغامرات إيران “وحزب الله” وتكتيل الشيعة على أسس طائفية خلف هذه السياسات.
لقد أثرتُ هذا الموضوع مرارا دون جدوى، فما العمل؟ تحدثوا علنا أمام التاريخ قبل أن يتحدث التاريخ نفسه عن هذا الموقف السلبي!