أول مايو 2015، في ضواحي مدينة حلب: البراميل المتفجّرة التي تلقي بها القوات التابعة للنظام السوري “تنشر الرعب والموت” بحسب أحدث التقارير الصادرة عن منظمة العفو الدولية. (Reuters)
بقلم فريديريك بورنان، جنيف
في جنيف، أطلقت الأمم المتحدة هذا الأسبوع سلسلة من المشاورات بشأن سوريا تشارك فيها إيران للمرة الأولى. وبالنسبة لمحمد رضا جليلي، الخبير في الشؤون الإيرانية، فإنه ليس بمقدور الجمهورية الإسلامية، على عكس ما يعتقد كثيرون، إعادة بناء الإمبراطورية الفارسية، لأن إيران الآن “في موقف ضعيف”، على حد قوله.
في الحوار التالي، يقيّم محمّد رضا جليلي، الأستاذ الفخري في معهد الدراسات العليا للعلاقات الدولية ودراسات التنمية في جنيف، هذه المشاورات وأهمّ مستجد فيها، أي مشاركة إيران لأوّل مرة.
swissinfo.ch: لتهدئة التوتّرات والحروب الإقليمية، هل يُمثل حل الأزمة السورية أولوية؟
محمّد رضا جليلي: سوريا هي حجر الزاوية في المعادلة الإستراتيجية للصراع في الشرق الأوسط. فالأزمة السورية لديها امتدادات مهمّة ليس فقط في لبنان وإسرائيل، ولكن أيضا فيما يتعلّق بتركيا والأنظمة الملكية في بلدان الخليج الغنية بالثروات النفطية.
سوريا توجد ايضا على مفترق الطرق في كل الإنقسامات الإقليمية في الشرق الأدنى والشرق الأوسط. وستكون لتسوية الأزمة في سوريا تداعيات في جميع أنحاء المنطقة.
swissinfo.ch: في هذه الحرب التي خلفت حتى الآن 220.000 قتيل، كان هناك حديث كثير عن التأثير الكبير لروسيا على نظام بشّار الأسد. ولكن، أليس تأثير إيران هو الأهم على نظام الحكم في دمشق؟
محمّد رضا جليلي: لإيران من الوسائل ما يُعادل ما لدى روسيا للضغط على حكومة بشّار الأسد، نظرا لأن إيران هي في الواقع الحليف الإقليمي الوحيد الأهم. وهذا منذ 30 عاما. والمبادلات بين البلديْن متواصلة منذ فترة طويلة.
لذلك، أعتقد أن إيران سوف لن تقوم بدور حاسم، إذا ما اقتُرح تغيير الحكومة في سوريا. الآن كل المؤشرات الصادرة عن طهران تلتقي عند فكرة واحدة، وهو أن النظام الإيراني يريد الحفاظ على الأسد في السلطة.
swissinfo.ch : في حال التوصّل إلى اتفاق بشأن الملف النووي، هل يمكن أن تعدّل طهران سياستها الخارجية من أجل تحقيق الإستقرار في المنطقة؟
محمّد رضا جليلي: الكثيرون يراهنون على هذا الإحتمال، قائلين بأن العودة القوية لإيران على الساحة الدولية ستدفع هذا البلد لكي يكون أكثر تصالحية حول القضايا الإقليمية، في سوريا والعراق على وجه الخصوص. ولكن الكثيرين في المقابل يشُكّون في حدوث تغيير سريع في المواقف الإيرانية.
الشخص الوحيد القادر على تغيير اتجاه السياسة الخارجية لإيران هو المرشد الأعلى للثورة، علي خامنئي، المهندس الأوّل للسياسة الإقليمية. والملاحظ أن خطابه لم يتغيّر كثيرا. وعندما يُسأل عن مستقبل العلاقات مع البلدان المجاورة، يرد بأنه بل قائد ثوري، وليس دبلوماسيا،
حاليا ليس لإيران أي مصلحة في تغيير مواقفها في ما يتعلّق بالعراق وسوريا، بل وحتى بالنسبة لليمن ولبنان.
swissinfo.ch: هذا الموقف الثوري هل ما زال يحتفظ بأهمية كبيرة لدى النظام الإيراني؟
محمّد رضا جليلي: هو كذلك على الأقل بالنسبة للنظام ومؤسساته، ولدى المرشد والدوائر المحيطة به. لكنه أقلّ أهمية في دوائر أخرى. ويحاول رئيس الجمهورية اتخاذ مسافة من هذا الخط الثوري. حسن روحاني يقدّم نفسه كدبلوماسي أكثر منه كثوري.
لكن الشعب الإيراني بإمكانه أن يدفع نحو تليين هذه السياسة الثورية على المدى المتوسط.. إنه يؤيّد بقوة الإتجاه نحو تحوّل سريع في البلاد، ولفتح الحدود، وللتعاون مع الخارج، لكنه يُعاني الآن كثيرا من العزلة التي تعيشها البلاد. عندما تم التوصّل إلى الإتفاق الإطاري الذي وُقّع في لوزان يوم 2 أبريل 2015، نزل المواطنون للإحتفال في الشوارع، قائلين بأنها ليست سوى الخطوة الأولى على طريق تغيّرات أخرى كثيرة قادمة، وذلك بعد 36 عاما من هذه المرحلة الثورية التي تكاد لا تنتهي. هذه الفجوة بين الحاكم والمواطن، حتى الأنظمة المستبدّة تحسب لها حسابا.
swissinfo.ch: بعض المراقبين يؤكدون أن إيران بصدد إعادة إحياء الإمبراطورية الفارسية. هل لإيران القدرة على مواجهة التحالف المتشكّل حول المملكة العربية السعودية، ناهيك عن شيء آخر؟ أليست في موقف ضعيف؟
محمّد رضا جليلي: في صورة ما تم التوصّل إلى اتفاق (بين إيران والقوى الخمسة زائد واحد)، لا أعتقد أن الولايات المتحدة ستتخلى عن المملكة العربية السعودية. في أحسن الأحوال سوف تتبع الولايات المتحدة مع إيران السياسة التي كانت تتتبعها معها في عهد الشاه، أي سياسة الرّكيزتيْن: الإعتماد على إيران وعلى المملكة العربية السعودية في آن واحد.
إيران في موقف ضعيف. سياستها التوسعية إلى حد ما بالإمكان أن تلحق بها الضرر في نهاية المطاف. خاصة وأن هذا التوجّه الثوري لا يُنظر إليه كتوجه إسلامي، بل كتوجه شيعي.
مع ذلك، الخطر الحقيقي الذي يهدد إيران، ليست الولايات المتحدة، أو إسرائيل أو المملكة العربية السعودية، بل الأزمة البيئية الخطيرة. فالمياه تنقص بطريقة مُزعجة للغاية.
الإحتباس الحراري تعاني منه بلدان الشرق الأوسط باكملها. ولكن إيران تظلّ أكثرها تضررا منه. لقد جفت جميع البحيرات الإيرانية، وكذلك معظم المياه السطحية والجوفية. وهذا في جزء منه بسبب فشل السياسات الزراعية وسوء إدارة الموارد المائية.
محمد رضا – جليلي (RTS)
swissinfo.ch: الاقتصاد الإيراني يوجد في أسوإ حالاته بفعل العقوبات الدولية. هل يحد هذا الوضع من دعم إيران لنظام بشّار الأسد؟
محمّد رضا جليلي: في الوقت الحالي تروج الكثير من الشائعات حول تدني مستوى الدعم المالي لسوريا، ولكن أيضا لحزب الله، القوة العسكرية الممثلة لإيران في سوريا. إذا تواصلت العقوبات الدولية، سوف تجد إيران نفسها خاضعة لقيود في مجال سياستها الإقليمية ولكن أيضا على المستوى الداخلي. لقد أنتخبت حكومة روحاني من أجل إيجاد حلّ للأزمة الاقتصادية، الحل الذي يمرّ حتما بإيجاد اتفاق بشأن الملف النووي.
swissinfo.ch: هل نشهد إعادة رسم للتوازنات بين المملكة العربية السعودية وإيران في الشرق الأوسط؟
محمّد رضا جليلي: ديناميات اللعبة معقّدة جدا. الإيرانيون والسعوديون على السواء يقفون على رمال متحرّكة. إنهما لا يستطيعان بناء تحالفات مستدامة على الإطلاق في اليمن والعراق وحتى في سوريا.
swissinfo.ch: بالنظر إلى حالة عدم الإستقرار في المنطقة. تُعدّ إيران على الأقل من البلدان الأكثر استقرارا في مجالها، أليس كذلك؟
محمّد رضا جليلي: بالتأكيد. إذا ما قارناها مع جميع جيرانها العرب، والآسيويين (باكستان وأفغانستان). فهي بلد مستقر له تاريخ يعود لآلاف السنين، ومرّ بعملية تحديث في بداية القرن العشرين.
نُشِرت في “سويس إنفو“