بيروت ١٩٧٥-١٩٧٦، عدن ٢٠١٥: المشاهد نفسها، والعنف نفسه، ولا يبدو أن الحلّ قريب! ميليشيات “القات” في اليمن ليست أكثر إنسانية من ميليشيات بيروت (اللبنانية والفلسطينية)! والمغامرة الإيرانية لن تنتهي بسهولة لأن هزيمة “الحوثيين” تفتح الأبواب لضرب النفوذ الإيراني في لبنان وسوريا والعراق! إيران ستقاوم حتى آخر”حوثي”، وقريباً نسمع عن سقوط “شهداء” من حزب الله في عدن وصعدة!
*
عبد الكريم سلام – صنعاء، اليمن
علت أصوات المنظمات والهيئات الأممية والوطنية والدولية والنشطاء العاملون في مجال الغوث الإنساني، مُحذرة من كارثة إنسانية وشيكة في اليمن، جرّاء المواجهات المسلحة والضربات الجوية التي تشنّها دول التحالف في اليمن، وتوسّع أعمال العنف في مناطق المواجهات بين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح من جهة، وما بات يُطلّق عليه المقاومة الجنوبية من جهة أخرى.
وينقل نشطاء حقوقيون ومدنيون وعاملون في مجال الغوث الإنساني، صوراً مأساوية لتدهْور الأوضاع الإنسانية، والإنتهاكات الحاصلة في مسرح المواجهات، تزيد من خطورتها إعاقة ومنع الأطراف المتحاربة للمنظمات المعنية بالشأن الإنساني من أداء مهامِّها، ومن الوصول إلى إنقاذ المتضرِّرين، وتقديم المساعدات لضحايا الصراع من الجرحى وأسْرى الحرب والسكان المدنيين المحاصرين، خاصة في مدينة عدن التي تشهد أشرس المعارك.
تردي الأوضاع الأمنية
في حديثها لـ swissinfo.ch، قالت ماري كلير، المتحدثة الرسمية باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن: “لدينا في الصليب الأحمر القُدرة للوصول إلى كلّ المستشفيات، وإلى مناطق الصِّراع، لكن الحالة الأمنية تعيقنا في تنفيذ أعمالنا”، مؤكِّدة أن “جميع الأطراف تُساهم في عرقلة وصول العاملين في اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى المتضرّرين والمستشفيات”.
من جهته، يقول خضر الميسري، رئيس منظمة “حق” غير الحكومية: “باعتباري ناشطا حقوقيا مُحايدا، حاولت أن أدخل إلى بعض المواقع لرصْد وتوثيق حالات الإنتهاكات، لكني لم استطع بسبب انتشار القنّاصة على أسطُح المباني وفي جبل حديد”.
وعن حال المستشفيات في عدن، أوضح الميسري أن “بعضها أضحت في منطقة الخطر، وعلى سبيل المثال مستشفى “الصداقة” لم يعُد بالإمكان الوصول إليه أو الخروج منه، بسبب المُواجهات، وجثة إبن أخي الذي سقط في المواجهة يوم 6 أبريل، لم أتمكن من إخراجها من المستشفى بسبب المخاطر وغلْق الطُّرقات المؤدِّية إليه، كما أن هناك انتهاكات للقوانين الإنسانية”.
كما يضيف الميسري قائلاً: “قائد المجموعة الذي كان ضمنها إبن أخي إسمه الصبيحي، سلّم نفسه بعد حِصاره، لكنهم كما أكد رفاقه أردوه قتيلاً، والجرحى يُترَكون ينزفون حتى الموت، وليس هناك مَن يقدر على إسعافهم. ففي حي خور مكسر، شاهدت أنا وأحد رفاقي جريحيْن كُنا نهم بإسعافهما، لكن كثافة النيران منعتنا”.
انتهاكات بالجُـملة
بدوره، يؤكّد بسام القاضي، وهو صحفي وعضو في منظمة العفو الدولية بأن “المستشفيات الحكومية تفتقِر لأبسط التجهيزات الطبية، وتعاني من نقْص الأطباء، لأنهم يشتغلون في عِياداتهم وتركوا المستشفيات. وتحاول منظمات المجتمع المدني توفير الأدوية عبر التبرّعات والهِبات”.
ويمضي القاضي يسرد بعض الإنتهاكات بقوله: “يمارس الحوثيون وأتباع حليفهم (علي عبد الله) صالح اعتداءات على الأطقم الطبية في الهلال الأحمر والمنظمات التطوُّعية. فقد قتلت هذه القوات 3 من المتطوِّعين العاملين في مجال إسعاف الجرحى والمصابين. ويوم الثلاثاء الماضي (7 أبريل 2015)، اختطفوا ستة منهم وما زالوا مُحتجزين، كما احتجزوا سيارة للإسعافات المزوّدة بالمُعدّات الطبية، واقتادوها ومَن فيها إلى فندق “ميركور”، كما يعمدون إلى قطع الطُّرقات الرابطة بين المديريات.
ويدلي نعمان الحكيم، صحفي وناشط مدني في مدينة عدن بشهادته فيقول: “عمري 62 سنة وعاصَرت حروب مختلفة، لكني لم أشاهد أفعالا كهذه. فقد خرجت أنا وأسْرتي بأعجوبة وسط النيران. القنص يستهدف الأبرياء المدنيين مِن على المباني السكنية، والضحايا من الأطفال في عمر الزهور سقطوا أمام عيني في جبل “المعلا”، طفل توفي في الحال، فيما أخوه بترت يده، وجثث لجنوبيين ملقاة في كل مكان، والإسعاف منعدِم لأنهم استهدفوا سيارات الإسعاف”.
تجاهل الجوانب الإنسانية
بعض المراقبين يعزو هذه الممارسات إلى جهْل أطراف الصِّراع بقواعد ومبادئ القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان عموما، لكنهم يرون أن الغلو العقائدي والأيديولوجي والإنتقام بين أطراف الصراع، تؤدي كذلك إلى التغاضي عن الجوانب الإنسانية، كما أن الأمر لم يقتصر على تلك الإنتهاكات المرتكبة من قِبل الحوثيين وأتباع صالح، إنما أيضا من قبل المقاومة الشعبية التي قامت بإعدام بعض الأسرى حرب خارج القوانين، وعلى وجه الخصوص من القنّاصة التي ألقي عليهم القبض بعد قنصهم بعض الشباب في مدينة عدن.
ويقول سليم القاضي في هذا المضمار: “تم أسْر 17 قنّاصاً كانوا يقومون بقنص المدنيين، أعدم منهم أهالي الضحايا 9 قناصة لقتلهم أقاربهم، لكن بالمقابل، قام الحوثيون باحتجاز ستة جُثث للمقاومة في صوامع الغلال، ويرفضون تسليمها إلا بمبادلتها بأسْرى، مضيفاً: قبل أمس أعدموا 3 من شبان المقاومة في ساحل أبين واختطفوا إثنيْن، وُجِد أحدهم مقتولا في سيارته والآخر يظل مجهول المصير”.
القاضي أطلق نداء استغاثة مشددا على أن “عدن بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة”. فالمدينة إلى جانب كل ما ذكر، مُهدَّدة بكارثة بيئية وصحية، حيث يُنذر طفح المجاري في شوارع المدينة الجنوبية بكارثة إنسانية إلى جانب تكدس الزبالة والقمامة.
في الوقت نفسه، تتسبب الضربات الجوية في سقوط ضحايا من المدنيين وتُسهم في تدمير البُنى التحتية والمنشآت المدنية، ما يُضاعِف من معاناة المدنيين والأطفال، براً وجواً وبحراً، وقد سجّل في العاصمة صنعاء وفي صعدة وعمران، سقوط عشرات الحالات من المدنيين بسبب تلك الضربات الجوية، كما أن عدن – التي ترتفِع فيها أصوات المقاومة مُطالِبة بتوجيه ضربات إلى قوات الحوثي وصالح – لم تسلم أيضاً من أخطاء ضربات قوات التحالف التي تقودها السعودية.
مخاطر كبيرة
ويفي معرض تعليقه على ذلك، يقول الميسري، رئيس منظمة “حق”: “في غياب وجود تنسيق على الأرض بين المقاومة وقوات التحالف، والعشوائية أيضا في تلك الضربات، ارتُكِبت بعض الأخطاء، كاستهداف منشآت غير عسكرية، مثلما حصل في ضرب ملعب 22 مايو. وفي دار سعد، ضربت دبّابتين من قبل طيران التحالف وضرب معهما سوق، وربما تصلهم معلومات مضلّلة من الأرض.
إلى جانب كل تلك الانتهاكات وجهل القوانين الإنسانية وحقوق الإنسان، تساهم البيروقراطية الإدارية والحساسيات الأيديولوجية في عرقلة المنظمات من أداء عملها على النحو المأمول. فطائرة الصليب الأحمر التي هبطت ظُهر الجمعة 10 أبريل الجاري في العاصمة صنعاء وعلى متنها حوالي 15 طناً من مواد الإغاثة والأدوية، كان من المقرّر أن تهبط قبل موعدها، إلا أنها لم تستطع دخول الأجواء اليمنية، حسب ما قالت السيدة ماري كلير، المتحدثة الرسمية باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن لـ swissinfo.ch “نواجه تعقيدات إدارية غريبة وصعبة خارجة عن إرادتنا، فطائرتنا التي كان من المنتظر أن تصل أمس إلى صنعاء لم تستطع دخول الأجواء بسبب التعقيدات الإدارية، على الرغم من استكمالنا لكل الإجراءات وحِرصنا على تقديم كافة الأوراق والوثائق المطلوبة لذلك”.
خلاصة القول، يظل الوضع الإنساني في اليمن منطو على مخاطِر كبيرة مرشّحة لمزيد من التدهْور، ما لم تتمكّن المنظمات الإنسانية والحقوقية والتطوُّعية من تقديم يد العوْن للمتضرِّرين، ضحايا الصراعات والمواجهات.