ما يميّز المغرب هو تلك الإستمرارية في سياساته التي تقوم على محاربة الإرهاب في الداخل وفي المنطقة المحيطة به. لا يعيش المغرب في عزلة عن الإقليم. على العكس من ذلك، إنّه جزء لا يتجزّأ من كلّ ما يدور فيها على كلّ الصعد وفي مختلف المجالات. لذلك لدى المغرب والملك محمّد السادس طريقة خاصة وطليعية لخوض الحرب على الإرهاب. المنطلق هو الداخل المغربي والعمل في الوقت ذاته على نشر ثقافة التسامح والإنفتاح والإعتدال في الجوار الإفريقي و العالم، مع التركيز على اوروبا والعالم الإسلامي…إذا أمكن.
ليس صدفة أنّ تشمل الحرب على الإرهاب التي تترافق مع حملات لتشويه صورة الإسلام انشاء معهد في الرباط لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات في الرباط. افتتح العاهل المغربي المعهد الذي يتسع لألف طالب في الرباط. سيضطلع الجديد وهو “معهد محمّد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات” بدور مهم إلى جانب بقية المؤسسات “في المحافظة على الهوية الإسلامية للمغرب التي تحمل طابع الإعتدال والإنفتاح والتسامح”.
كان محمّد السادس أعطى إشارة الإنطلاق لبناء المعهد في الثاني عشر من أيّار ـ مايو الماضي. وهذا يعني أن إنجاز المعهد، على مساحة تزيد على ثمانية وعشرين ألف متر مربّع، تمّ بسرعة قياسية. الهدف من إنشاء المعهد، وقبل ذلك الدعوة إلى التصدي للإنحراف الديني، واضح كلّ الوضوح وهو “يندرج في إطار تنفيذ استراتيجية مندمجة تروم إلى بثّ قيم الإسلام المعتدل لدى الأجيال الشابة من الأئمة المرشدين والمرشدات، وهي القيم التي سادت المغرب على الدوام، وذلك بهدف تحصين المغرب من نزعات التطرّف المنحرفة التي تنتشر في العالم”.
لا يكتفي المغرب في تحديد الداء المتمثل في التطرف الديني والإنحراف والأئمة غير المهيئين لنشر الإسلام المعتدل والمنفتح. إنّه يصف ايضا الدواء. المعهد الجديد دواء من تلك التي تحتاجها الحرب على الإرهاب، وهو أيضا “تجسيد للدور السامي لإمارة المؤمنين، باعتبارها الضامن لممارسة الشعائر الدينية الإسلامية الحقّة التي تقوم في جوهرها على التسامح والإنفتاح وترتكز على العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوّف السنّي”.
أكثر من ذلك، يشمل الدور المغربي في مجال مكافحة الإرهاب “ارساء شراكة مع البلدان الإفريقية الشقيقة والصديقة، لا سيّما إثر قرار أمير المؤمنين الملك محمّد السادس، القاضي بالإستجابة للطلبات المتعلّقة بتكوين الأئمة والواعظين المنحدرين من الدول الإفريقية في المغرب”.
الملفت في الأمر أن المعهد الجديد يستقبل حاليا ٤٤٧ طالبا اجنبيا ينحدرون من مالي (٢١٢ طالبا) وتونس (٣٧ طالبا) وغينيا ـ كوناكري (١٠٠ طالب) والكوت ديفوار (٧٥ طالبا) وفرنسا (٢٣ طالبا).
تبدو هذه التفاصيل في شأن المعهد الجديد أكثر من ضرورية لمحاولة فهم ما يبذله المغرب من جهود تصبّ في خدمة حماية الإسلام الذي يواجه حربا حقيقية يشنّها عليه المتطرفون الذين يسعون إلى خطف الدين الحنيف وتوظيفه في مشاريع ذات طابع ارهابي ولا شيء غير ذلك.
هناك شجاعة مغربية. وهناك شجاعة اردنية ايضا عبّر عنها الملك عبدالله الثاني الذي قال في كلمته الموجهة إلى القمة العربية في شرم الشيخ والتي القاها نيابة عنه رئيس الوزراء عبدالله النسور “إنّ الحرب على الإرهاب والتطرّف هي حربنا، وهي حرب نخوضها نحن المسلمين دفاعا عن ديننا وقيمه الإنسانية المثلى ضدّ الجماعات الإرهابية التي لا تمتّ للإسلام بصلة والتي تستهدف أمن شعوبنا ومستقبل هذه الأمّة. من هنا، لا بدّ لنا من تبني منهج شمولي لدحر خوارج عصرنا وهزيمتهم، منهج يشمل الجوانب العسكرية والأمنية والإجتماعية والتعليمية والثقافية وغيرها، إضافة إلى وضع السياسات وتوفير الموارد لمحاربة التهميش والفقر والإقصاء وخلق فرص العمل لشبابنا”.
لا بدّ من التوقّف أيضا عند الموقف الجريء الذي لا سابق له للملك سلمان بن عبد العزيز، من خلال عملية “عاصفة العزم” التي تستهدف وضع حدّ لتمدّد ميليشيا الحوثيين في اليمن، وهي ميليشيا مذهبية تهدّد كلّ منطقة الخليج، كما تهدّد اليمن. فعملية “عاصفة العزم” تستهدف القضاء على التطرّف بكل اشكاله كون “انصار الله” و”القاعدة” وجهين لعملة واحدة.
هناك صحوة عربية. هناك أفعال تسبق الكلام في غير منطقة عربية. ما نشهده في المغرب أفعال تأتي ترجمة لما يؤمن به ملك يقود كلّ ما له علاقة بالتقدّم في بلاده. كذلك الأمر بالنسبة إلى الأردن حيث يقود عبدالله الثاني الشارع ويسعى إلى جعله يفهم طبيعة التحديات التي تواجه الأردن والمنطقة كلّها.
ثمّة تباشير ايجابية أيضا مصدرها تونس حيث بدأت السلطات تعي خطورة ترك الأئمة المتطرفين ينشرون التطرّف. فقد شهدت تونس أخيرا إزاحة شخص يدعى حسين العبيدي، وجد من يفرضه إماما على مسجد جامع الزيتونة المعمور المعروف تاريخيا بالإعتدال والحداثة على كلّ المستويات.
أدركت تونس في في عهد الباجي قائد السبسي أن لا مجال بعد الآن للحلول الوسط مع أئمة الجوامع الذين يلعبون دورا اساسيا في تعبئة المتطرفين وتشجيعهم على الإنضمام إلى “داعش” وما شابهها. إكتشفت تونس أن مواطنيها يشكّلون العدد الأكبر من الأجانب المنضمين إلى “داعش”. كان لا بدّ من استعادة جامع الزيتونة من التطرف والمتطرفين وذلك عبر التخلص من العبيدي الذي لم تكن “النهضة” بعيدة عن وضعه في هذا الموقع.
كان جامع الزيتونة، لعب دورا في بناء تونس العصرية وساهم في نجاح المشروع الحضاري للحبيب بورقيبة الذي في اساسه حقوق المرأة ومساواتها بالرجل. في عهد قريب سبق التخلّص من العبيدي، تحوّل جامع الزيتونة إلى مشجّع للإرهاب والتطرف وحتّى ما سميّ “جهاد النكاح”.
حان الآن وقت إعادة الساعة التونسية إلى عهد الحضارة والقضاء على كلّ مخلفات عهد “النهضة” التي حولت مقولة “تُقادون إلى الجنّة بالسلاسل” إلى شعار مهين للانسان ومكبّل له وهو “تقادون الى السلاسل بالجنة”.
تبدو المنطقة العربية عند منعطف. إنّننا في مرحلة بداية للحرب الجدّية على الإرهاب التي أعلنها أيضا الباجي قائد السبسي بعد الإعتداء الإرهابي على متحف باردو في تونس. وما المسيرة التي شهدتها تونس بحضور رؤساء دول وحكومات من العالم الحرّ سوى تزكية لخيار مصيري بالنسبة إلى العرب خصوصا والمسلمين عموما. إنّه بين أن يكونوا أو أن لا يكونوا.
الحرب مع الميليشيات المذهبية مثل “انصار الله” وعلى الأئمة الذين يرعون التطرف جزء من معركة إثبات الوجود. نعم، هناك عرب يحاربون الإرهاب بوسائل مختلفة من أجل الإنتصار على التخلّف وإثبات الوجود على خريطة المنطقة.