منذ ارتكاب المذبحة في مكاتب «شارلي إيبدو» وفي متجر «الكاشير» اليهودي في باريس بأيدي من ينتمون دينيّاً إلى الإسلام، كُتب الكثير وسيُكتب حول هذه العملية، وحول موضوع الإرهاب بصورة عامّة. ومن يتابع ردود الفعل العربية والإسلامية التي أعقبت ذلك يجد نفسه مضطرّاً لوضع بعض النقاط على ما ابتهم من الحروف، ابتغاء تنقية الأجواء وإجلاء الزؤان من الطريق التي ستفضي إلى برّ الأمان.
لا شكّ أنّ هنالك الكثيرين ممن يعبّرون عن إداناتهم الصريحة لهذه الجرائم التي تُرتكب بحقّ الأبرياء، ليس لمجرّد أنّها تَصِمُ عموم المسلمين والعرب بوصمة الإرهاب، بل تخرج إداناتهم لها من موقف مبدئيّ واضح. لكن، من جهة أخرى، هنالك الكثيرون أيضاً، من فئة الذين، بالإضافة إلى التعبير ودفع ضريبة الإدانة الكلامية لجرائم يرتكبها مسلمون وعرب، قد يُشتمّ من كتاباتهم نوعٌ من التبرير المُبطّن لهذه الجرائم ولمرتكبيها. لذلك، لزام علينا أن نتطرّق إلى أمثال هؤلاء المُبطّنين، وإلى مواجهتهم علانية إذ لا يمكن أن يكون أمثال هؤلاء جزءاً من حلّ هذا المأزق، بل على العكس هم جزء من المأزق ذاته.
فماذا يقول هؤلاء لقرّائهم؟ بعضهم ينحي باللائمة على فرنسا ويجعل منها سبب الجريمة، فيستعيد ذكريات الاستعمار الذي لم يعد له وجود منذ عشرات السنين. والبعض يحيل الموضوع برمّته إلى تهميش هؤلاء في المجتمع الفرنسي وأنّ «إسلام» هؤلاء إسلام فرنسي داخلي لا علاقة له بالإسلام الحقيقي. ومن يذهب بعيداً بالقول إنّه لا يمكن الإساءة للرموز الدينية، وأنّه لولا نشر مثل هذه الإساءات لما حصل ما حصل.
في الحقيقة، من يطرح مثل هذا الكلام يرغب في الإمساك بالحبل من طرفيه، أو الرقص في حفلتي زفاف في الآن ذاته. فمن جهة، يدفع الضريبة الكلامية بالتنديد بالجريمة، ومن الجهة الأخرى يستعطف الخلفيات الدينية والثقافية التي نشأ فيها مرتكبو الجرائم، وهي الخلفية ذاتها لصاحب الكلام.
لننظر في أنواع تلك التبريرات المبطّنة:
إنّ الذي يذهب إلى الماضي القريب ويستعيد ذاكرة الاستعمار الفرنسي، أو الذي يذهب إلى الماضي البعيد ويستعيد ذاكرة الحروب الصليبية، يتوقّف فجأة عن التذكّر حيث لا يجرؤ على المضي خلفاً في الذاكرة لأنّها ستضعه أمام الحروب الاستعمارية العربية والإسلامية، أي تلك الحروب التوسّعية الاستعمارية التي يُطلق هو عليها تحبُّباً مصطلح «فتوحات».
فإذا كانت ذاكرته انتقائية فللشعوب الأخرى ذاكرتها أيضاً التي نُقش فيها الكثير من المواضي. إنّ الحفر في الماضي لن يُجدي نـفـعاً، بل قد يتكشّف عن أمور ليست لمصلحة من يفتح كلّ تلك الملفّات.
ثمّ إنّ الذين يرفعون مبرّرات تحيل إلى التهميش الاجتماعي لكلّ هؤلاء المهاجرين في المدن الغربية ينسون أو ربّما يفضّلون أن يتناسوا أنّ هنالك مهاجرين بالملايين من شعوب، إثنيّات ومعتقدات دينية أخرى في تلك المدن الغربية، كالهنود والصينيين والفييتناميين وغيرهم الكثيرين من أماكن شتّى كانت هي الأخرى مستعمَرة من هذا الغرب ذاته.
غير أنّنا لا نسمع أحداً من كلّ هؤلاء يتباكى في شأن التهميش وما إلى ذلك من دعاوى. كما لا نسمع أنّ أحداً من كلّ هؤلاء يجنح إلى الإرهاب وارتكاب الجرائم على هذه الخلفية.
وإذا انتقلنا إلى مسألة التبرير التي تكمن في دعوى المسّ بالرموز الدينية، فهذه الحضارة الغربية التي تكفل حرية التعبير والتفكير تفسح المجال لنقد كلّ المقدّسات، وعلى رأسها مقدساتها هي قبل مقدسات الآخرين. يجب أن يكون واضحاً أنّ حرية التفكير هي التي تدفع المجتمعات قدماً، كما إنّنا نستطيع القول إنّ الحضارة التي لديها ثقة بالنفس هي تلك التي تكون فيها حرية التفكير والتعبير واسعة ومكفولة في الدساتير، مهما تعرّضت هذه لكلّ الأبقار المقدّسة.
وخلاصة القول، إنّ هنالك شيئاً من المحظورات التي يهرب أولئك المبرّرون من الولوج في حيثيّاتها. فكما ذكرنا، إذا كان المهاجرون من الإثنيات والمعتقدات الأخرى غير العربية وغير الإسلامية يشاركون العرب والمسلمين في ذاكرة الاستعمار، وكثيراً ما يشاركونهم أيضاً في التهميش وفي خلفيات لها علاقة بالعالم الثالث، فلماذا لا نرى هؤلاء يشاركون العرب والمسلمين في ارتكاب جرائم الإرهاب ضدّ مواطني الدول المستعمرة ذاتها؟
إذاً، والحال هذه، هل هنالك أسباب أخرى لها علاقة بنا نحن؟ وبكلمات أخرى، هل هنالك أمور تتعلّق بمعتقداتنا، بمقدّساتنا وبخلفيّاتنا الحضارية والدينية تجعل من الصدام مع الآخر جوهراً من ذهنيّاتنا التي لا نستطيع منه فكاكاً. واللبيب من الإشارة يفهم، كما يقال.
هذه الأسئلة يجب أن تُطرح على الملأ، وعلينا نحن مسؤولية الإجابة عنها، إذا رغبنا في دفع مجتمعاتنا قدماً لأجل مشاركة البشرية في مسيرة التطوّر. إن لم نفعل ذلك، فسنظلّ نهيم على أوجهنا في صحارينا القاحلة، نتّهم الآخرين بفشلنا ولا نملك الجرأة للنظر إلى أنفسنا في المرآة. وإذا استمرّت الحال على هذا المنوال، فلن نصل إلى سواء السبيل.
* كاتب فلسطيني
هروبنا من مواجهة الحقائقاختزال خمسمئة عام من هيمنه إمبريالية الرجل “الابيض” على العالم قرضت شعوب قلبت ديموغرافيا العالم، احتلت قارات واستوطنتها ومنعت الكتل السكانيه من الهجرة اليها، استعبدت افريقيا لقرون وما زالت، كنت اعجب بمقالات مصالحه ولكن السيد مصالحه بعد هذه المقاله يحجم نفسه لممثل وناطق باسم النظام الأردني، الملك حسين ظل يتقاضى راتبه من المخابرات الامريكيه حتى عام ٦٧ حيث كانت خدمته الاخيره بالتنازل عن الضفة الغربيه للكيان الصهيوني. تستطيع نسيان التاريخ فقط في حاله واحده وهي عندما يتنازل المخطيء ويعترف ويغير من سلوكياته الاجراميه بحق الشعوب. فرنسا زودت الكيان الصهيوني بالقنبلة النوويه، أمريكا استعملت الفيتو لأكثر من ٤٢… قراءة المزيد ..