في نهاية الأسبوع الثالث من تشرين الأول/أكتوبر استضاف العاهل الأردني الملك عبد الله رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في العاصمة الأردنية عمّان. وخلال تلك الزيارة تعهد الملك عبد الله بتقديم الدعم الكامل للجهود العراقية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») أو «الدولة الإسلامية»، قائلاً بأن أمن واستقرار العراق يشكلان “ركيزة أساسية لأمن واستقرار المنطقة”. ولكن إلى أي مدى يؤيّد المواطنون الأردنيون أنفسهم هذا الصراع، المشترك كما يُفترض، ضد «داعش»؟
تكتسب الإجابة على هذا السؤال ضرورة إضافية ملحّة على ضوء دراسة حديثة أجراها “مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية” والتي أظهرت أن 62 بالمائة من الأردنيين لا يعتبرون أن تنظيم «الدولة الإسلامية» هو “منظمة إرهابية.” ومع ذلك، بيّن استطلاع للرأي منفصل أجراه “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” في أيلول/سبتمبر عبر شركة محلية للأبحاث التسويقية، أنّ وجهة النظر هذه مضخّمة. ففي الواقع، ووفقاً لهذا الاستطلاع الجديد، يحتفظ 8 بالمائة فقط من الجمهور الأردني بوجهة نظر إيجابية تجاه «داعش». وحتى «حزب الله»، الفصيل الشيعي اللبناني المسلح، يتمتع بدعم في صفوف الأردنيين بنسبة أكبر بقليل تصل إلى 15 بالمائة من مجموع السكان الأردنيين البالغين.
وعلاوة على ذلك، فإن النسبة الإجمالية المنخفضة لوجهات النظر الإيجابية تجاه تنظيم «الدولة الإسلامية» لا تختلف كثيراً بين المناطق المختلفة من البلاد، سواء في العاصمة عمّان، أو في المناطق الحضرية القريبة التي تشكل بؤراً للمعارضة وتشهد دعماً مؤججاً تجاه الإسلاميين مثل الزرقاء، أو في المناطق الريفية أو العشائرية الأكثر نائية في شمال البلاد أو جنوبها. وعلى الرغم من هذه النسبة المنخفضة نسبياً لمناصري «داعش»، إلا أنها أعلى من النسب التي تم التوصل إليها في الدول العربية الخمس الأخرى التي شملها هذا الاستطلاع وهي: مصر ولبنان والمملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة.
ومن ناحية الدعم الشعبي الأردني لمنظمة إسلامية، تبرز حركة «حماس» في القطب المعاكس، حيث تعبّر الغالبية العظمى من الأردنيين – 72 بالمائة – عن موقف إيجابي تجاه الحركة، بما في ذلك ثلث هذه النسبة تنظر إليها بنظرة “إيجابية جداً.” وتُعتبر هاتان النسبتان أيضاً أعلى، وبفارق كبير، من تلك التي ظهرت في جميع البلدان العربية الستة التي شملها الاستطلاع. وعلى سبيل المقارنة، حصلت السلطة الفلسطينية على نسبة تأييد أقل بكثير، حيث عبّر 49 بالمائة عن “نظرة إيجابية،” و 9 بالمائة من هذه النسبة فقط عبرت عن “نظرة إيجابية جداً”. وهذه الأرقام منطقية إذا نظرنا إليها في ضوء حقيقتين مرتبطتين بهذا الموضوع: أولاً، إن أكثر من نصف سكان الأردن هم من أصل فلسطيني، وثانياً، تم إجراء استطلاع الرأي بعد فترة قصيرة من وقوع آخر جولة من القتال بين «حماس» وإسرائيل، وهي مرحلة ولّدت تعاطفاً وتأييداً إضافيين لتلك الحركة الفلسطينية الأكثر تشدداً.
ومع ذلك، فمن المفارقة إلى حد ما هو أن دعم الغالبية الكبرى لحركة «حماس» لا يعني أن هناك نفس الدرجة من التوقع بهزيمة إسرائيل في يوم من الأيام، أو حتى رفض السلام مع الدولة اليهودية، وهو ما تدعو إليه «حماس» بصراحة. وبالنسبة إلى النقطة الأولى، تعتقد نسبة أقل بكثير (58 بالمائة) من الأردنيين أن التكتيكات العسكرية التي تتبعها «حماس» ستؤدي على الأرجح إلى هزيمة إسرائيل في المستقبل. أما فيما يتعلق بالنقطة الثانية، فإن الأكثر مدعاة للدهشة هو أن أغلبية ضئيلة من الأردنيين توافق، خلافاً لموقف «حماس»، على أن “أفضل طريقة للتقدم نحو المرحلة القادمة هي التوصل إلى سلام بين إسرائيل ودولة فلسطينية” (51 في المائة مقابل 45 في المائة).
وتكمن جماعة «الإخوان المسلمين» – الناشطة منذ فترة طويلة في السياسة الأردنية – بين قطبي الرأي العام الأردني حول «داعش» و «حماس». وتحصل «الجماعة» على تصنيف إيجابي بشكل عام من قبل ربع الأردنيين، وبدعم أكثر قليلاً في المدن المركزية في ضواحي عمّان. وهذه النسبة هي في الواقع أقل قليلاً من نسب دعم «الإخوان المسلمين» في الدول الخمس الأخرى التي شملها الاستطلاع، بما في ذلك في مصر والسعودية ودولة الإمارات، حيث أن جماعة «الإخوان المسلمين» ليست محظورة فحسب بل مصنفة علناً كمنظمة “إرهابية”.
وبالنسبة إلى مختلف المناطق الأردنية، فإن الجنوبية منها القليلة الاستقرار نسبياً والأكثر عشائرية والمعزولة جغرافياً تبرز باعتبارها الأكثر انعزالاً في مواقفها أيضاً. فالمواطنون في تلك المنطقة هم الأقل ميلاً للتعبير عن آراء إيجابية تجاه دول عربية أخرى، بدءً من مصر ووصولاً إلى قطر. كما وأنهم الأكثر ميلاً (50 بالمائة مقابل 39 بالمائة) إلى الاتفاق على أنه “يجب على الدول العربية إيلاء المزيد من الاهتمام إلى القضايا الداخلية الخاصة بها بدلاً من تلك المتعلقة بالفلسطينيين.”
والسؤال الذي يطرح نفسه، ما الذي تعنيه جميع هذه الأرقام بالنسبة إلى احتمالات التوصل إما إلى الاستقرار أو إلى المزيد من الديمقراطية في الأردن؟ تجدر الإشارة هنا إلى إن الرأي العام لا يشكل العامل الوحيد أو ربما حتى الأساسي في هذه المعادلة. فالاتجاهات الاقتصادية وسلطة الحكومة والنفوذ الخارجي وغيرها من العوامل هي جميعها بنفس الأهمية على الأقل. ومع ذلك، تشير هذه النتائج من الاستطلاع، وبشكل مدهش، إلى أن النظام يتمتع بهامش كبير في خياراته الاستراتيجية، على الرغم من جميع التوترات الداخلية والإقليمية القائمة حاليا. أما الحركة الإسلامية المعارضة الرئيسية فلا تحظى سوى بدعم الأقلية، في حين تتمتع «حماس» بشعبية أكبر بكثير، إلا أن رفضها الصارخ للسلام مع إسرائيل يحظى بتأييد أقل بكثير. وبالنسبة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي يشكل التحدي الأكثر إلحاحاً وعنفاً في الجوار، فلا يلقى إلا شعبية ضئيلة، حتى في المناطق الأكثر اضطراباً في البلاد.
والجدير بالملاحظة هو أن الشريحة الديمغرافية الكبيرة التي جرى استبعادها عمداً عن استطلاع الرأي تضم اللاجئين السوريين في الأردن الذين تخطى عددهم المليون لاجئ مؤخراً، إلى جانب مئات الآلاف من اللاجئين من العراق، سواء الذين قدموا إلى الأردن نتيجة الأزمات السابقة أو الأزمة الحالية في بلدانهم. كما ويستند الاستطلاع على مقابلات شخصية مع عينة احتمالية تمثل الشعب الأردني وتشمل مناطق البلاد بأسرها وتتألف من 1000 شخص، مع الإشارة إلى أنها لم تشمل سوى مواطنين أردنيين. إن العدد الهائل من اللاجئين في بلد يضم بالكاد 6 ملايين مواطن، يشكل عبئاً اقتصادياً واجتماعياً كبيراً. وبالتالي فهو ورقة سياسية قد تشعل الاضطرابات الشعبية أو تؤدي إلى استيراد الصراع الأيديولوجي.
لكن الحكومة الأردنية تتخذ بالفعل بعض الخطوات للحد من تدفق المزيد من اللاجئين، ولجذب المزيد من المساعدات الدولية لمواجهة المشكلة القائمة. ويبدو أن هذه الخطوات مناسبة، على الأقل حتى الآن. ومن أعراض هذا الوضع المواقف في صفوف الأردنيين في شمال البلاد، حيث يحتشد العديد من اللاجئين الذين دخلوا الأردن مؤخراً. ووفقاً لنتائج هذا الاستطلاع، لا تحمل المشاعر المحلية هناك تباعداً أكثر مما تحمله مواقف الأردنيين في أجزاء أخرى من البلاد.
وبشكل عام يبدو أن المملكة الأردنية الهاشمية تواجه ضغوطا شعبية متباينة يمكن التحكم بها. وبالتالي فإن النتيجة المرجّحة هي عدم قيام انتفاضة جماهيرية شعبية، أو إصلاحات كبيرة في إطار تنازلي (البدء بالمفاهيم العليا ثم النزول إلى التفاصيل)، أو انتكاسات ضخمة في السياسات. وعوضاً عن ذلك، ربما تستعد الأردن لمواصلة العمل على تدبير الأمور، بقدر ما قامت به سابقاً، على الرغم من جميع الاضطرابات التي تعصف المنطقة المحيطة بها.