قررت في يوم ان اكتب تجربتي في السجن، ذهبت للبحث عن بيت يشبه السجن، وجدته واستأجرته، وحين جلست لأكتب وجدتني اعيش تجربة السجن من جديد؟
بعد حوالي الشهر او الاربعين يوم، فقدت تماماً القدرة على الكتابه عن السجن، بقيت في حالة عزلة قاسية لكنها لم تكن كتجربة السجن،
سألت نفسي هل انا مستعد لأن انسجن اكثر مما انا قادر على الكتابة عن السجن؟ هل السجن اسهل من الكتابة عنه؟
ربما كان الجواب نعم، لأني كنت مجبرا على الانسجان لكن احدا لا يجبرني على الكتابة، فأنا حر.
الكتابة اختيار، هكذا اقتنعت ان السجن اسهل من الكتابة عن السجن ؟
2
عادت علامات السجن تظهر من جديد، قدمي اليمنى الاصبع الكبير بدأت اشعر بخدر فيه، هذه من بقايا الاستعصاء الثالث، لا شك انها العلامة الاولى على سوء التغذية إضافة للبرد
بدأت اذني اليمنى بالانسداد فجأة، وضعت اصبعي لأنظفها لكنها انسدت لسبب ما، خفّ سمعي من جديد، اذني التهبت منذ حوالي عشرة ايام بعد كريب او رشح،
مع غياب الخضار والفاكهه واللحوم والالبان بدأت اشعر بالذوبان، شعور جميل ومريح نفسياً، ان تفقد الوزن لاسيما إن كنت تعتقد ان وزنك اكثر مما يجب، بدأ بطني يصغر، اشعر بالخفة يوما بعد يوم،
البيت بارد، اشعر اني اعيش في ثلاجة على الرغم من ان درجة الحرارة في الخارج تقارب الثلاثين ظهرا، هذا ما اكتشفته اليوم حينما ذهبت لأتفقد الحوالةً في ويسترن يونين، كنت ارتدي ثيابا تحتية مضاعفة لشعوري بالبرد ولما خرجت الى الشارع شعرت بالفرق، كان الجو حار بعد مسير عشر دقائق بدأت أشعر بالحرارة من ثقل ثيابي،
الرطوبة تضرب قدمي لاسيما مع ساعات الصباح الاولى وحتى منتصف النهار حيث تنخفض درجة حرارة البيت بعكس ارتفاع درجة الحرارة في الخارج، في الليل حتى الثانية عشرة ليلا ربما حتى الثانية صباحا تكون البرودة مقبولة. ركبي تنقز، قدماي باردتان على الدوام،
3
أنا الآن كما كنت في السجن بلا مال، مافي جيبي يكفي ثلاثة تذاكر في المترو فقط، في البراد ربطة خبز وبيضة واحدة ونصف علبة قهوة ونصف علبة متة، لدي نصف علبة شاي وربع كيلو سكر، هذا كل ماتبقى لدي، كنت مفلسا، لم يصل التحويل المالي من الصحيفة بعد، الصحيفة الثانية التي اكتب بها منذ تأسيسها لم تنشر لي هذا العدد اي مقال من مقالاتي التي ارسلتها، الصحيفة الثالثة التي نشرت لي الجزء الاول من بحث طويل لم ترسل بدورها اي شيء، كأن القدر يتآمر علي كي ادخل في حالة السجن الارادي كما لو كنت في سجن حقيقي، سجن لا ينقصه سوى معتقلين وجلادين؟
الاسوأ انه لم يبقى في غالون الماء النقي سوى كأس من الماء، مياه الحنفية لا تشرب مليئة بالرمل وقشور بيضاء ناعمة، سعر الغالون دولار واحد لكني لا املك سوى نصف دولار بالتمام،
لم يتبق معي اي يونيت من اجل اجراء اتصالات ، بطاقة الانترنت انتهت، هكذا اصبحت معزولاً عن العالم،
4
الافلاس ان تكون بلا مال بلا اصدقاء، بلا اية رغبة في التجول او الضياع بلا رغبة بأي مكان جديد، بان تبتعد عن الناس، هي ما دفعتني للانسجان
5
الانسجان الذي اخذت قرارا به ربما كان تعويضا او مواجهة لعقدة الذنب في كوني خارج البلاد، وفي كون مئات آلاف السوريين يقضون اوقاتا رهيبة في المعتقلات الاسدية، ما افعله الآن باختياري يفعله سوريون وسوريات كثر رغما عنهم وبأقسى طريقة يمكن ان يعرفها البشر، ربما كانت محاكم التفتيش اقل وحشية منها .
6
اليوم للمرة الثانية اراجع ويسترن يونيون لكنهم يرفضون تسليمي الحوالة لأن هنا خطأ في الاسم، ارسلت رسائل لكل من محرر في الصحيفة المسؤولة المالية للمرة الرابعة لإعادة تصحيح الاسم دن جدوى … ارسلت رسالتين للمطالبة بتحويل استحقاقاتي من صحيفتين أخريين ولم اتلق ردا حتى الآن، صرفت اليوم آخر دولار في حوزتي استطعت به شراء خمس بيضات وباقتي جرجير، بالنسبة للماء بدأت بغلي الماء وتبريده حتى يصبح صالحاً للشرب، وصلت الى البيت منهكاً
شعرت بدوخة كادت ان توقعني وسط الشارع شعرت بنفسي اميل بخط متعرج في مسيري توقفت قليلا وصلحت مسار سيري مقتربا من الرصيف …
7
تسليتي الوحيدة كانت مع البرغش، اخوض معه معركة مفتوحة كل مساء، البرغش يمنعني اغلب الاوقات من النوم، لم انم منذ عدة ايام لأكثر من ساعتين متواصلتين، احاول النوم من جديد لكن البرغش يمنعني، اغفو لدقيقة او اقل واستيقظ على صوت واحدة ، بعد ثواني اشعر بانتفاخ في مكان ما من وجهي، انهض لأسير حتى التعب كما في المنفردة، وحين احاول النوم من جديد وما ان اغفوا لدقائق حتى تنهضني من جديد برغشة،
8
بعد شهرين تعبت من البيت السجن، قررت الانتقال إلى مكان آخر، لكن ما وصلني من مال لا يكفي لإستئجار بيت جديد، هكذا قررت الانتقال الى البحر، سأعيش بضعة ايام بالقرب من الزرقة والهواء الرطب، لأعود من جديد سيرة التشرّد بحرية، بعيداً عن البيت السجن !
*
شاعر سوري
القاهرة – آذار
نشر في مجلة “بناة المستقبل”