كم كوكباً في المجموعة الشمسية. يقول العلماء: ثمانية بعدما استُبعد بلوتو. لا بأس. كلام في العلم، ويمكن التحقق منه بأدواته، ويستدعي “الإفتاء” فيه جامعات، وامتحانات، وشهادات، ومرجعيات، ومختبرات، ومعدات، وندوات، وكتابات..الخ.
ولكن ماذا يحدث، إذا تطوّع شخص “للإفتاء” في قضايا أعلى وأبعد وأعقد من مؤهلاته العقلية والمهنية؟ لا شيء. أما إذا كان زعيماً لجماعة دينية مسلحة، فينبغي أن تحدث أشياء كثيرة. الفرق بين الحالتين: أن كثيرين يعتنقون أفكاراً غريبة. فعدد القائلين بوجود كائنات فضائية تزور الأرض، في أميركا، مثلاً، يفوق عدد القائلين بغيبة المهدي في العالم العربي. ولا ضرر ولا ضرار.
ولكن “فتوى” زعيم جماعة مسلّحة تدل على أمرين: أولاً، على طريقته في تشغيل دماغه. وثانياً على ما في دماغ كهذا من خطر على أشخاص لا يشاطرونه الأفكار نفسها، ولكن يمكن فرضها عليهم بالقوة إذا استدعى الأمر.
فلنفكر، مثلاً، في الزعيم السابق لبوكو حرام، النيجيرية، التي “سَبَت” مؤخراً 276 طالبة مسيحية، وهددت ببيعهنّ في سوق النخاسة. لن نتكلم عن الاختطاف، بل عن الزعيم “الأستاذ” محمد يوسف باعتباره “داعية” و”مفكراً”، وقائداً لميليشيا دينية مسلحة.
قال “الأستاذ” في مقابلات صحافية، قبل مصرعه في العام 2009، إن الأرض غير كروية، ودحض نظرية سقوط المطر بفعل ظاهرة التبخّر، قال إن المطر يسقط عندما يتلقى ملاك أوامره من الله بصبّ الماء على الأرض، وفي موضوع النظام الشمسي، قال إن المجموعة الشمسية تتكوّن من سبعة كواكب لا غير، ونفى نظرية النشوء والارتقاء.
مِنْ أين، وكيف، جاء بكل تلك الدرر؟ لا أحد يعرف. نقول: علوم “الأستاذ” ومعارفه لا تساوي “شروى نقير”، جرياً على عادة العرب في التبخيس. ومثلها علوم ومعارف الزعيم الحالي لبوكو حرام، ومن أقواله المأثورة: “أحبُ أن أقتل من يأمرني الله بقتله، تماماً كما أحب قتل الدجاج والأغنام“. لا أحد يعرف كيف يأتيه الأمر من الله، وما العلاقة بين قتل بني البشر والدجاج والأغنام.
المهم، أن خليفة “الأستاذ” لا يتوّرع، أو يكف، عن تهديد شخصيات عالمية مثل تاتشر، والبابا يوحنا بولس السادس، بالقتل، مع ملاحظة أن كليهما فارق الحياة. وهذا يعني أن صلة المذكور بالعالم تكاد تكون معدومة، إلى حد لم يعد يعرف معه مَنْ مات مِن “الكفار” المسيحيين، ومَنْ ما يزال على قيد الحياة.
لا بأس. لا “الأستاذ”، ولا خليفته يساويان “شروى نقير”، ولكن القتل حقيقي، والدم حقيقي، والضحايا حقيقية. وربما نقول: وما لنا وهؤلاء، بيننا وبينهم مسافات فهم، هناك، في مجاهل أفريقيا، كما كانت الطالبان، هناك، في كهوف أفغانستان (بالمناسبة، أطلق “الأستاذ” على المكان الذي أقام فيه مع جماعته تسمية أفغانستان، وأسماهم سكّان القرى القريبة الطالبان).
ومن سوء الحظ أن لنا وهؤلاء. فما كان يوماً بعيداً في مجاهل أفريقيا، وهناك في أفغانستان، لم يعد كذلك، أصبح واقعاً وواقعياً في القاهرة، ودمشق، وبغداد، وبيروت، وتونس. يعني لم يعد جزءاً من الصحراء والغابة والكهف، بل أصبح مقيماً قرب الماء، في قلب الحضر، والحضارة، والحواضر.
وإليك الدليل: ظهر قبل سنوت على شاشتي “الحافظ” و”الخليجية” شخص يدعى هشام العشري، باعتباره “داعية” لديه ما يُقال في أمور الدنيا والدين. مهنته السابقة في أميركا، قبل العودة إلى مصر، وطلعته البهية على الشاشتين، كانت العمل في خياطة الملابس. باختصار، كان خيّاطاً وأصبح مُفكراً.
وفي ظل صعود نجم الإخوان والسلفيين بعد الإطاحة بمبارك، شرب العشري حليب السباع، فأعلن نيته تشكيل جماعة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مصر، على غرار الشرطة الدينية في السعودية. ويتضح في مقابلات صحافية أن أربعة أشياء شغلت الخيّاط باعتباره مُفكراً، ومُصلحاً اجتماعياً في زمن التمكين: التدخين، والكحول، والعلاقات الجنسية، والمساج.
طيّب. نفهم فوبيا الكحول والعلاقات الجنسية، وحتى التدخين، باعتباره يضر الصحة، أما المساج فيحتاج إلى مزيد من التوضيح. يقول: “هو فسق كبير، بل أسوأ من تجارة العبيد، ما معنى أن يدخل رجل وامرأة في غرفة مغلقة، وهو شبه عار لإجراء مساج”، ثم يتعب المفكر من الفصحى فيقول للصحافية صاحبة السؤال: “تقبلي إن أبوكي يسيب أمك ويروح يعمل مساج”. يا سلام، أفحمها وافحمنا.
هناك، أيضاً، مشكلة السياحة، ومن الواضح أن لدى الخياط ما يُقال: “اللي عايز ييجي مصر مش مزنوق في غرزة يشرب فيها إزازة بيرة، ولا أوضة يأجرها علشان صاحبته، أو مزنوق في سيجارتين بانغو”، ستكون متعته أن يأتي إلى مكان يقول له: “عيش حياة نظيفة مختلفة”. وهي الحياة النظيفة نفسها التي تنتظر المصريين. يقول: “في المراحل المتقدمة من تطبيق الشريعة لن يكون هناك سينما، ولا مسرح، ولا كليبات، ولا مسلسلات”. كيف يشتغل هذا الدماغ؟ لا يهم.
المهم أن حالة دماغ “الأستاذ” محمد يوسف، وقابليته للاستنساخ، لم تعد بضاعة المجاهل الأفريقية، والبيد الوهابية، ولا الكهوف الأفغانية، بل حاضر الحواضر، وفي قلب الحضر والحضارة، وينبغي فرضها بالقوة. لا كلام هنا عن الفقر والغنى، وعن البطالة والشغل، عن الفساد والشفافية. المشكلة مع النسوان، والكحول، والمساج، والسينما، والعلمانية، (ولا ننسى) أميركا، وإسرائيل.
ما الفرق بين داعش وبوكو حرام، بين الملا عمر وحازم أبو إسماعيل، بين محمد يوسف والعشري، وبين القاعدة وأنصار بيت المقدس. اختلط الحابل بالنابل. هل تعرف كم كوكباً في المجموعة الشمسية، وهل الأرض كروية؟
khaderhas1@hotmail.com
هل الأرض كروية..!!
بوكو حرام مجموعة من الجهلة المجرمين لتشويه الاسلام فقط
الارض ليست كروية با مسطّحة كأدمغة المتطرفين..
حسن خضر
كلّ ماتكتبه يستحق القراءة وفيه نباهة ورسالة..
أحسنت على الوضوح والحرية.