خاص بـ”الشفاف”
في تقرير من بغداد حول “حرب الفلّوجة المنسية”، يلاحظ مراسل “الفيغارو” جورج مالبرونو أن أحد أمراء “داعش”، المدعو “أبو الوليد”، هو ضابط سابق في “الحرس الجمهوري” في عهد صدام حسين حُظي بسمعة واسعة بعد أن نجح بالفرار من سجن أبو غريب الذي تم إغلاقه لاحقاً. ويضيف أن هنالك شريط فيديو للضابط السابق وهو يذبح بدمٍ بارد سائقي شاحنات علويين..!
ويضيف أن “أبو الوليد”، ومعه عدد من الضباط السابقين في جيش صدّام حسين وبضعة أجانب، بينهم شيشاني جاء من أوزبكستان، هم مساعدو “أبو بكر البغدادي”، زعيم “داعش” الذي يتنقل بين العراق وسوريا.
ويضيف أن “عدد مقاتلي داعش قد لا يتجاوز 4000 شخصا. ولكنهم، في “الفلّوجة”، يحظون بدعم زعيم محلي هو “الشيخ عبدالله الجنابي”، وأعضاء عشيرته الذين دفعتهم سياسة نوري المالي المناوئة للسنّة إلى احتضان المتطرّفين.
ويؤكد “أنور”، وهو أحد المهجّرين من “الفلّوجة” إلى بغداد أن “مقاتلي “داعش” تدربوا طوال سنوات في الصحراء، وباتوا الآن يملكون صواريخ سام-7 مجهزة ببطاريات جديدة وصلت من سوريا“. وليس مهمّاً إذا كان أيمن الظواهري قد ناشدهم التوقّف عن القتال في سوريا. “فالجناح العراقي من “القاعدة” يعتبر الظواهري خائناً، بل ويقوم بالتشويش على رسائله الموجودة على الإنترنيت”، حسب خبير أجنبي يعرف “الفلّوجة” جيداً.
ويؤمّن الجهاديون حماية البنوك ويجبون “ضريبة ثورية” من الأهالي. ويضيف أنور: “بفضل وسطاء، يمكنهم شراء الأدوية في السوق السوداء ببغداد”. الأمر الذي يسمح لهم بمواجهة حالة الحصار المفروضة عليهم. خصوصاً أن الجيش العراقي النظامي بات في وضعية دفاعية. وقد قام مؤخراً بمحاولة جديدة لاقتحام “الفلّوجة” ولكنه فشل. ويتساءل “أحمد الزيادي”، وهو أحد مسؤولي المجلس الأعلى الشيعي في العراق: “لم ينجح الأميركيون في سحق الفلّوجة في 2004، فكيف سينجح المالكي في سحقها؟”
ويقول خبير عسكري غربي: “لا يملك الجيش المهارة التكتيكية الضرورية للقتال من شارع إلى شارع، ومن بيت إلى بيت، لأن كل الشوارع والبيوت ملغّمة. كما لا يمكنه أن يقصف المدينة بصورة عشوائية مكثفة لأن ذلك سيتسبّب بسقوط عشرات الألوف من القتلى”.
وبعد أربعة أشهر من غزوة “داعش”، فإن رجال المالكي يكتفون بمناورات تكتيكية. والأكثر خطورة هو أن الجيش النظامي لم يعد يملك المعنويات. وبسبب حالات الفرار من الجيش، فقد اضطر المالكي لتجنيد الميليشيات الشيعية، في حين دخلت ميليشيات شيعية أخرى إلى سوريا للقتال دفاعاً عن بشار الأسد. وحسب شريط فيديو، فقد ذبح الجهاديون 22 منهم.
وتبعاً لمصادر غربية، فقد أوفدت إيران خبراء من المخابرات لدعم المالكي، في حين تدرس السفارة الأميركية إمكانية اللجو لطائرات هجومية بدون طيارين ضد “الفلّوجة”، وذلك خصوصاً بعد نجاح المتمرّدين، لأول مرة، في السيطرة على سدّ على “الفُرات” يقع جنوب “الفلّوجة”,
وتفيد معلومات أن مخطط الإستيلاء على السدّ هو بعثي قديم كان، في سنوات الثمانينات، مسؤولاً عن عملية تجفيف “أهوار” جنوب العراق.
ويقول خبير غربي في بغداد: “أنظر إلى صور الأقمار الصناعية، فهي تظهر بوضوح الفيضانات التي حدثت قرب المطار نتيجة لفتح صمامات السد. لقد كانت عملية معقدة جداً”.
وبعدها بأيام، ومحاكاةً لنموذج الجيش السوري، قام الطيران العراقي بإلقاء براميل متفجرات على “الفلّوجة” وجوارها. وتثبت صور نشرها المتمردون صحة المعلومات عن القصف بالبراميل. ويعلق “أنور” الذي هدمت البراميل منزله: “حينما تنظر إلى سلوك الجيش العراقي، فإنك تصبح سلفياً! الوضع الآن أسوأ مما كان في عهد الأميركيين”.
الجهاديون يريدون السيطرة على مقاطعات كبيرة
يضيف مراسل “الفيغارو”: بعد انتهاء فرز 80 بالمئة من أصوات الناخبين، فإن عودة المالكي إلى رئاسة الحكومة تنذر بهجوم جديد ضد “الفلّوجة”. ويؤكد اللواء فاضل البرواري: “لا ننتظر سوى أوامر القائد العام للجيش”. ولكن حتى لو نجحت وحدات النخبة باقتحام المدينة، فسيظل عليها أن تقاتل لاستادة السيطرة على مناطق أخرى خارجة على السلطة في غرب العراق.
فالجيش لم يعد موجوداً سوى في قواعد عسكرية معينة في المحافظات السنّية. وتشكل السيطرة على الطرق الرئيسية محور القتال. ويقيم الجهاديون حواجز على طريق “الرطبة-الرمادي” السريع، وهي مدينة تقع على مسافة 80 كلم غرب “الفلّوجة”، وتخضع بعض أحيائها لسيطرة “داعش” منذ شهر يناير. وأبعد من ذلك باتجاه الغرب، فإن طرق تصدير النفط، من مصفاة “بيجي” وحتى “الراوة”، ليست آمنة ليلاً.
باختصار، فالجهاديون ومعهم الصدّاميون السابقون المتحالفون مع مجموعة أو مجموعتين من المتمردين، قادرون على إلحاق الشلل بالدولة العراقية في نقاط كثيرة من “بلاد السنّة”.
وهكذا تتكاثر البؤر الإرهابية التي تضطر الدولة للتخلي عنها أو حيث بات الأهالي يدعمون الجهاديين، مثل مقاطعات “ديالى” و”صلاح الدين”. ويقول “نيقولاي ملادينوف”، مبعوث الأمم المتحدة في بغداد: “هدفهم هو السيطرة على الأراضي. ولتحقيق هذا الهدف، فإنهم بحاجة لإلحاق الشلل بالجهاز الحكومي. وهذا ما يفعلونه بالهجمات التي باتوا يشنونها ضد الجنرالات وغيرهم من ممثلي الدولة. ثم أنهم يشعلون النزاعات الطائفية بمهاجمة المواكب الشيعية أو الأسواق حتى يفقد الناس الشعور بالأمان. وذلك كله يجبر الدولة على نشر قواتها. وعندها تستفيد “داعش” لمهاجمة القوات النظامية، وللإستيلا على قرى معينة ورفع العَلَم الأسود فيها”.
مدينة “الموصل” رهينة…!
إن مدينة “الموصل” الكبيرة في شمال العراق، التي اختار الجهاديون الإبقاء على الإدارة الحكومية فيها بغية فرض خوّة عليها وتمويل أعمالهم الإرهابية ، تمثّل الإستثناء. ويقول ديبلوماسي: “الأهالي في حالة ذعر، ولكن الشرطة العراقية والدولة العراقية ما زالا موجودين لأن “داعش” تبتزّهما مالياً”!
وعلى بعد 150 كلم، في الجهة السورية من الحدود، توفّر السيطرة على قسم من الأراضي ملاذاً للجهاديين. ويتسلّل الجهاديون ليلاً عبر طرق سرّية من سوريا وعلى متن سيارات “بيك أب” مدججة بالأسلحة ومطفأة الأنوار خوفاً من الطيران العراقي.
ولكن، إلى متى سيظل الجيش العراقي قادراً على الإحتفاظ بسيطرته على معبر “القائم” الحدودي؟
والواقع أن الرغبة في قطع الصلة مع سوريا هي م دفعت نوري المالكي لشن حملة عسكرية واسعة ضد الجهاديين في شهر نوفمبر. ولكن جنوده أخفقوا في حصر أعدائهم ضمن مثلث حدودي قرب “حديثة”. ونجح الجهاديون في الإفلات مع أسلحتهم وتجهيزاتهم باتجاه “الفلوجة” و”الرمادي”. “صادفت تلك العملية العسكرية تفكيك مخيمات الإحتجاج التي أقامها السنّة بناءً على أوامر نوري المالكي، واعتقال وجيه سنّي معروف، في شهر ديسمبر، الأمر الذي أدّى إلى انفلات الوضع”، حسب مبعوث الأمم المتحدة في بغداد.
قطع طرق مواصلات بغداد
وفي حين يسعى نوري المالكي لتأليب العشائر السنّية ضد الجهاديين، فإن الخطر يقترب من بغداد. ويقوم المتمردون بشن هجمات بالصواريخ بين حين وآخر. ومع أن أعدادهم أضعف من أن تسمح لهم بالسيطرة على العاصمة، فإنهم قادرون على شلّ بغداد عبر قطع خطوط المواصلات المؤدية إليها.
وينتهي ممثل الأمم المتحدة في بغداد “نيقواي ملادينوف” إلى أن العراق “لم يعد يواجه حرباً أهلية على غرار العام 2006، ولكنه يعيش في معركة ضد بنى تحتية إرهابية كبيرة جداً، تتواجد في العراق منذ سنوات”.