على الرغم من الانتكاسات الخطيرة التي ألمّت مؤخراً بميليشيات الثوار والمتمردين في وسط وشمال سوريا، إلا أن هؤلاء المقاتلين يحققون حالياً نجاحات كبيرة في جنوب البلاد – وهي المنطقة الواقعة بين دمشق والحدود الإسرائيلية والأردنية. ويتخد الموالون للرئيس السوري بشار الأسد مواقف دفاعية على جميع الجبهات ذات الصلة، ويخاطرون بخسارة هذا القطاع الهام ذو الأهمية الاستراتيجية. وبات يتّضح يوماً بعد يوم أن زحف الثوار والمتمردين نحو العاصمة من جهة الجنوب قد يكون واعداً من الناحية العسكرية أكثر من الهجوم من جهة خطوط المواجهة المتأزمة حتى الآن في شمال دمشق. وقد نشهد خلال الأسابيع القليلة المقبلة حصول الثوار والمتمردين على المزيد من المكاسب الرئيسية في الجبهة الجنوبية، التي قد تشكل في النهاية التهديد الرئيسي على سيطرة الأسد.
مزايا الثوار في الجنوب
هناك مئة كيلومتر فقط تفصل الخطوط الأمامية الأردنية والإسرائيلية عن العاصمة السورية، وهي مسافة أقصر بكثير من تلك اللازمة لتقدّم الثوار والمتمردين من معاقلهم في شمال البلاد نحو دمشق. بيد أن انتشار وحدات الجيش السوري ضئيلٌ في الجنوب، حيث هي معزولة غالباً، وتعاني من تدني الروح المعنوية – وتعتمد حالياً على الدعم من متطوعين متفرقين غير نظاميين ينتمون إلى مناطق أخرى من البلاد. وجديرٌ بالذكر أن المعارضة لم تنظر جدياً قط في خيار الهجوم على دمشق من الجنوب على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، لكن الحسابات قد تغيرت في الوقت الحالي نظراً لعدم قدرة قوات الأسد بصورة متزايدة على الحفاظ على الأراضي التي تحت سيطرتها في المنطقة الواسعة التي تمتد من دمشق إلى الحدود الأردنية في الجنوب، وإلى مرتفعات الجولان في إسرائيل في الغرب، وعلى طول الطريق إلى جبل الدروز في الشرق. وإذا قرر الثوار والمتمردون فعلاً الزحف نحو دمشق، لا بد لهم من تجنيد تعزيزاتٍ كبيرة من الشمال. وقد سبق لقادتهم أن صرّحوا بأن حملتهم الحالية المسماة “اقترب الوصول يا شام الرسول” تستند فعلياً إلى هجوم ذي محورين على دمشق: من درعا ومن القنيطرة.
وفي حين أن أنصار الأسد و «حزب الله» قد حققوا انتصارات في شمال وشرق دمشق، إلا أن الوضع في الجنوب – كما ذُكر إعلاه – قد أثبت أنه مختلفاً للغاية. وما حصل بالتحديد هو أنّ كلا اللواءين 61 و 90 التابعان للجيش السوري والمتمركزان قبالة وحدات “جيش الدفاع الإسرائيلي” تكبدا خسائر جمّة شلّت فعاليتهما العملانية. وكان اللواء 61 قد هُزِّم من قبل الثوار والمتمردين في القاعدة الاستراتيجية العسكرية تل الجابية بالقرب من نوى، فضلاً عن أماكن أخرى. وفي الوقت نفسه، فقد اللواء 90 السيطرة على جزء كبير من المنطقة الحدودية مع إسرائيل، بما في ذلك الأرض المرتفعة في تل الأحمر و تل كُدنا.
والآن بات الجزء الجنوبي من درعا عند الحدود الأردنية خاضعاً لسيطرة جماعات الثوار والمتمردين بينما يسيطر الموالون للنظام – بما في ذلك الوحدات المتبقية من الفرقة الثالثة – على القسم الشمالي من المدينة. إلا أن الثوار والمتمردين هم من يمسكون بزمام السلطة في غالبية المناطق الواقعة عند أطراف محافظة درعا، بما في ذلك المعبر الرئيسي المغلق حالياً. وفي القطاع الشمالي، استحوذ الثوار والمتمردون – الذي يعملون كتحالفٍ من فصائل متنافسة في بعض الأحيان – على القسم الأكبر من محافظة القنيطرة، ليشكلوا بذلك خطراً محدقاً لهذه العاصمة الإقليمية. فخسارة القنيطرة قد تعتبر هزيمة رمزية هائلة لنظام الأسد، الذي يبذل كل ما في وسعه لإبقاء سيطرته على هذه المدينة وعلى شريط القرى الممتد شمالها. وحيث بات احتلال القنيطرة إمكانيةً حقيقية للثوار والمتمردين، لا يُعرف بعد ما إذا كانوا سيستطيعون الحفاظ على سيطرتهم عليها لفترة طويلة.
وتجدر الإشارة إلى أن جماعات الثوار والمتمردين المختلفة في الجنوب تضمّ نحو عشرين ألف مقاتل، وقد نجحت خلال العمليات الأخيرة في نشر ما يقارب الخمسمائة مقاتل في هجوم واحد. وتفيد مصادر المعارضة السورية أن الجهود التي تبذل في الجنوب مدعومة بغرفة عمليات خارج درعا يديرها العقيد زياد الحريري، في حين أن القوات التي تهاجم القنيطرة تعمل تحت إمرة ضابط منشق آخر عن الجيش السوري هو النقيب أبو حيدر. ويشمل المقاتلون الجنوبيون بشكل رئيسي أعضاء من “جبهة ثوار سوريا” بقيادة جمال معلوف، مع الإشارة إلى أنهم يملكون اليوم صواريخ “تاو” المضادة للدبابات، بالإضافة إلى مقاتلين من جماعات أخرى من ضمنهم «جبهة النصرة» – ذراع تنظيم «القاعدة» في سوريا – وغيرهم من السلفيين الجهاديين. وتكمن قوة الميليشيا الإسلامية بشكل أساسي في مناطق مثل جاسم وإنخل وخان الشيخ، علماً بأن ما يعزز هذه القوة هو كون معظم المقاتلين من السكان المحليين – الأمر الذي يحد من الاقتتال الداخلي ويمهد الطريق لقيام تعاون أكبر. ولم يتغير هذا المنحى على إثر عملية اختطاف العقيد في “الجيش السوري الحر” أحمد النعمة من قبل «جبهة النصرة» قرب درعا. كما أن صواريخ “تاو” القليلة التي تم إطلاقها حتى الآن أثبتت فعاليتها في تدمير دبابات الجيش السوري ومنع النظام من إرسال دباباته لدحر المكاسب التي حققها الثوار والمتمردون.
المأزق الذي يواجهه النظام
نظراً لهذا التهديد المتعاظم من الجنوب، يواجه نظام الأسد معضلة صعبة. وبادئ ذي بدء، إن إعادة انتشار القوات من الشمال قد تسبب في تعريض مختلف القطاعات لغارات الثوار والمتمردين. ولا يملك الجيش السوري أي احتياطي يمكنه التصرف به، وعلى أي حال فإن ما تبقى من الجيش يعتبر أقل موثوقية وشراسة من الميليشيات المجندة محلياً ومن قوات «حزب الله». ولكن إذا لم ينجح الأسد في إيجاد تعزيزات جديدة في الجنوب، قد يواجه قريباً خسارة مدينة القنيطرة وتهديداً مباشراً من أهم معسكرات الفوج التاسع في الكسوة وقطنا وكناكر عند أطراف دمشق.
دور إسرائيل واحتياجات الثوار والمتمردين
على خلاف كافة التوقعات السابقة، قد يكون الجنوب هو الجبهة الحاسمة. فتحالفات الثوار والمتمردين تثبت فعاليتها في وجه مراكز النظام العسكرية. كما تحرص هذه الجماعات – من بين أمور أخرى – على عدم استفزاز الإسرائيليين عبر الحدود، على الرغم من أن المعارك بين الثوار والمتمردين من جهة والنظام من جهة أخرى تجري غالباً على بُعد أمتار من الخط الفاصل من عام 1974 المتوافق عليه بين سوريا وإسرائيل.
ولا يملك الأسد القوات اللازمة لحماية القطاع الجنوبي، الذي يتبين أنه نقطة ضعف النظام، كما يعجز عن جمع التعزيزات اللازمة لصدّ الهجوم المقبل الذي توعّدت به قيادات الثوار والمتمردين. ويدرك الأسد أن هؤلاء يتجنبون أي اشتباكات مع إسرائيل. وفي الواقع أن الثوار والمتمردين يعتبرون أن إسرائيل “تحمي ظهرهم” عند مرتفعات الجولان، وبلغ الأمر بقيام وسائل الإعلام في دمشق باتهام “جيش الدفاع الإسرائيلي” بالفعل بـ “تسهيل” تحركات الثوار والمتمردين خلال هجومهم على القنيطرة، مبررين ذلك بإقدام إسرائيل على إعلان منطقة الجولان الحدودية “منطقة عسكرية مغلقة”. وباتت المنطقة محظورة على المدنيين كما تم تكثيف العمليات الأمنية والاستخباراتية فيها.
وفي حال حشد الثوار والمتمردون قواتٍ كافية في الجنوب، بدلاً من تركيزهم المعتاد على الجبهات الشمالية، من الممكن أن يتمكنوا من تغيير مسار المعركة على دمشق. إلا أن حدوث ذلك يستلزم منهم نشر قوات إضافية في هذه المنطقة. وحتى الآن، لم يحدث ذلك بعد. كما أن دعم الزحف الجنوبي نحو دمشق وتوفير المزيد من المعدات العسكرية من قبل الغرب أو الدول العربية يشكلان اليوم أولوية – لا تهدف فقط إلى التغلب على قوات الأسد بل الحفاظ أيضاً على تفوّق الجماعات المتمردة المعتدلة على الجهاديين.
إهود يعاري هو زميل ليفر الدولي في معهد واشنطن ومعلق لشؤون الشرق الأوسط في القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي.