حينما تخرج دولة ناجحة اقتصاديا وتنمويا عن طورها غاضبة، بسبب مطالبة مجاميع فيها بتنظيم انتخابات محلية سعيا لتوسيع دائرة المشاركة في اتخاذ القرار. وحينما تعارض دولة أخرى مؤثرة، الحراكات العربية، وتصف سياسات دولة إقليمية داعمة لتلك الحراكات بأنها خرجت عن الصف، وبأنه لا يحق لتلك الدول دعم الثورات ضد الأنظمة الفاسدة. يبرز هنا مفهومان لهما علاقة بسلوك هاتين الدولتين: الأول يتعلق بتعريف الفساد، والثاني يرتبط برفض سياسات تلكما الدولتين لأي مطالب تتعلق بالإصلاح السياسي.
لذا، نتساءل بداية: ماذا يعني إصلاح النظام، أو عدم إصلاحه؟ أطرح هذا التساؤل لاعتقادي بأن الإصلاح لا يرتبط بالدرجة الأولى بالاقتصاد رغم أهمية هذا الأمر في عملية الإصلاح التي لابد من أن تكون شاملة. فالعديد من الأنظمة غير الديموقراطية تبنت إصلاحات اقتصادية واتجهت صوب الحداثوية الاقتصادية. لكن تلك الإصلاحات تماشت جنبا إلى جنب رغبة تلك الأنظمة في الإبقاء على الوضع غير الديموقراطي كما هو، فرفضت أي دعوات لإصلاح النظام السياسي. وتعتبر الصين الشيوعية، التي قامت بلبرلة اقتصادها في مسعى لإصلاح هذا الاقتصاد وتطويره حتى أصبح نموها الاقتصادي يقترب من رقم الـ10% سنويا، مثالا بارزا في هذا الإطار.
أيضا، لا ترتبط معارضة بعض الأنظمة للإصلاح السياسي بمسألة الفساد. وبالرغم من شيوع القول بأن فساد الأنظمة غير الديموقراطية يفوق فساد الأنظمة الديموقراطية، إلا أن ذلك لا يمنع وجود استثناءات تشير إلى أن فساد بعض الأنظمة غير الديموقراطية أقل من فساد أنظمة ديموقراطية.
فقد استطاعت العديد من الأنظمة غير الديموقراطية أن تقلل من الفساد بتبنيها سياسات إصلاح خاصة. ووفق تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2013، جاءت قطر في المركز 28 وعمان في المركز 61، في حين جاءت ايطاليا في المركز 69. أي أن بعض الأنظمة غير الديموقراطية استطاعت أن تتفوق على العديد من الأنظمة الديموقراطية في مسألة محاربة الفساد. (احتلت الكويت المركز السادس عربياً و69 عالميا في تقرير المنظمة، وجاء معها في نفس المركز ايطاليا ورومانيا). راجع هذا الرابط: http://www.transparency.org.kw.au-ti.org/upload/reports/mo2013/J.CPI2013_map-and-country-results_english_embargoed_3_Dec.pdf
وهنا، نطرح سؤالا آخر: هل يمكن أن يختص الإصلاح بالجانب الاقتصادي فقط؟ هل يكفي ذلك، أم لابد من العمل على تبني الإصلاح السياسي؟.
فالإصلاح الرئيسي هو ذاك الذي يختص بالجانب السياسي. فالنظام الذي يتبنى الإصلاح والتغيير لا يستطيع أن يقف عند حدود الاقتصاد، بل لابد قبل ذلك أن يلامس الشأن السياسي. فالحريات السياسية تفتح الباب للاجتهاد في تطوير مختلف مجالات الحريات، الاقتصادية والاجتماعية والفكرية وغيرها.
إن واقع وجود المسؤولين في السلطة لابد أن ينطلق من نتائج انتخابات ديموقراطية حرة، وأن يكون برنامج إدارة البلد مستندا إلى مخرجات عملية الاقتراع، فيمارس المسؤولون مهامهم الإصلاحية والتغييرية في مختلف المجالات بما في ذلك المجال الاقتصادي، ويواجهون مختلف صور النقد والتغيير والتعديل. فإذا فشل هؤلاء وفشل برنامجهم فيجب تغييرهم بنفس الطريقة، أي عن طريق صناديق الرأي.
أما إذا فشلت تلك السبل في تغيير السياسات، وكذلك في تغيير المسؤولين، نكون هنا أمام معضلة، وهي أن الانتخابات كانت مجرد “لعبة”. فحرية نقد المسؤولين ونقد برامجهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتغيير ذلك بمسؤولين آخرين وببرامج أخرى عن طريق الانتخابات، هي في صلب عملية الإصلاح والتغيير.
قد يطرح البعض مَخرجا في مواجهة النظام الذي يرفض الإصلاحات السياسية، وهو اللجوء إلى الثورة العنيفة من أجل تغيير النظام. فالتغيير عن طريق العنف هو أحد الحلول لمواجهة النظام الرافض لعملية الإصلاح السياسي. غير أن البعض الآخر يعتقد بأن الإصلاح السياسي ممكن حتى مع الأنظمة الرافضة لذلك، ويدللون على ذلك بتجربة إصلاح نظام بينوشيه في تشيلي والذي أدى إلى مغادرته السلطة. أي أن الإصلاحات السياسية أدت إلى تغيير رأس السلطة من دون اللجوء إلى العنف.
بجملة أخرى، لن تساهم الإصلاحات السياسية في استمرار بقاء المسؤولين السابقين في السلطة، بل ستعمل إن عاجلا أو آجلا على تغييرهم بآخرين يتبنون برنامج الإصلاح والتغيير.
البعض الآخر يعتقد بأن الإصلاح الاقتصادي عامل مساهم في استقرار الأوضاع السياسية وسيمنع صعود مطالبات الإصلاح السياسي. باعتقادي هذا الرأي غير صائب. فحتى الثورات العربية في الثلاث سنوات الماضية حرّكتها الأسباب التسلطية أكثر من أي سبب آخر. وكانت الطبقة الوسطى ذات الوضع الاقتصادي المناسب قد تسلمت دفة قيادة الحراكات. بل إن العديد من مطالب الإصلاح السياسي ظهرت في دول تنعم بوضع اقتصادي جيد. أي أن مطالب الإصلاح السياسي تبرز في المجتمعات المستقرة اقتصاديا. وأن قادة الحراكات الإصلاحية ليسوا من الطبقة الفقيرة.
كاتب كويتي
fakher_alsultan@hotmail.com