2014في 8 شباط/فبراير، أعلنت الجماعة السلفية المسلحة “جيش العدل”، التي تعمل في إقليم بلوشستان الإيراني، بأنها قد احتجزت خمسة جنود إيرانيين كرهائن. وفي 5 كانون الأول/ديسمبر، قتلت الجماعة ذاتها ثلاثة أعضاء من “فيلق الحرس الثوري الإسلامي”. وكرد فعل انتقامي قامت السلطة القضائية الإيرانية على الفور بإعدام ستة عشر عضواً مسجوناً من الجماعة.
ويُلقي المسؤولون الإيرانيون منذ فترة طويلة باللائمة على الغرب ويتهمونه بالتحريض على التوترات بين السنة والشيعة. لكن في الأشهر الأخيرة، أشار عدد غير معتاد من التصريحات الرسمية إلى أن طهران لا تعتبر الإسلام السلفي أو الجهادي تهديداً لمصالحها في الشرق الأوسط فحسب، بل للأمن القومي أيضاً ويمكنه أن يتحول إلى عنف، في ضوء حالة الاستياء العرقية في بلوشستان ومحافظة كردستان الغربية في إيران. على سبيل المثال، في 15 كانون الثاني/يناير طلب رئيس السلطة القضائية الإيراني صادق لاريجاني من الأجهزة الاستخباراتية و”فيلق الحرس الثوري الإسلامي” منع تسلل السلفيين والتكفيريين إلى الأراضي الإيرانية، وأشار إلى مخاوفه من تحوّل إقليمَيْ كردستان وبلوشستان إلى أرض تدريب أو ميادين قتال محتملة للمقاتلين السلفيين الأجانب (راجع المرصد السياسي 2150، “صعود السلفية الفارسية”، كخلفية حول نمو الحركة في إيران).
كما أن وجود حالات إضافية لنشاط الجهاديين السلفيين في داخل البلاد وخارجها قد أقلق المسؤولين الإيرانيين. ففي تشرين الأول/أكتوبر، أفادت تقارير إعلامية إيرانية أن أعضاء في مجموعة من الإسلاميين المتطرفين قد نظموا مسيرات في شوارع جوانرود، في إقليم كردستان الإيراني، رفعوا خلالها أعلاماً سوداء وسيوفاً، ورددوا شعارات “الله أكبر” وأثاروا الرعب في نفوس السكان المحليين. ووفقاً لـ وكالة الأنباء الكردستانية “كوردپا”، تهدف هذه الجماعة إلى تأكيد وجودها في الإقليم. وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر، أعلنت “كتائب عبد الله عزام” المرتبطة بـ تنظيم «القاعدة» مسؤوليتها عما وصفته بهجوم انتحاري مزدوج على البعثة الإيرانية في جنوب بيروت، وهو الحادث الذي أدى إلى مقتل ثلاثة وعشرين شخصاً، من بينهم الملحق الثقافي الإيراني. كما أعلنت الجماعة ذاتها بأنها نفذت التفجيرين اللذين وقعا في بيروت في التاسع عشر من شباط/فبراير. ويرجح أن تكون تلك الهجمات نتيجة تأجج المشاعر المناهضة للشيعة بين السنة، والتي أذكى نيرانها دعم إيران و «حزب الله» النشط لنظام بشار الأسد في سوريا. ويخشى القادة الإيرانيون الآن من أن يتسع نطاق الأعمال المناهضة للشيعة ليصل إلى الأراضي الإيرانية.
العلاقات الإيرانية الرسمية مع السلفيين الأكراد
لقد كانت السلطات الإيرانية تُكن منذ زمن بعيد اتجاهات غامضة تجاه السلفيين الأكراد في البلاد. فأثناء زيارة آية الله علي خامنئي إلى كردستان في 12 أيار/مايو، أصدر تحذيراً بشأن السلفيين: “مَن هم هؤلاء الذين يريدون تدمير وحدة الأمة؟ إنهم عملاء العدو…هناك العديد من السلفيين والوهابيين الفقراء غير المدركين للأمور، الذين تغريهم أموال النفط لكي يذهبوا إلى هنا وهناك لتنفيذ عمليات إرهابية في العراق وأفغانستان وباكستان وغيرها من الأماكن… واليوم فإن هذا المجتمع الوهابي السلفي قد أصبح يعتبر الشيعة كفاراً… فمن أين نبعت مثل هذه الفكرة الخاطئة؟”
إلا أن القيادة الإيرانية لا تنظر إلى جميع الجماعات السلفية بشكل متساوٍ، وقد تبدو معاملتها للجماعات المختلفة غير متسقة في بعض الأحيان. على سبيل المثال، في الوقت الذي قام فيه النظام بقمع جماعات – مثل «کتائب قاعد فی کردستان» و «نوادگان صلاح الدین» – بقوة في الماضي، إلا أن أعضاء من هاتين الجماعتين غالباً ما تعاونوا مع النظام، كما أن إيران تعاملت معهم برفق طالما لم يشكلوا تهديداً داخلياً. وفي المقابل، يجري بشكل متكرر اعتقال أعضاء من جماعات مثل “جيش الصحابة” و “أنصار الإسلام”، ممن لا يتعاونون مع النظام ويستخدمون الدعاية المناهضة للشيعة والإيرانيين، وتجري محاكمتهم ويمنعون من ممارسة أنشطتهم.
وفي غضون ذلك، ورغم القيود الكبيرة الموضوعة على أنشطة السلفيين واتصالاتهم منذ زيارة خامنئي في عام 2009، يستمر العديد من علماء الدين السلفيين في نشاطاتهم. ويشمل هؤلاء ملا عبد الحميد (من ماريفان وهو نشط في سنندج وجوانرود)، وملا محمد علوي (من سقز لكنه مقيم في قرية یکشوه)، وملا هادي هرمیدول، وملا عثمان سقز وملا هادی ارومیه. وفي العديد من المدن، مثل سنندج، يمتلك السلفيون أيضاً “دور للقرآن” خاصة بهم، يوزعون فيها الكتب والأقراص المدمجة حول السلفية ويقومون بتجنيد أعضاء [جُدد]. وعلاوة على ذلك، تنتشر شائعات بأن السلفيين يديرون معسكرات للتدريب العسكري بالقرب من سنندج وقصر شيرين.
ووفقاً لتقرير استقصائي أجراه الصحفي الإيراني أميد پوینده ونُشر على موقع “راديو زمانه” في 19 كانون الثاني/يناير، يرجع التواجد السلفي في كردستان إلى عقد من الزمن. ففي عام 2003، عندما هاجمت القوات الأمريكية “جماعة أنصار الإسلام” في معقل دارها في هورامان في كردستان العراق، فرَّ بعض أعضاء الجماعة إلى إيران. ولم يَحل “فيلق الحرس الثوري الإسلامي” دون دخولهم، ويرجع ذلك على الأرجح إلى أن طهران كانت تؤمن بأنهم قد يكونوا مفيدين. ووفقاً لإحدى التقارير، أمضى الزعيم الجهادي البارز ورئيس تنظيم «القاعدة في العراق» في النهاية أبو مصعب الزرقاوي، بضعة أشهر في إقليم كردستان الإيراني، وحشد العديد من الجهاديين البلوشستان والسلفيين الأكراد خلال إقامته.
وفي أواخر عام 2003، قام بعض أعضاء “أنصار الإسلام” الذين بقوا في إيران، وبالتعاون مع السلفيين الإيرانيين، بتكوين جماعة يطلق عليها «کتائب قاعد فی کردستان». وقد كان هدفها هو الدخول إلى إقليم كردستان العراق وشن أعمال جهادية هناك؛ وقد نفذت عدة عمليات عبر الحدود، يقال إن من بينها محاولة اغتيال فاشلة ضد المسؤول في “الاتحاد الوطني الكردستاني” – ملا بختيار، في عام 2005. وفي مرحلة ما، ولأسباب غير معروفة، حظر النظام الإيراني أي أنشطة إضافية للجماعة، وقام باعتقال قائدها، ويُقال أنه حكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة عشر عاماً؛ ويسود اعتقاد أنه يقبع حالياً في “سجن إيفين” في طهران. وفي أعقاب قمع الجماعة، انتقل العديد من أعضائها إلى أفغانستان، وانقسمت الجماعة منذ ذلك الحين إلى عدة جماعات أخرى، مثل “نافاديجان صلاح الدين” و “جيش الصحابة”، اللتين نجحتا في إقامة روابط قوية مع سلفيين آخرين في أفغانستان وباكستان.و يزعم تقرير “موقع زمانه” – استناداً إلى مقابلات مع نشطاء أكراد أمضوا بعض الوقت في السجن مع السلفيين – أن العديد من أعضاء هاتين الجماعتين قد تم اعتقالهم من قبل المسؤولين الإيرانيين.
وبشكل إجمالي، تقدر مصادر كردية عدد السجناء السلفيين بنحو 300 شخص. كما تقول إن النظام الإيراني قد قتل نحو 250 سلفياً منذ عام 2001.
السلفيين الجهاديين في بلوشستان ومناطق أخرى
قبل أن يبدأ “جيش العدل” عملياته في عام 2013، كانت جماعة بلوشستانية أخرى، تُعرف باسم “جند الله” بقيادة عبدالمالک ریگی، تنفذ عمليات إرهابية في بلوشستان عن طريق اختطاف جنود وأعضاء من “فيلق الحرس الثوري الإسلامي”، وتقطع رؤوسهم، وتنشر مقاطع فيديو لهم على الإنترنت. ورغم صغر حجم الجماعة، إلا أنها شكلت تهديداً أمنياً خطيراً على الحكومة الإيرانية لعدة سنوات حتى عام 2009، عندما تم اعتقال ریگی على يد المخابرات الإيرانية وإعدامه بعد ذلك بوقت قصير. ويعتقد بعض المحللين البلوشستانيين أنه كانت لـ”جند الله” دوافع عرقية وليس تمييزاً دينياً، على عكس مزاعم الجماعة. بل يذهب بعض المحللين إلى حد القول بأن المكاسب المحققة من تهريب المخدرات وفرت الحافز المالي للجماعة. وبغض النظر عن الدافع الحقيقي وراء نشاطات الجماعتان، فإن كلاً من “جند الله” و”جيش العدل” قد استخدمت خطابات الجهاديين السلفيين التي تستهدف الشيعة والجمهورية الإسلامية.
وتستمر إجراءات الحكومة الإيرانية ضد ما تراه نشاطاً جهادياً سلفياً مهدداً لها حتى يومنا هذا. فوفقاً لتقرير من وكالة أنباء حقوق الإنسان “هرانا”، تم اعتقال تسعة عشر شخصاً من العرب السنة في خوزستان في تموز/يوليو 2013 لأنهم أرادوا أداء صلاة عيد الفطر الخاصة بهم. وفي 4 كانون الأول/ديسمبر، وفقاً للحكومة، تم إعدام أربعة من العرب السنة في خوزستان بتهم تكوين “لواء الأحرار” – “وهي جماعة مسلحة تعمل ضد الأمن القومي وتنفذ عمليات عسكرية”.
تضارب المصالح بين الولايات المتحدة وإيران
أشار بعض المحللين في واشنطن إلى وجود مصلحة مشتركة لإيران والولايات المتحدة في محاربة الجهاديين السلفيين، حتى إن كانت رؤيتهم لهذا التهديد مختلفة. لكن يوجد خلل في هذا التحليل: فهناك احتمال بأن يركز الجهاديون السلفيون جهودهم ضد المصالح الأمريكية. وفي مثل هذه الحالات، قد يستوعبهم النظام الإيراني بشكل جيد، بل قد يساعدهم مثلما فعل ضد المصالح الأمريكية أثناء حرب العراق. وفي الواقع أن التعاون الإيراني مع «القاعدة» يبدو مستمراً إلى حد ما، وهو ما اتضح جلياً في 5 شباط/فبراير من خلال تصنيف وزارة الخزانة الأمريكية للعضو البارز في تنظيم «القاعدة» جعفر الازبكي. ووفقاً لمنشور الإعلان عن التصنيف، فإن الازبكي هو جزء من شبكة «القاعدة» العاملة من إيران، والتي نقلت مقاتليها كذلك إلى باكستان وأفغانستان، “وتعمل هناك بمعرفة السلطات الإيرانية”. وقد أضافت وزارة الخزانة أن هذه الشبكة “تستخدم إيران كنقطة عبور لنقل الأموال والمقاتلين الأجانب عبر تركيا لدعم العناصر المنتسبة لـ تنظيم «القاعدة» داخل سوريا”.
ولا تعترض القيادة الإيرانية بصفة أساسية على الأيديولوجية الجهادية السلفية القائمة على استخدام العنف لتحقيق أهداف الجماعة. بل هي تعترض على الجهاديين السلفيين لأنها تعتبرهم حلفاء للغرب. وعندما تستخدم هذه الجماعات أعمال العنف لتهديد المصالح الإقليمية للولايات المتحدة وحلفائها، فإن إيران لا تشعر بالقلق. لكن عندما تتوجه هذه الجماعات ضد المصالح الإيرانية – مثلما فعل السلفيون في الحرب السورية، ومثلما فعل “جيش العدل” في بلوشستان – فعندئذ تراهم طهران أهدافاً ضرورية للهجوم.
مهدي خلجي هو زميل أقدم في معهد واشنطن .