على ضفاف بحيرة ليمان أخذ خيار الحل السياسي يتداعى بعدما كان موضع الرهان الامريكي – الروسي منذ يونيو/ حزيران 2012، وحينها قرر القطبان الأساسيان أي الرئيس الامريكي “المسالم” باراك أوباما، والقيصر الجديد فلاديمير بوتين إعطاء كل الفرص للحل السياسي، وقد عهدا لوزيريهما المخضرمين جون كيري، وسيرغي لافروف، مهمة طبخ الحل السياسي على نار هادئة، ووصل الأمر بالدبلوماسي السوفياتي “العنيد” تبشيرنا بمسار طويل من عدة سنوات، كما حصل في دايتون بالنسبة للبوسنة بعد حوالي خمس سنوات من المجازر، أو بما يشبه “الطائف” بعد خمس عشرة سنة من الحروب في لبنان.
بعد كل هذا الانتظار منذ أكثر من سنة ونصف، تكاد المسألة تعود إلى المربع الأول، وخلال هذا الوقت استمر تدمير سوريا، ويلخص العالم الفيزيائي البريطاني المقعد ستيفن هوكينغ ذلك بقوله : “إن ما يجري في سوريا عمل منكر وبغيض، يراقبه العالم ببرود وعن بعد … أين إحساسنا بالعدالة الجماعية ؟” . وهذا السقوط المدوي للقيم الأخلاقية يتفاقم مع جدل حول مسؤولية الفشل، إذ تتعنت موسكو في دفاعها عن النظام السوري، وتستنتج واشنطن أن افتراضها تغيير موقف موسكو هو افتراض غير واقعي. وكل ذلك مع استمرار هجوم النظام العسكري المدعوم بالمحور الإيراني، يعني أن استئناف جولات جنيف على نفس الأسس يبدو صعباً جداً، من دون قوة دفع أو تغيير شروط التفاوض.
إبان مرحلة مفصلية من تاريخ المشرق في أواخر ثلاثينات القرن الماضي، اعتبر المفوض السامي الفرنسي في سوريا ولبنان آنذاك غبريال بيو أن ” المسألة السورية غير قابلة للحل وفق منطق ديكارت العقلاني”. واليوم بعد فشل الجولة الثانية من مسار ” جنيف 2 ” يظهر أن الأمور تعقدت بشكل مضاعف عما كانت عليه قبل سبعة عقود ونيف. في مرحلة ما بين الحربين العالميتين كانت فرنسا وبريطانيا تحاولان تكريس مكاسبهما، وتنظيم كيانات جديدة بما يؤمن مصالحهما، دون التنبه إلى أن هذه البذور ستنتج المشاكل المستقبلية. وفي الوضع الراهن نشهد أول نزاع دولي متعدد الأقطاب يتمحور دوليا بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية، وإقليميا بين محور تقوده إيران، ومحور غير متجانس تماما قطباه الأساسيان هما تركيا والمملكة العربية السعودية.
وفي مقارنة مع نزاعات سابقة ، يخشى المراقبون من تكرار سيناريو مأساة البوسنة والهرسك في تسعينات القرن الماضي، ومفردات “الإبادة الجماعية” و”التطهير العرقي.” ما جرى خلال مفاوضات جنيف في مدينة حمص المحاصرة “السماح للنساء والأطفال بالمغادرة، وادخال بعض المساعدات الإنسانية تحت إشراف الأمم المتحدة” يذكرنا بـ “سربرينتشا” وتغاضي قوات حفظ السلام الأممية عن واجبها في حماية المدنيين. أما مجازر البراميل المتفجرة في حلب وداريا ودرعا وغيرها، وحصار التجويع فيذكرنا بأساليب حرب الشيشان .
على ما يبدو نجحت موسكو في دفع واشنطن والمعارضة السورية إلى جنيف لإجراء محادثات لا أفق لها، بينما كان النظام المدعوم منها يستمر في عمله العسكري، والسعي للحسم في نطاق سوريا التي يعتبرها الرئيس بشار الأسد مفيدة وضرورية للاستمرار على رأس الحكم، إن بانتخابات رئاسية معروفة النتائج سلفاً أو بتمديد من دون رادع.
والأدهى بالنسبة للرئيس أوباما وفريقه أن الاتفاق الكيميائي لا ينفذ حسب المواعيد المطلوبة، وأن الابتزاز يرتبط بنهاية ولاية الأسد، وبحسابات موسكو في الإمساك الدائم بالورقة السورية. ولذا كان ملفتا الحرج والإحباط اللذان عبر عنهما أوباما. ما هو البديل عن مسار جنيف بالنسبة لواشنطن؟ أو ما هو الخيار لدفع موسكو للقبول بتطبيق ما ورد في وثيقة جنيف -1 عن الحكم الانتقالي؟ حتى هذه اللحظة تبدو الخيارات الجديدة بمثابة البديل الضائع نظراً لتردد أوباما، علما أنه كان لديه خيارات رفضها مسبقا، مثل “رفع تسليح الجيش السوري الحر، أو تأسيس منطقة حظر للطيران.. وتطوير نوعية الأسلحة والتجهيزات التي يتم إرسالها”.
في مواجهة التفوق الروسي والتمهل الأمريكي والضعف العربي، يستمر النزيف والاهتراء في سوريا ويصبح مسار جنيف مجرد تفصيل أو رخصة للقتل .
سي إن إن