أعتقد أن الفأس وقعت في الراس، وليبيا “خَشِّت في حيط”، وستعيش فراغا دستوريا لا نعرف من يملأه.
فبانقضاء يوم السابع من فبراير تكون يد المؤتمر قد غُلت عن التصرف وما يصدره من قرارات هي والعدم سواء. ولو تجاهل المؤتمر هذه الحقيقة واستمر في التصرف وكأنه كائن حي فسيكون للمحامين رأى أخر وسيطعنون بأن ما يصدر عنه من أجراء أو قانون صادر عن جسم ميت والميت لا يملك الارادة! ولو قبلت المحكمة بهذا الدفع، وهي غالبا ستفعل، فسيكون الوضع كارثيا وسنواجه الفراغ الذى يهدد المؤتمر بحدوثه لو أعلن حل نفسه.
كان المؤتمر يستطيع منذ شهور أن يحيل قانون تأسيسه للمكمة العليا ويطلب منها تفسير النص ويتصرف على أساسه، فيجنب البلاد ما نحن فيه الان. لكن الغرور ملك عليه أمره، وتصرف الأعضاء بسخرية ولا مبالاة بما يحدث في الشارع ووصفوهم بالأطفال. وتجاهل مظاهرات 7 فبراير واعتقد أنها طيش لأطفال لن يحتملوا برد الشارع وسيعودون لبيوتهم! وتحدى “بو سهمين” و”زوبى”، القاضي السابق، إرادة المجتمع، وأعلنا بقاء المؤتمر شاء من شاء وأبى من أبى ولم يكونا ينتظران هذا الحراك الشعبي الكثيف الذى شمل المدن.
ثم لما تكاثف العدد وشمل كل المدن في جمعة 14 فبراير، وأخذت الامور في التصاعد وأدركوا أن الهزيمة قادمة ،اضطر المؤتمر لمواجهة الحقيقة التي رأها لأول مرة وكأنها لم تكن موجودة أمامه من قبل. وكان ملزما أن يختار بين الكأس المر والكأس الاكثر مرارة، وفاجأه الواقع، فارتبك وتضاربت تصريحات أعضائه وأدركوا أن الهزيمة قادمة. والذين كانوا يقولون أن انتهاء المؤتمر غير مرتبط بزمن بل بمهام، انقلبوا فجأة مؤيدين لفكرة حل المؤتمر وتسليم السلطة لجسم بديل.
والمشكلة الحقيقية في ليبيا ليست في الاختلاف بين أفراد متساوين في السلطة لديهم أرضية مشتركة يقفون عليها. لكن بين التيار الاسلامي وأفراده الذين يظنون أنفسهم “جند الله”، ويكفرون من خالفهم وبالتالي يستحيل الوصول إلى نوافق معهم إلا بالخضوع المطلق لإرادتهم لانهم جند الله المنصورون والاخرون كفار آثمون. وللأسف فهذا التيار لا يقرأ الواقع وينظر إلى الاخرين بغرور شديد ويعتقد أن المحتجين قلة قليلة ويتصرفون كما كان الاخوان المسلمون يتصرفون في مصر وفى تونس ويكررون أخطاءهم وألفاظهم. ولأنهم لا يجدون تأييدا في الشارع الليبي، فإنهم يبحثون عنه الان لدى الغير ولدى قطر وتركيا بالتحديد والطائرة التي هبطت اضطراريا في طبرق ووجدت محملة بالأسلحة خير دليل على ذلك.
أنهم يكتبون الان نهاية مستقبلهم السياسي بأيديهم. وما زال الوهم يعشعش في العقول بأنهم لن يخسروا معركتهم الاخيرة ولو بوسائل غير شريفة! لذلك يحاولون التثبت بالسلطة ويعينون المتشددين من أفرادهم كصلاح بادي وعلي الصلابي وأفراد المقاتلة والتيارات الاسلامية الأخرى في مفاصل الدولة والمراكز المهمة فيها، وتمطيط القرارات بما يضمن أطول وقت ممكن يمكنهم من صياغة الدستور الدائم بالشكل الذى يريدونه. وقد صرحوا رسميا بأن لهم دستوراً معداً مسبقا سيقدمونه إلى لجنة الستين. كما أن قانون لجنة الستين والمادة 49 منه على وجه الخصوص تتيح للمؤتمر أن يعين ويدير اللجنة الفنية التي هي لجنة الصياغة واللجنة الادارية التي تتولى الامور المالية.
لكن الاحداث تسارعت في جمعة 14 فبراير وبدأ المؤتمر يتفكك من الداخل وكثرت الاستقالات بين أعضائه. ولجأ التيار الاسلامي- القَطَري إلى الخداع والغش وتصرف اعضاؤه بخبث يفوق قدراتهم، فاجتمع وقرر في يوم واحد إجراء انتخابات مبكرة وافق عليها فيما يقولون 156 عضوا يستحيل أن يكونوا قد اجتمعوا معا! فلم يحدث من قبل أن حقق المؤتمر هذا العدد في الحضور خاصة مع حساب الاعضاء المستقيلين أو الممتنعين عن حضور الجلسات. وقرر تكوين لجنة من خمسة عشر عضوا لا تعلم كيف اتفقوا بسرعة على اختيار أعضائها لكتابة قانون الانتخابات الجديد والاعداد للتعديل الدستوري الذى سيكتب القانون على أساسه، دون أن نعلم كيف ستتخذ هذه اللجنة قراراتها: أتكون بالإجماع أم تكون بالأغلبية المطلقة. وحيث أنها ستكون مشتركة بين أعضاء من المؤتمر وأعضاء من الخارج، فالعلاقة بينهم ستبقى غامضة. ولو كان صادقا في نواياه لأذاع الجلسة على الهواء مباشرة كما فعل من قبل في أشياء أقل أهمية.
ثم سرعان ما اصدر قرارا يدعو الي اجراء انتخابات مبكرة ولكن بعد إصدار قانون الانتخابات الذي يجب ان تتم صياغته قبل اخر مارس. ومن المتوقع الا تتمكن اللجنة من كتابته في الموعد المحدد ويتم تأجيل إصداره لأنه سيواجه اختيارات صعبة مثل: هل يتم الانتخاب بالقائمة النسبية ام بالقائمة المطلقة؟ هل سيترشح العضو وفقا لنظام حزبي او فردي؟ وكيف سيتم تقسيم الدوائر، هل بنسبة عدد السكان ام بنسبة الارض؟ وهل سيتلافون العوار الموجود بالقانون السابق المطعون في صحته امام المحكمة العليا منذ أكثر من عام ولم تبت فيه بسبب ما يتلقاه أعضائها من تهديدات؟
وهل سيلجأون لمستشارين دوليين ام سيكتفون بخبراتهم المتواضعة، وهي متواضعة لانه لم يسبق لأي منهم العمل في تشريع قانون مثل هذا. ثم سيكون القانون محل جدال وحرب يشنها التيار الديني الذي يريد ان يصوغه بما يخدم مصالحه كما فعل في القانون الحالي؟ وما يجعل الامر اكثر صعوبة أمام اللجنة أانهم سيضعون في الحقيقة مبادئ دستورية او يسهمون عن غير قصد في كتابة الدستور لأنه سيقرر طريقة الترشح وتوزيع الدوائر. والنتيجة ان المؤتمر سيأخذ وقتا وسيمتد بقاؤه لفترة لن تقل عن ستة شهور قادمة. وكما قال زوبي سيستمر المؤتمر في أداء عمله شاء من شاء وابى من ابى، وله حق في ذلك. فالعضو يحصل في العام على ما يوازي ربع مليون دينار ليبي ما بين مرتبات وسيارات وفرص سفر بالإضافة إلى وساطات لدى الحكومة في تحقيق مصالح شخصية أو فى شغل الوظائف العامة التي أفلح علي زيدان في استخدامها لشراء أعضاء كثيرين لصالحه. فأغدق على أقربائهم المناصب والتعيينات ويكفيك أنه عين تسعة وثمانين شخصا بوظيفة وكيل مساعد وعين أصدقاء الاعضاء وأقاربهم في وظائف بالسفارات الليبية بالخارج وهذا سر بقاؤه غير قابل للعزل.
وللأسف فإن الاعضاء الذين كانوا مؤيدين لاستمرار المؤتمر والذين خسروا معركتهم يرتكبون في حياتهم اكبر الأخطاء ويحرقون مراكبهم ويعلنون انتحارهم السياسي.
وسواء استمر المؤتمر او فشل، فمن الذي سينتخبهم في أية انتخابات قادمة؟ بعضهم أدرك هذا فكثف جهوده للحصول على منصب سفير أو ملحق بالخارج وبعضهم قدم أوراقه للحصول على بعثة للدراسة في الخارج لانهم بعد خروجهم من السلطة لن يستطيعوا العودة للحياة كمواطنين عاديين. اما من غرهم الغرور، فانهم عادوا الى حضن قَطَر يبحثون عن التأييد وتتولى “قناة الجزيرة” تلميعهم من جديد! ولو كانت لى سلطة في المؤتمر لأصدرت قرارا شبيها بقرار المؤتمر الانتقالي بمنع أعضاءه من الترشح للانتخابات الجديدة لانهم خاسرون ولا محالة فلا داعي للفضائح.
magedswehli@gmail.com