لا نشك بالنية الحسنة للسفير الايراني، خصوصاً أنه نجا
بأعجوبة من الانفجار الانتحاري اخيرا، في أنه يرغب بالحفاظ على أمن لبنان. لكن الأمر لا يتعلق بالتمنيات ولا بالرغبات، بل بالوقائع والأوضاع العامة وتطور الأحداث في لبنان وسوريا والمنطقة عموماً.
فبماذا تنبئنا الوقائع وتسلسلها؟
لا أكشف أو أكتشف شيئاً عندما أشير إلى أن لإيران حلما ازليا في الوصول الى شواطئ البحر الأبيض المتوسط؛ منذ أيام داريوش والاسكندر المقدوني.
ولا أتجنى على أحد، وبالتالي لا داعي للتعجيل بوسمي بالعنصرية، إذا استذكرت العداء او المنافسة أو الصراع، بحسب المرحلة واللاعبين، بين العالم العربي والعالم الفارسي. ولي تجربتي في إيران و معاينتي، على الأقل، لعدم “الاستلطاف” بين العربي والايراني وبعدم الاحترام الكافي للعربي و”حضارته البدوية”.
ولا أخترع أي بارود عندما أذكّر بإرادة النظام الايراني الاسلامي في نشر ثورته الاسلامية وتوزيعها على العالم أجمع، بدءاً من الجيرة القريبة والمسلمة.
من هنا نلاحظ أن إيران، منذ انتصار الثورة الايرانية، عملت بجهد على إيجاد امتداد عضوي لها في لبنان؛ عبر تأسيسها لـ”حزب الله” ومدّه بكل ما يلزم لتقويته ودعمه وإيجاد الروابط بينه وبين بيئته الحاضنة، أي محيط الطائفة الشيعية، وتمتينها، وفرضه لاحقاً على المجتمع اللبناني عبر حصر المقاومة اللبنانية في يده وتنحية المقاومات الأخرى مع مساعدة النظام الأسدي وتواطئه.
وهذا ما سمح باستخدام لبنان، ومنذ مطلع الثمانينات، كساحة وكصندوق بريد لنقل وتنفيذ إرادات النظام الإسلامي الإيراني وما يفيد سياساته والدفاع عنه سواء عبر تفجير المارينز او القوات الفرنسية او خطف الرهائن الأجانب في موازاة ما كان يحصل في طهران ومعها.
ولقد ساهمت إيران بالطبع في مساعدة لبنان مشكورة، عبر مساعدتها لـ”حزب الله” ومقاومته وعبر نظام الأسد، على تحرير لبنان وهذا ما لا ينكره أي لبناني يتمتع بالحس الوطني السليم.
لكن هل المقاومة وسيلة ام غاية؟ وهل غاية المقاومة تحرير لبنان؟ أم غايتها تقديس نفسها وتأبيدها وتحويل لبنان كله الى مقاوم للأبد؟ وكإستنتاج مما تلا التحرير ماذا نجد؟!
أنه بدل أن يصبح لبنان وطناً سيداً حراً مستقلاً ويبدأ ببناء نفسه للتعويض عن سنوات الاحتلال، قيل انه لم يتحرر بعد. فشبعا محتلة (ويبدو أنها لم تعد محتلة الآن!). وعليه يجب أن تبقى المقاومة وسلاحها. ثم حصل تحوير لمهمات المقاومة ووجهتها فحوّلت نشاطها وسلاحها إلى الداخل السياسي اللبناني – بعد أن كانت الساحة الداخلية متروكة لحركة أمل – وأدّى كل ذلك إلى الإمساك بمفاصل لبنان ووضع اليد عليه بالتدريج الممل والانتقال الى أخذه رهينة للدفاع عن سياسات إيران وبرنامجها النووي وهي التي تستخدمه كوسيلة للاستقواء به لفرض هيمنتها على المنطقة، الحلم الايراني الأزلي!!
فماذا يحصل منذ حرب 2006 التي “فوجئ” السيد نصرالله بها وأطلق جملته الشهيرة “لو كنت أعلم”؟
حرب 2006 تزامنت مع إرادة المجتمع الدولي زيادة الضغط على إيران! فانشغل العالم بالحرب اللبنانية وترك إيران تتفرغ لإنجاز برنامجها النووي. وهنا يجب أن أؤكد أن لا اعتراض خاص على امتلاك إيران لهذه القدرة النووية بالمطلق، وأن من يريد إيقاف إيران عن التسلح النووي عليه على الأقل العمل على جعل المنطقة، وخاصة إسرائيل، منزوعة السلاح النووي. لكن الاعتراض على أخذ الشعب اللبناني والشعب السوري وسيلة ورهينة للدفاع عن النظام الإيراني وبرنامجه النووي.
النظام الإيراني المعرّض للانهيار من الداخل تحت وطأة العقوبات الاقتصادية، وهو الذي يحارب من أجل بقائه وتوسيع نفوذه في المنطقة – العراق وسوريا ولبنان – ومنخرط في الدفاع عن النظام السوري المنهار، ألزم “حزب الله” بالانخراط في حرب مفتوحة على الشعب السوري، تحت شعار مكافحة التكفيريين لحماية لبنان!! الأمر الذي ورّط كل لبنان وخصوصاً الطائفة الشيعية التي أصبحت مثلها مثل لبنان “كبالع الموسى”، غير آبهين بمصلحة لبنان أو اقتصاده أو سلامه أو أمنه.
والآن ذهبت إيران إلى جنيف للتخلص من عبء العقوبات الغربية التي تثقل كاهل النظام عبر وزيرها الذي يفهم العقلية الغربية، بعد أن جاءت بروحاني للرئاسة، من أجل تخفيف القيود عن الشعب الايراني الذي أعطته بعض “الحريات الشخصية” كي ترضيه في الداخل وتؤخر التهديد بثورة قد تكون مقبلة على الأرجح؛ فتتفرغ للحرب في سوريا. إذن في الوقت الذي تنفتح فيه إيران وتخفف من غلواء تشددها نجد أن النائب محمد رعد يكتشف أن “لبنان الملاهي والفلتان” انتهى لأنه يريد أن يفرض “لبنان المقاوم” الأبدي على الأرجح!!
وكأن خالد علوان منفذ عملية الويمبي كان شيخاً معمماً لا يترك فرض صلاة ولا يعرف الملاهي!!
أليس لبنان الحريات والمقاهي والملاهي والسياحة هو نفسه لبنان المقاوم؟ وحريته وديموقراطيته هما اللتان سمحتا ببروز ظاهرة “حزب الله”؟؛ ولبنان المقاوم هو لبنان الكوسموبوليتي المنفتح على العالم وليس لبنان المنغلق والفارغ من السياح وذا الاقتصاد المتهاوي والأزمة الاجتماعية المتفشية؛ وليس لبنان الخائف من تفجيرات “القاعدة” التي استدعاها تدخله في سوريا. لبنان الذي يُفرض حالياً هو ضد – مقاوم. المقاوم يجب أن يكون حراً. ولبنان كله مستعبد. المقاوم يجب أن تكون كرامته محفوظة. واللبناني يشعر أنه من دون كرامة.
كيف تحمي إيران لبنان إذن؟ عبر فرضها لهذا اللبنان؟ لبنان المتأرجح بين عنف التفجيرات والخوف من التفجير المذهبي وتهديد شخصيات “حزب الله” واستبداده وحربه على الشعب السوري؟ فهل حقاً أمن لبنان من أمن إيران؟ أم أن شرط أمن إيران هو هذا الوضع اللبناني السائد؟ وهل لبنان أكثر أمناً مع الأجندة الإيرانية والحزب اللهوي أم من دونهما؟
طبعاً لن تغير الكتابة الوقائع على الأرض ولا سياسات الدول. لكننا نقول إننا شهود زور فقط لا غير.
استاذة جامعية
النهار