لا يستطيع مشهد النازحين السوريين المتناثرين في لبنان، سوى ان يستفز غضبك على “الحزب المتسلط”. ليس لـ”إخلاصه” في خدمة أحلام فارس، واقحام لبنانيين، من طائفة يصادر قرارها، في الحرب السورية، بل لخبثه وسوء طويته، التي تجلت في رفض حكومته، العوراء، اقامة مراكز ايواء للهاربين من جحيم نظام الاسد.
أعطى الحزب، وحكومته، المعنى الحقيقي لتبنيهما، نظرية “النأي بالنفس”، وهو ترْك الوضع الداخلي يسقط في أزمة بنيوية، فيما يعمل، هو، تفتيتا في سلطة الدولة، وتشويها في الميثاق الوطني، وتحريفا في اتفاق الطائف.
يصعب قبول فرضية قصور الحزب، الايراني الهوية والتوجه، عن توقع ما آلت اليه الامور، وهو تكريس ربط لبنان بالحرب السورية وتأزيمها، تحديدا اجتماعيا وأهليا. فمقابل كل 3 لبنانيين، اليوم، على اراضي “لبنان الكبير” سوري نازح، سواء كان من اصحاب الحاجة، او من اصحاب المال الوفير.
النوع الاول، يزاحم اليد العاملة اللبنانية، والنوع الثاني يسهم في رفع ايجارات السكن، والإثنان يرفعان أسعار المواد الإستهلاكية بحكم نظرية العرض والطلب، وبذلك، يقلق الطرفان انتظام الحياة العامة، فكيف عند الالتفات الى يوميات قوى الأمن الداخلي، وما تحويه من تفلت، إضافي، من القوانين وإعتداءات على الآمنين.
هجرت الحرب نحو 13 مليون سوري الى داخل سوريا، ودول الجوار، تضخمت حصة لبنان منهم إلى مليون ونصف بعد دخول “الحزب المتسلط” الحرب. وتكاد الوقائع تجزم بتحميله المسؤولية الميدانية الأساسية في هذا التدفق. فالنظام الاسدي كان محاصراً، برغم قواته وقدراته (طائرات، طوافات، دبابات) وعاجزاً عن قمع مقاتلي الثورة، ما انعكس محدودية في النزوح، لا سيما الى لبنان.
لكن مع دخول الحزب الحرب، علنا، وبوقاحة سياسية في وجه الداخل اللبناني، أضاف مع نظيريه العراقي والايراني، قوة الى النظام في دمشق، فتحول الأخير من الدفاع الى الهجوم، لكن ليس على الثوار، بل على المدنيين، لاستعدائهم على الثورة، بالإغارات و القصف وبراميل المتفجرات، بعدما سلم الكيماوي للرقابة الدولية، واعلن بذلك صلحه مع اسرائيل.
يدخل النظام، راهنا، حرب القلمون، ببطء متعمد، لتزخيم التهجير، ويحاول، دوليا، تسويق مجازره المقبلة على المدنيين بادعاء تأمين ممر آمن لإخراج السلاح الكيماوي. فيما الحزب المتسلط يسوق اعتداءاته على السوريين الآمنين، بادعاءات تتقلب بين الأسطورة الدينية، والاستراتيجية الأقلوية الضمنية.
أغلب الأحزاب الطائفية اللبنانية راهنت في وقت ما على استقواء طارئ للعب دور أكبر منها. لا يشذ الحزب إياه عن ذلك، لكن مغامرته أكثر كلفة، غدا، مما تركه أنداده. وما لم يحققه حافظ الأسد من إدعاء الشعب الواحد في البلدين، ينفذه من تربى في ظلاله، في أسوأ صورة له: خلخلة الاجتماع اللبناني، وتوحيد الشعبين في مأساة لا نزال أمام طلائعها.
rached.fayed@annahar.com.lb