قبل أيام من حفل تنصيب الرئيس الإيراني حسن روحاني المقرر في الرابع من أغسطس، نشر المحلل الايراني احسان مهرابي تعليقا له بموقع “راديو زمانه”، تطرّق فيه إلى الكيفية التي سيتعامل فيها روحاني مع مفردة “الاعتدال” التي يتبنّاها، والمصاعب التي تعترض طريقه لتشكيل الحكومة، والعراقيل الواقعية التي تواجهه لحل مشاكل الإيرانيين. ونعرض هنا ملخصا لتلك الرؤية:
يقول مهرابي بأن “شهر العسل” هو عنوان يعكس العلاقة الراهنة بين الرئيس “المعتدل” حسن روحاني وبين العديد من المؤسسات القوية والمؤثرة في ايران. وبما أن شهر العسل هذا لن يدوم طويلا، يسعى الأصوليون المحافظون والمسؤولون القريبون من مرشد الثورة آية الله على خامنئي للضغط على روحاني ليفسّر لهم معنى كلمة “اعتدال”.
يأمل هؤلاء أن “تتوضّح” المسألة مع روحاني مثل ما سارت الظروف مع الرئيس المعتدل، أو الرئيس الإصلاحي، محمد خاتمي، الذي اضطر في النهاية، وبعد ضغوط سياسية واجتماعية ودينية، إلى ربط العبارة الشهيرة التي تبناها خلال فترة رئاسته للحكومة، أي عبارة “المجتمع المدني”، بالقول بأن “جذورها ترتبط بمدينة نبي الإسلام”. لذلك، يتوقع مهرابي أن يسير روحاني في نفس الطريق، لينتهي به المطاف للقول بأن ما يقصده من كلمة “اعتدال” هو سلوك مرشد الثورة الأول آية الله الخميني وكذلك سلوك المرشد الراهن آية الله خامنئي، أو كما يقول خطيب صلاة الجمعة في طهران أحمد خاتمي بأن “المرشد هو انعكاس للاعتدال”. وكان المراقبون وصفوا فترة خاتمي الرئاسية، وبالذات الأولى، بفترة “الإصلاحات”، لكن لا يزال العديد من المتنفذين، وبعد مرور 16 عاما على عهد خاتمي الرئاسي، يستغلون شعار “الإصلاح” من أجل ترسيخ مصالحهم الضيقة.
إن شعار “الاعتدال” ينتمي إلى فترة أخرى من تاريخ الجمهورية الإسلامية. فعلى الرغم من أن أحدا لم يلتفت للشعار في انتخابات مجلس الشورى السادس، إلا أن رجل الدين النافذ هاشمي رفسنجاني كان أحد المتبنين له حينما كان رئيسا للبلاد في تلك الفترة. وقد قال له معارضوه آنذاك “لا يمكن للاعتدال أن يُطرح في إطار برنامج سياسي”. والبعض تقدم خطوة على ذلك وقال “الاعتدال يتعلق بالطقس لا بالسياسة”. لكن الشعار عاد مجددا ليفرض سيطرته على الخطاب السياسي الراهن، وبات عمل العديد من مستشاري روحاني هو التنظير للكلمة لجعلها أفقا رئيسيا للمرحلة في ظل اعتقاد الرئيس المنتخب بأنه يمتلك الـ”قدوة” في هذا الإطار، وهو رفسنجاني.
يقول مهرابي إن مستشاري روحاني يجب أن يكثفوا من اجتماعاتهم معه بشأن خطبه وأحاديثه للناس. لأنه، وفي آخر خطاب له، أخاف الكثيرين الذين قالوا بأنهم “لم يرتكبوا أخطاء لكي يتوبوا”. وفسر البعض خطابه بنفس الصورة التي كانوا ينظرون من خلالها إلى عبارة خاتمي التي قال فيها “يجب عدم استبدال المعارض بالمعاند”. وكان روحاني قال في هذا الخطاب “في الواقع يجب أن نسهّل الطريق على الذين يستعدون للعودة. انه شهر التوبة (رمضان)، التوبه في كل شأن. فهذا الذي يقول بأنه أخطأ وقرر العودة، نقول له بأنك لم تعد.. يقول بأنه مستعد للتضحية، نقول له بأنك لست مستعدا.. يا أخي، الإسلام هو نفسه الذي قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وتحت عنوان الإسلام والأخوّة يجب أن نقبل به”.
يعتقد البعض بضرورة تجاوز خطب روحاني، وأن يتم في المقابل التركيز على أدائه. ويُعتبر اختيار روحاني لوزرائه هو أول اختبار لروحاني في هذا الإطار، على الرغم من أنه لا يتحمّل كامل المسؤولية في عملية الاختيار تلك. ويتذكر بعض الذين يحللون السياسة انطلاقا من التجارب التي مضت، كيف أثار اختيار وزراء حكومة خاتمي في الدورة الثانية من رئاسته موجة من الاستياء واليأس بين أنصاره.
إن البعض يشبّه عبارة “حكومة الاعتدال” بالشركة المساهمة. لكن اسحق جهانغيري، وهو مستشار لروحاني، قال عن تلك العبارة التالي “الحكومة ستتشكل من وزراء لم يتلطخ تاريخهم بالتشدد. سيتم انتخاب الأفراد المعتدلين، القادرين على تحريك عجلة الاعتدال”. هذا النوع من الحكومة وبهذه الصفات للوزراء، تم الاستعانة بها أثناء رئاسة رفسنجاني، لكن في وسط الطريق اضطر الوزيران المعتدلان محمد خاتمي وعبدالله نوري إلى ترك الحكومة. لذا لن يكون واضحا العمر الزمني لحكومة روحاني، ولن يبدو جليّا إلى متى ستستمر ثقة مجلس الشورى التي يهيمن عليه المحافظون بها.
يمكن لروحاني بعد تشكيل الحكومة أن يركّز على القضية الاقتصادية باعتبار أنها أقل ضررا عليه من السياسة. وهو، بالمناسبة، أبعد موضوع الإصلاح السياسي عن اهتمامات مركز الأبحاث الاستراتيجية التي كان يعمل فيه قبيل ترشحه للرئاسة. غير أن الجميع يعلم بأن اقتصاد إيران يتداخل بشدة مع سياسة الدولة الداخلية والخارجية. وكان رفسنجاني قال لوزرائه المعتدلين التكنوقراط “لا تمارسوا السياسة، لأنني سأكون بديلا سياسيا عنكم”. لكنه يقول اليوم “لا نستطيع أن نعادي العالم، ثم نفكّر بالتكامل”.
لقد وعد روحاني بتقديم تقرير للشعب عن المائة يوم الأولى من عمل حكومته. وإذا كان يريد أن يكون صادقا في وعده هذا، عليه أن يتحدث بكل شفافية عن الأرقام الاقتصادية، أي عن نسبة 42 إلى 45 بالمائة من التضخم في البلاد، وأن يشير إلى تراجع النمو الاقتصادي بنسبة 3 إلى 4 بالمائة، وأن يتحدث عن نسبة البطالة التي وصلت إلى 20 بالمائة. وكان الرئيس المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد قال في جلسة عقدت مؤخرا وحضرها مرشد الثورة، إن نسبة التضخم في البلاد وصلت إلى 18 بالمائة، وإن الاقتصاد نما بنسبة 4 بالمائة، وإن نسبة البطالة هي 11 بالمائة. وفي نفس الجلسة، قال مرشد الثورة مؤيدا انجازات حكومة أحمدي نجاد “على كل مجموعة أن تنظر بصورة إيجابية إلى المجموعة التي سبقتها”.
ولأن حكومة أحمدي نجاد قد خفّضت من التوقعات، وأنّ أي إصلاح صغير في المستقبل قد يكون مؤثرا، فمن شأن ذلك أن يقلّل من صعوبة عمل حكومة روحاني. غير أن الصعوبة الفعلية تكمن في الأرقام الاقتصادية التي تتحدث عن نفسها. لذا يجب أن ننتظر من روحاني خلال المائة يوم الأولى من عمل حكومته إجابة حقيقية على تلك الصعوبات، وبعدها سنعرف إلى أي حد ستكون الإجابة حقيقية وواقعية.
fakher_alsultan@hotmail.com
كاتب كويتي