أخبرني: هل عشقتَ يوماً؟ كيف كنت تراه؟ كيف تصفه لي؟ هل وصفك له أمر حقيقي؟ هل شعرتَ أن كلماتك كانت كافية للتعبيرعن مشاعرك؟ أصحيح ما قاله جلال الدين الرومي في وصفه للعشق “العشق ماء الحياة، والعشيق روح من النار”؟
كلا، ليس شعور العشق هو ماء واقعي، وليس العشيق هو روح من النار! إذاً، هل الرومي يكذب في كلماته هذه؟ كلا. هي رموز اضطر لاستخدامها عندما عجز عن التعبير بشكل مباشر وصريح.
يعتقد الفيلسوف الألماني باول تيليش (1886-1965) – أحد أهم الفلاسفة في عصرنا الحالي، وأوْلى اهتماماُ لفهم لغة الدين – أنه لا يمكن التعبيرعن الأمر الذي يتجاوز المرء إلى مالانهاية، والذي أسماه بـ”الاهتمام المطلق”، والذي أخصّه هنا بـ”الله”، إلا عن طريق استخدام الرموز، فبها من القوة ما يجعلها أكثر قدرة من غيرها على التعبير. قوتها وقدرتها في أنها لا تعني الشيئ بذاته، بل لما ترمز إليه، تشير إلى ما ورائه، أي الإشارة إلى المعنى الكامن والمخفي لما وراء ذات الرمز.
مثال: الإشارة الحمراء ترمز إلى أنه على السيارة أن تقف، الإشارة الحمراء “لا تعني” أن السيارة تقف، ولكنها تعني أنّ على السيارة أنْ تقف. كذلك الأرقام، والحروف، رموز ليس لها معنى إلا فيما تشير إليه من وظائف محددة.
يذكر تيليش في مقال له بعنوان SYMBOLS OF FAITH”” (الرموز الدينية) المميزات التي تميّز اللغة الرمزية والتي أكسبتها القوة. من أهم المميزات، وكما في مثال الإشارة الحمراء، أن الرمز لا يرمز لذاته بل للمعنى الكامن لما وراء ذات الرمز. وهنا يجب التمييز بين الرمز والإشارة. فالإشارة تشير لذاتها، ليس هناك أمر ما وراء الإشارة. مثال: الإشارة ممنوع التدخين، تمنعك عن التدخين. ميزة أخرى أن الرموز لا يمكن استبدالها كما الحال في الإشارات. العَلَم على سبيل المثال يشير إلى قوة وكرامة الأمة ولا يمكن استبداله بعلم آخر، إلا إذا حدثت نكبة تاريخية أدت إلى تغيير واقع الأمة. علاوة على ذلك، استخدام الرموز في الأعمال الإبداعية، كالشعر والرسم، تكشف لنا مستويات جديدة من الفكر لم نكن لنصل إليها لولا الرمز. وأيضًا، الرموز لا يمكن أن تُخلق أو توجد بإرادة من الفرد أو الجماعة، بل تظهر دون وعي منهم. وجود الرمز كوجود الكائنات الحية، التي تنمو عندما تكون الظروف مهيأة لها، وتموت عندما تتغير الظروف. مثال: الملك بما يمثله من رمز، يظهر في فترات معينة من التاريخ و يموت في فترات أخرى، كفترتنا الحالية التي يغيب عنها وجود الملك في أغلب دول العالم. الرموز لا تنمو لأن الناس يريدونها، ولا تموت عندما تتعرض للنقد، هي تموت عندما يكون للناس القدرة الكافية على التعبير.
لا يقتصر استخدام الرمز في الأعمال الإبداعية والفنون، بل في السياسة والاجتماع والدين. وما يهمنا هو استخدام الرمز في الدين.
الرمز والله
يوضح تيليش أهمية الرمز في الدين، ويتساءل قبلها: لماذا لا يمكن التعبير عن “الاهتمام المطلق” بصورة مباشرة وصريحة وواضحة؟ هل نلجأ للرمزعندما يكون اهتمامنا المطلق هو الله؟ مثلاً، إن كان المال أو النجاح أو الأمة أو أي مفاهيم أخرى هي من الاهتمامات المطلقة للمرء، ألا يمكن التعبير عنه بصورة مباشرة وصريحة وواضحة؟!
مثال: إن كانت القبيلة هي الاهتمام المطلق للمرء، عندها سيصبح اسم القبيلة اسماً مقدساً، وكل سمات القبيلة هي خارقة وما فوق طبيعية وعظيمة. مثال آخر: النجاح، كاهتمام مطلق وليس مطلب قومي، لكن الاستعداد للتضحية بكل القيم الأخرى لأجل النجاح، وشعور القلق من عدم تحقيق النجاح، يماثل الشعور بالذنب والخطيئة والإدانة الإلهية. نلاحظ الآن أن الأمر لا يقتصر على الله عند التعبيرعن الاهتمام المطلق، فأي شيئ يمثّل اهتمامنا المطلق سيكون بمثابة الإله بما يمثله من تعظيم وتقديس وتنزيه عن الصفات العادية.
من طبيعة “الاهتمام المطلق” أن المرء يحوّل المفاهيم إلى رموز تتجاوز ما هو محدود إلى اللامحدود، وهذا يُفقد المرء القدرة على التعبير بشكل مباشر.
لا يمكن الحديث عن الرموز الدينية، إلا أن إذا كان الله هو جوهر تلك الرموز، وللملاحظة نجد أن الله يتجاوز اسم الله، وحتى عند لفظ اسم الله بدون صفات الإجلال والتقديس كـ”تعالى سبحانه، جل جلاله” يراه البعض تعسفا وذنبا أو كفرا أحيانًا!
وعودة لميزة الرموز عند تيليش في أنها لا تشير إلى ذاتها بل إلى ما ورائها من معنى، سيكون السؤال: الله – رمز – يشير إلى ماذا؟ ستكون الإجابة: الله يرمز إلى الله!
يشرح تيليش هذه الفكرة، كالآتي: هناك أمران مهمان في قضية المطلق – الله – أننا لايمكننا التمييز بين ماهو ذاتي وما هو موضوعي. والأمر الأول: حالة الكمال – كما أطلق عليها تيليش – التي يعيشها المرء بتجربته الذاتية، وهي مباشرة وليست رمزية، حتى أنها لا تقع ضمن حدود الزمان والمكان، لأنها حالة تكمن في ذاته وفي ذهنه، وتجاوزاً نسميها الحالة الروحية. الأمر الآخرهو الشيئ الملموس الذي يؤخذ من تجربتنا اليومية العادية، ويتم تطبيقها على النحو المطلق. مثال: المُسلم الذي يتوق للذهاب إلى مكة لرؤية الكعبة، ستكون الكعبة مقدسة له، لأمرين، الأول: الحالة الروحية التي يعيشها بتجربته الذاتية، الأمر الآخر هو الوجود المادي الملموس المتمثل في الكعبة، لكنه لا يقدسها لمواد بنائها ولا لتصميمها المعماري بل لما ترمز إليه، أي إلى الله.
وبعدها يطرح تيليش سؤالا في البحث عن رمز المطلق: من كل الرموز التي مرت على تاريخ البشرية والتي لاتعد ولا تحصى، هل تشير إلى المطلق؟ لكنه يستدرك السؤال بآخر، لأنه يرى أن هذا السؤال يعني أن هناك شيئا ما في الوجود يشير إلى المطلق بذاته، وحينها لن يكون هذا المطلق إلهي. والسؤال الآخر هو: أيّ من هذه الرموز هي الأكثر ملاءمة لترمز إلى المطلق – الله – دون أي حالة وثنية؟ والمقصود بالحالة الوثنية، التصوير التشبيهي للإله “الإله المتشخص”، والذي نجد آثاره في المعتقدات التوحيدية.
قد لا يملك المرء مواد أخرى ليصوغ منها تصوره عن المطلق غير التي يستخدمها من حياته. فالصفات التي ننسبها لله، كالقدرة والحب والعدل، هي مفاهيم مأخوذة من تجاربنا المحدودة والتي نطبقها رمزيا نحو الله. مثال: نقول “الله قادر على كل شيئ”، هل هذه العبارة كافية لوصف قدرة الله وقوته، الذي يفعل ما يشاء؟! وهكذا هو الحال مع بقية المفاهيم التي تصف صفات وأفعال الله.
وعليه، يكون جواب تيليش عن الرموز والمطلق، أن الرموز لا تشير إلى المطلق ولا هي حقائق عنه، بل هي رموز مستوحاة من تجاربنا وإدراكنا، لترمز إلى المطلق.
الرمز والأسطورة
لا تظهر الرموز الدينية منعزلة، بل تكون “قصصا عن الآلهة” كما تشير له الكلمة اليونانية “Mythos ” (الأساطير). الآلهة المتشخصة التي تظهر في الأساطير تشبه الإنسان، فهي متباينة في جنسها، مرتبطة مع بعضها في الحب والصراع. الآلهة تخلق العالم والإنسان، تتصرف في الزمان والمكان، تشارك الإنسان في عظمته ومعاناته، وأيضاً في الموت على الرغم من خلودها، تشارك في أعمال الخلق والتدمير، تُرشد الإنسان إلى نواميس الحضارة وتُعلمه تعاليم الدين. تُنجي وتُهدد سلالات بشرية. تَظهر للإنسان عن طريق التجسيد، تُؤسس لقبائل وأشخاص وأماكن مقدسة. وتُعلم الناس العبادات. وكذلك هي متفاوتة في مكانتها وتسلسلها الهرمي. يوجد إله أعلى تكون كل الآلهة الأخرى تحت حكمه وتهديده، ويأتي من بعده الآلهة الأٌقل شأناً والتي تتوسط ما بين الإله الأعلى والإنسان، وأيضاً هذه الآلهة لا تتشابه في مكانتها الهرمية.
عالم الأساطير فيه من العظمة والغرابة والتنوع الكثير. وإن كانت الأساطير موجودة أكثر في اليونان القديمة إلا أن سماتها يمكن العثور عليها لدى أساطير بقية الشعوب. تختلف الأساطير وتتغير من مكان لآخر ومن شعب لآخر. ولكن جوهرها ثابت وهو “الاهتمام المطلق” والذي يظهر على شكل رموز لظواهر وأفعال إلهية. تم تجميع هذه الرموز في قصص متماسكة، تدور أحداثها حول مواجهة الإله والإنسان وسميت بـ”الأسطورة”.
الآلهة في الأساطير تُشابه البشر في أفعالها وصفاتها. يُرجع تيليش سبب التشابه إلى أن عناصر الأسطورة ومادتها تكون من حياة الإنسان العادية. الأساطير تضع قصص الآلهة في إطار الزمان والمكان على الرغم من أن الآلهة تنتمي لطبيعة المطلق الذي هو خارج الزمان والمكان! وهذا التضارب ما بين ما هو مطلق لامتناهي متعالي ولكنه متناهي ومحدود، يؤدي لا محالة إلى تدمير الفهم حوله.
هناك دراسات لإعادة قراءة الأسطورة والنصوص الدينية للتخلص من العناصر الغامضة والأسطورية فيه لأجل اكتشاف المعنى الكامن بها (إلغاء الأسطرة) “demythologization”. قد يكون المعنى سلبيا، لكنه يكون مقبولا إذا كان يشير إلى ضرورة إدراك الرمز كرمز والأسطورة كأسطورة. هذه الكلمة استخدمت فيما يتصل بدراسة عناصر الأسطورة في قصص ورموز الكتاب المقدس في كلا العهدين القديم والجديد، مثل قصص الجنة، وسقوط آدم، والخطيئة الكبرى، وشق البحر بعصى موسى، وولادة العذراء للمسيح، والعديد من المعجزات. باختصار، كل تلك القصص حول المواجهة بين الإله والإنسان. وعليه، تسعى هذه الدراسات إلى دراسة عناصر الأسطورة لاستخلاص المعنى الكامن فيها. ولكنها لا تعني محاولة لإلغاء الرموز والأساطير، لأن أي محاولة كهذه ستكون فاشلة. فالأسطورة، بما تتضمنه من مجموعة رموز، لا يمكن إلغاءها من حياة الإنسان الروحية. فهي تثير في الناس الرؤية الإلهية. مثال: الأساطير حول آلهة الحب، تُشعر المرء بأنها تتكلم عن الله الذي هو رمز لإله الحب والجمال.
لكن محاولات فهم الأسطورة يتم محاربتها من قِبل السلطة الدينية والسياسية بغرض إحكام السيطرة على الناس دون منازع، من خلال ما يفرضونه من عقائد وفهم للدين لتقوية سلطانهم ونفوذهم.
يعتقد تيليش أن السلطة الدينية واجهت إلغاء الأسطرة (demythologizatio) بـ”الحرفية” (literalis)، والتي تعني فهم الرموز والأساطير بمعناها الصريح والمباشر كما هو في النص. فعناصر كالطبيعة والأحداث التي فيها والأشخاص والأماكن، تُفهم بمعناها الصريح. مثال على الحرفية: يُفهم خَلق الكون كحدث وقع خارج الزمان. ويُفهم سقوط آدم بسقوط كائن بشري من السماء إلى الأرض. وتُفهم ولادة العذراء للمسيح على أنها ولادة بيولوجية استثنائية. ويُفسّر المعراج كحدث فيزيائي. وأيضاً ما تُسمى بمسلمات الدين تُفهم بحرفيتها، مثل أن الله يسكن في مكان خاص في الأعلى – السماء السابعة – ويؤثر على مسار أحداث الكون وأحداث حياتنا ويتأثر بها مثل أي كائن آخر في الكون، فتارة يغضب وتارة يفرح كما هي المشاعر لدى الإنسان، وهذا يناقض صفة الله في اللاتغيير والثبات. الفرح والغضب هما مشاعر متغيرة من حالة إلى أخرى، والتغيّر في المشاعر يكون في الزمان، وهذا يناقض صفة الله في الأديان التوحيدية بأن الله هو فوق الزمان وخالق الزمان.
“الحرفية” تجرد الله من قدساته وتبعد صفة الكمال عنه، وتجرد النص الديني من عظمته ليصبح نصاًّ مليئا بالتناقضات. مثال: الآية “هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيئ عليم” (سورة الحديد – 3)، وإن اجتهد المفسرون بتفسير هذه الآية، فسوف يخرجون من نطاق الحرفية إلى التأويل أو الترميز، وهنا إشكال آخر لن أخوض فيه، ويقع ضمن مزاجية المفسر عندما يريد أن يؤول أو يفسر – أقصد بالتفسير هنا الحرفية – أي أنه لن ينتهج منهجا واحدا في النص الواحد. إذاً، الحرفية تنزل المطلق الى ما هو متناهي ومحدود. الدين الذي يأخذ الرموز بحرفيتها، يصبح كالوثنية! يصف الشيئ المحدود، والذي هو أقل من المطلق، بالمطلق. بينما الوعي برمزية الرموز، يعطي الله ما يليق به وينزّهه عما دون ذلك.
يٌقسّم تيليش الحرفية إلى مرحلتين: المرحلة البدائية، والمرحلة التفاعلية. في المرحلة البدائية يكون من المتعذر على المرء التمييز بين ما هو أسطوري وبين ما هو حقيقي. قصور الفهم يؤدي إلى صعوبة الفصل بين رموزالعالم المتخيّل والحقائق التي يمكن التحقق منها عن طريق الملاحظة والتجريب. في هذه المرحلة يُسلّم المرء بحرفية الأسطورة. إلى أن تأتي اللحظة التي لا يمكنه تقبّل هذا الفهم. فمن غير الممكن لمن يُخضع أسئلته للشك أن يقبل بحرفية الأسطورة بصورتها البدائية. عندها ينتقل للمرحلة الثانية من الحرفية، أي المرحلة التفاعلية. وهنا ينتقل من مرحلة الاطمئنان واليقين إلى الشك واللايقين، وتُثار الأسئلة في ذهنه ولكنه يقمعها، وأداة القمع تكون على شكل الاعتراف منه بسلطة لها طبيعة مقدسة بالنسبة له، كـ “الكنيسة/ المسجد أو الكتاب المقدس/ القرآن”، والذي يسلّم بهما ويخضع لهما خضوعًا تاماً. في هذه المرحلة قد يقبل بما يقبله اللاهوت المسيحي من الأسطورة، أي أن تكون مقصورة على الأساطير الطبيعية التي يتم فيها فهم الظواهر الطبيعية، كفصول السنة، والشهب والنيازك، والزراعة، برمزيتها دون القبول برمزية الأساطير التاريخية، وهذا من شأنه أن يقلّل الحيّز الذي يُطبق عليه فهم الأسطورة كأسطورة. مثال للأساطير التاريخية: المسيح إله متجسّد، يظهر في زمان ومكان، يعيش ويموت ويبعث من جديد. مثال آخر: الأساطير التي تنظر إلى الأرض على أنها ساحة معركة لقوتين إلهيتين، كما هو الحال في بلاد فارس القديمة، وسقوط آدم، وطوفان نوح، وغيرها من أساطير تاريخية لا يمكن القبول بحرفيتها.
لا يمكن تقبل الأسطورة، سواء التاريخية أو الطبيعية، إلا كأسطورة، وبرموزها إلا كرموز، وهذا لا يعني أن الأساطير هي أكاذيب وخرافات، لكنها صور تشبيهية مجازية تشير لحقيقة أعمق بكثير، تشير إلى ما راء الرموز ذاتها، إلى ما هو أبعد من ذلك، إلى المطلق، كما يناسب جلاله وعظمته وقداسته.
وكما يقول جلال الدين الرومي:
بعضهم يسمونك حبَ
وأنا أدعوك مليك الحب..
فأنت وراء كل خيال..
*كاتبة من الكويت
رموز الدين.. والله
ماعليك زود
الصدق لاتوجد حاجه في الكون نقدر نقول عنها واحد
كل شي لامتناهي
حتئ خالق الكون اذا ماقمت بدراسته ستجده يتكون من اجزاء كثيره اتحدت لتعطينا الاله الحالي البالغ القوه وهوه عند البشر لاتعد ولا تحصئ واكيد فيه رسل جايه في الطريق
لايوجد ماهوه ثابت في الكون
اذا كان العلم مسيس كيف تصعب علئ الدين والعقايد الزائفه
يقول المثل كلب الشيخ شيخ
ويابخته عرف يستغلها