ما هي الدولة التي ترمي بجُل ثقلها في سوريا ومصر؟ إنها ليست الولايات المتحدة (عدد سكانها: 316 مليون نسمة)، أو إيران أو المملكة العربية السعودية أو حتى روسيا. إنها دولة قطر الصغيرة في الخليج الفارسي (عدد سكانها: مليوني نسمة). ففي سوريا تُغدق قطر المال والسلاح على جماعات الميليشيات المناهضة للأسد وتتنافس مع السعودية على لقب الراعية الرئيسية للمعارضة. كما أنها أكبر ممول حتى الآن لحكومة الرئيس المصري محمد مرسي، حيث وفرت أكثر من 5 مليارات دولار في شكل قروض — من دون أن تشترط عليها القيام بإصلاحات كتلك التي طالب بها “صندوق النقد الدولي”.
فلماذا انخرطت قطر إلى هذا الحد في مصر وسوريا؟ إنه سؤال جيد. والإجابة عليه ترجع بالتأكيد في جزء منها إلى أنه في ظل غياب الولايات المتحدة، تتصور قطر وجود فراغ — ومن ثم فرصة جديدة لتعزيز مكانتها الدولية.
لقد كانت سياسة قطر تقوم على نزوات — أو بشكل أكثر تأدباً، على رؤية — الأمير حمد بن خليفة آل ثاني والشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، الذي يشغل حالياً منصب رئيس الوزراء ووزير الخارجية. وقد تمخض عن السيطرة الشخصية للزعيمين حسم يفتقر إليه حلفاؤهم من الدول الأكبر حجماً. في زيارة قمت بها إلى العاصمة القطرية الدوحة أثناء التدخل الدولي في ليبيا في آذار/مارس 2011، ضحك أحد أصدقائي القطريين عندما أراني رسماً كاريكاتورياً نُشر في صحيفة “الإندبندنت” اللندنية، يُصور طائرة مقاتلة في داخلها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي وهما يتناحران من أجل السيطرة عليها، بينما يغفو الرئيس الأمريكي باراك أوباما في المقعد الخلفي (“يسيطر على الأوضاع من الخلف”). ويركب أمير قطر أنف الطائرة، رافعاً إصبعه لمعرفة الطريقة التي كانت تهب فيها الريح. وكان الوصف المكتوب على الكاريكاتير، والذي لا يمكن الإفلات من التورط بعواقبه في الولايات المتحدة هو “طائرة التناحر النفاثة.”
لكن الآن، يخضع الفريق الذي أشرف على نمو قطر وتحولها إلى قوة إقليمية إلى عملية تغيير. فقد ذكر دبلوماسيون عرب وغربيون قبل أيام أن الأمير حمد، 61 عاماً، سوف يستبدل قريباً رئيس الوزراء بنجله ولي العهد تميم البالغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً، ثم سيتخلى نفسه عن سلطته لصالح تميم. وقد أثارت الأخبار حالة من الدهشة في عواصم العالم الكبرى وبين جيران قطر — فتنصيب قائد مبتدئ في وقت تسود فيه التوترات والتقلبات الكبيرة يبدو أمراً محفوفاً بالكثير من المخاطر.
فلماذا الآن؟ إن إحدى الأسباب هي أن صحة الأمير حمد أخذت منحنى نحو الأسوأ. ويُقال إن لديه كُلى واحدة فقط تقوم بوظيفتها — رغم أنه من غير المعروف ما إن كانت تلك الكلى تخصه أم أنه حصل عليها من خلال عملية لزرع الكلى في عام 1997. وإذا قارن المرء صورة فوتوغرافية للأمير التقطت مع الرئيس أوباما في مدينة نيويورك عام 2009 وصورة أخرى التقطت في المكتب البيضاوي في شهر نيسان/أبريل هذا العام، يتضح أنه فقد الكثير من وزنه. ويُنكر صديق قطري أن هناك مشكلة صحية، مدعياً بدلاً من ذلك أن تلك عملية منظمة جيداً لنقل السلطة تم الإعداد لها على مدار سنوات عديدة لكي يتسلمها تميم.
ونادراً ما تسير عمليات الانتقال بسلاسة في قطر. فقد استولى الأمير حمد بنفسه على السلطة من والده في عام 1995 بينما كان الأخير في منتجع صحي في سويسرا. وفي الواقع، من الصعب التعرف على عملية تغيير للسلطة خالية من الاضطرابات خلال المائة عام الأخيرة. فعلى مدار تلك السنوات حدثت ثماني عمليات انتقال كهذه تقريباً — يعتمد العدد الدقيق على تعريفك لعملية “الانتقال” — لكن جميعها قائم على موضوع التخلي القسري عن السلطة. وكان نتيجة تلك التغييرات قيام تاريخ من العداوات بين الأسر داخل عشيرة آل ثاني، التي تصل أعدادها إلى عدة آلاف على الأقل.
إن قطر ليست دولة ديمقراطية — فعائلة آل ثاني هي الدائرة السياسية الفعلية الوحيدة في البلاد. لكن تعرضت وحدة العشائر والقبائل للضغط منذ خلع الأمير حمد لوالده — كما أن ارتقاء الوالد إلى السلطة عام 1972 أدى إلى إزعاج بعض فروع العائلة حيث اُعتبر أنه اختطف المنصب من أحد منافسيه بسبب براعته المتفوقة في المناورة. ويقال إن أفراد العائلة يحملون ضغائن ولديهم ذكريات بعيدة. وسوف يجد تميم نفسه مرغماً على الإبحار في هذا المستنقع بينما يقوم العديد من السياسيين المخضرمين بمراقبة أداء الأمير الشاب عن كثب.
إن تميم هو النجل الرابع للأمير حمد والثاني الذي يحمل لقب ولي العهد. وقد أخبرني سفير سابق في الدوحة عن أبناء الأمير الإثنين الأكبر سناً بأن “أحدهما يرتاد الحفلات كثيراً، وآخر يصلي كثيراً”. وعندما سألت السفير نفسه ما الذي حدث لجاسم الأخ الأكبر لتميم، أي الإبن الأكبر الثالث الذي خسر لقب ولي العهد عام 2003، أجاب: “آه، إنه يستمع إلى مستشاريه الفلسطينيين كثيراً”.
ويبدو أن تميم تمكن من تجنب جميع تلك العثرات ليصبح وريث العرش المطلق. وقد تلقى تدريبه في “أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في بريطانيا” ويُعرف عنه الجد والاجتهاد. لكن يبدو أن ميزته الكبرى هي أنه المفضل لدى الشيخة موزة، الزوجة الثانية والأكثر تأثيراً للأمير حمد.
ولم يتضح بعد النتيجة الفعلية لهذا التغيير السياسي للحرس. هل سيمكث الأمير حمد في الدوحة، الأمر الذي يقوض من سلطة تميم من الناحية الفعلية؟ لقد كان والد الأمير يعيش سنوات في المنفى، إلى أن خبت جذوة استيائه من الإطاحة به من الحكم. وقد عاد الوالد المُسن الآن إلى قطر، دون أن يمثل أية أهمية سياسية على ما يبدو.
لكن ماذا عن رئيس الوزراء ووزير الخارجية، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني؟ في احتفال أقامه “معهد بروكينغز” في نيسان/أبريل، قُدمت للشيخ حمد لوحة تذكارية ضخمة، وانهال عليه كبار مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية بالمديح واعتبروه شخصية لا يمكن الاستغناء عنه أساساً. ربما يكون كذلك — إلا أنه لم تظهر بعد أسماء حول من سيشغل منصب رئيس الوزراء بدلاً منه. وسوف يبقى الشيخ حمد مسؤولاً عن محفظة “جهاز قطر للاستثمار” البالغة نحو 200 مليار دولار، لكنه قد يقرر كذلك الإقامة في لندن، حيث يوجد برج “شارد”، الذي هو أعلى وأحدث مبنى في العاصمة البريطانية، وتملكه قطر.
وما إن تكتمل عملية انتقال السلطة، سيكون تميم مسؤولاً عن توجيه تدخل قطر في سوريا ضد نظام الرئيس بشار الأسد، إلى جانب الحفاظ على نفوذ قطر عبر العالم العربي. وفي ظل الإيرادات التي تحصل عليها بلاده كثاني أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم، فلن ينقصه المال. كما يستطيع شراء المشورة والمساعدة، وهو ما تفننت فيه قطر في الماضي: وعلى كل حال، فإن حوالي 1.7 مليون شخص من المقيمين في شبه الجزيرة، أي الأغلبية الشاسعة من السكان، ليسوا من المواطنين وإنما عمالة مستأجرة.
لكن هناك بعض الأسئلة: هل سيواصل كونه الداعم المالي الأكبر لجماعة «الإخوان المسلمين» في مصر؟ هل سيستمر في دعم المقاتلين الجهاديين الذين هم على الأرجح الأكثر تطرفاً في سوريا، لكنهم الأكثر فاعلية؟ وهل ستسعى إيران، التي تقع على بعد 100 ميل إلى الشمال والتي تشاركها قطر في حقل الغاز الطبيعي الأكبر في العالم، إلى الانتقام عن الخسائر المتكبدة في سوريا عن طريق تحدي هذا السياسي المبتدئ؟ وماذا عن الدولة السنية العربية المنافسة لقطر، المملكة العربية السعودية، حيث اعتاد ولي العهد الراحل سلطان أن يشير إلى الأمير حمد بازدراء على أنه “فارسي” نظراً لسلالة آل ثاني التي كان يسود اعتقاد بأنها سلالة غير نقية؟
وبالنسبة للأمير تميم بن حمد آل ثاني الذي سيظهر على الساحة قريباً، فإن المشاكسات داخل عائلته قد تمثل تحدياً باعثاً على الإحباط مثلها مثل الاضطرابات الدائرة في الشرق الأوسط. لقد كانت قطر على مدار سنوات تسعى لدور أكبر من حجمها وتلاكم من هو أقوى منها. والآن ربما حان الوقت ليحاول أحدهم رد تلك اللكمات.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.