خاص بـ”الشفاف”
لا يزال حدث ريحانلي البلدة التركية التي شهدت قبل أيام تفجيرين إرهابيين دمويين يتصدر الصحف والمواقع الإخبارية التركية، مع تناول واسع لفرضية ضلوع تنظيم إرهابي يطلق عليه اسم “المستعجلون” ( بالتركية : Acilciler, آجيلجيلر) في التفجيرين الذي أسفرا عن مقتل ما يزيد على 45 مواطناً (بينهم 3 نازحين سوريين) وإصابة أكثر من 150 آخرين بجراح. وقد سلطت المنابر الإعلامية التركية الأضواء على تنظيم “المستعجلون” وزعيمه المفترض “محراج أورال” (“معراج أورال”) الذي يحمل في سوريا اسم “علي الكيّال”، سيما بعد اعتقال 9 أشخاص يشتبه بعضويتهم في التنظيم المذكور، وتصريحي وزير الداخلية التركي “معمر غولر” ونائب رئيس الحكومة “بشير آتالاي” المندرجين في إطار توجيه الاتهام إلى التنظيم. رغم نفي أورال – بحسب صحيفة “حرييت” – في صفحته على “الفيسبوك” مسؤوليته عن تفجيري ريحانلي واتهامه معارضي بشار الأسد بالوقوف وراء العملية، قائلاً: اليد القاتلة في ريحانلي هي نفسها اليد القاتلة في دمشق وحلب!
“المستعجلون” ومجزرة ريحانلي
في معرض الحديث عن تفجيري ريحانلي، يعود الكاتب التركي المعروف علي بيرم أوغلو بالذاكرة في مقاله المنشور بصحيفة “يني شفق Yeni Şafak إلى أجواء ولقاءات ومقال له في الفترة التي شهدت تفجير “جيلفه غوزو” قبل” أشهر، وينقل عن “سعدالله أرغين”، وزير العدالة والبرلماني عن “هاتاي”، حديثه عن تنظيم “المستعجلين” وزعيمه “محراج أورال”.
في أواسط التسعينات كانت تكتب على الجدران في أنطاكية، والأصح في حي النصيريين شعارات: “أخرج يا جيش الاحتلال، انهوا احتلال هاتاي”.
وكان يقوم بتنظيم ذلك جماعة “المستعجلين” التي يقودها “محراج أورال” المتحالف مع الأسد الأب. حتى أن مجلس الأمن القومي التركي ناقش في حزمة تدابير لأجل ذلك فيما بين 1995 – 1996 في مواجهة تدابير لعب سوريا بالمنطقة ( لواء الاسكندرون ).
نفس المجموعة ونفس الأسماء تعمل اليوم مع الأسد الإبن، وتحاول دخول المنطقة والتمركز فيها، إذا كنت تتذكر فإن بشار الأسد قد هدد قبل فترة أن هذه النيران ستمتد إلى تركيا أيضاً”.
الكاتبة نازلي إليجاك (صحيفة صباح Sabah) تورد ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز نقلاً عن مقطع فيديو يظهر فيه محراج أورال متحدثاً: “بانياس هي الطريق الوحيد الذي يمكن الإرهابيين من الوصول إلى البحر. تطويق بانياس ثم البدء في تطهيرها أمر عاجل جداً، كتنظيم (سوريا المقاومة) علينا التدخل ودعم الحرب الجارية (طبعاً لصالح نظام الأسد)”.
وتشير الكاتبة إلى حدث مؤسف شهدته “هاتاي” بعد مجزرة ريحانلي. إذ أن المحتجين رفعوا شعارات “أمريكا القاتلة، وحزب العدالة والتنمية شريكها”، وهم يقصدون من ذلك إلى أن الولايات المتحدة وحلف “الناتو” ضالعين في تفجيري ريحانلي تمهيداً لاستغلاله كحدث من أجل التدخل العسكري في سوريا! وبالتمعن في هذه الشعارات ودوافعها يمكن الإشارة إلى ضلوع جهة ما وراء تنظيم هذه التظاهرات، وكانت للحملات الدعائية التي أطلقها المستعجلون أثرها في احتقان مجتمع “هاتاي” (أي “لواء الاسكندرون”).
وإذا كانت غالبية التقارير والأخبار الصحفية ومقالات الرأي ترجح ضلوع تنظيم “المستعجلين” في تفجيري ريحانلي، إلا أن “حزب السلام والديمقراطية” (الكردي)، الممثل في البرلمان التركي والمقرب من “حزب العمال الكردستاني” الذي أرسل وفداً إلى مدينة ريحانلي برئاسة البرلماني عن مدينة ميرسين، أرطغرل كوركجو، كان له رأي آخر مخالف للتوجه الإعلامي التركي ولبعض التصريحات الرسمية الصادرة عن أركان في الحكومة التركية. إذ صرح كوركجو بأن “اتهام السلطات التركية لتنظيم “المستعجلين” فانتازي، وتشخيص الحالة يستلزم ألا تكون تركيا طرفاً في الحرب، وألا تكون طرفاً في حال التدخل العسكري ضد سوريا”، دون توضيح المزيد عن هذا الموقف الجازم!
المستعجلون؟..
انقسم حزب “جبهة التحرير الشعبي” في تركيا بعد مقتل زعيمه ومؤسسه “ماهر تشايان”، في 1972، إلى عدة تنظيمات.
وقد تأسس تنظيم “المستعجلون” في .1975 وظهر تنظيم “المستعجلون” مستمداً اسمه من كراس بعنوان: “المشاكل العاجلة في الثورية التركية”. وتركزت أنشطة التنظيم أكثر في “هاتاي” (لواء الاسكندرون) و”أضنه”. وشهدت الفترة التي أعقبت انقلاب الجنرال “كنعان أيفرين” في 12 سبتمبر / أيلول 1980 اعتقال أو هروب غالبية أعضاء التنظيم.
يقول “ثريا آيدن” وهو عضو في تنظيم “المستعجلين” قضى في السجن سنوات للاشتباه في أنه مسؤول إقليم البحر الأسود في التنظيم، وكان حُكم عليه بدايةً بالإعدام، أن تنظيم “المستعجلين” قد تم حله، ولا وجود له منذ 1988.
ولكن تحقيق لصحيفة “يني شفق Yeni Şafak التركية منشور بتاريخ 1 سبتمبر / أيلول 2012 يشير إلى أن” للمستعجلين معسكران في دمشق واللاذقية، ويقال أن عدد أعضاء التنظيم بحدود 500 مقاتل يتلقون تدريباتهم على يد ضباط من الجيش السوري. ويقال أن قائد الجناح العسكري في التنظيم، “حسين فوزي تكين” قد انتقل قبل أشهر من اليونان إلى سوريا أيضاً.
وتنظيم “المستعجلين” يعرف في هاتاي باسم: “جيش تحرير هاتاي“، وقد أسسه “محراج أورال” بدعم مادي ومعنوي مقدم من قبل جميل الأسد!
محراج أورال؟
ثمة تلازم بين تنظيم “المستعجلين” و”محراج أورال”، ولا يمكن الفصل بينهما.
بعد تأسيس تنظيم “المستعجلين” في 1975 عقب الانقسامات التي طالت حزب “جبهة التحرير الشعبي” في تركيا، استلم قيادة التنظيم “محراج أورال”، ليؤسس لاحقاً من جناح التنظيم الأم تنظيمه الخاص: “الطليعة الثورية للشعب”. وشارك محراج أورال مع تنظيمه في عملية الهجوم بالقنابل على القنصلية الأمريكية في “أضنه”، وتم اعتقاله في 10 مارس 1978 بعد سطو مسلح على أحد البنوك. وقد هرب من سجن أضنه في 1980 بعد دفعه رشى لإدارة السجن وتزوير أمر إخلاء سبيل. ودخل أورال سوريا في مايو 1980، وفي 1981 مُنِح الجنسية السورية بتوسط من جميل الأسد, وتزوج بامرأة من عائلة الأسد.
محراج أورال.. المستعجلون.. الأوراق المكشوفة..
يكتب أنغين أركينر الذي كان يتزعم تنظيم “المستعجلين” يوماً في موقعه الانترنيتي عن “محراج أورال”: وضعنا وثائق على الانترنت تثبت أن أورال عميل مزدوج للمخابرات السورية وللاستخبارات التركية (MIT)،أورال ليس ثورياً إنما هو قاتل مأجور، وهو منذ اعتقاله من قبل الاستخبارات التركية في مارس / آذار 1978 يعمل لصالحها في تصفية أعضاء تنظيم “المستعجلين”.
فيما تذهب صحيفة “يني شفق” إلى وجود روابط بين تنظيم “المستعجلين” و”حزب العمال الكردستاني” والنظام السوري!
بل تمضي الصحيفة إلى أبعد من ذلك وتتحدث عن ارتباط تنظيم المستعجلين بالاستخبارات السرية الفرنسية، وأن التنظيم يشن حملة دعائية ضد النازحين السوريين في تركيا، ويتخذ مركزاً لحملته مدن هاتاي، اسكندرون، مرسين, أضنة، مع تحذير بانتقال الصراع السني – العلوي إلى تركيا, وتتحدث الصحيفة عن “أورال” كعميل للاستخبارات السورية والفرنسية، وأنه يتخذ مقراً له في منطقة “الفرلق” التابعة لمحافظة اللاذقية.
وفي معرض التأكيد على ارتباطه بالاستخبارات الفرنسية تؤكد الصحيفة أن رجل المافيا “عبدالله جاتلي” الذي توفي في حادث سوسورلك الشهير (الحادث الذي ألقى الأضواء قبل سنوات على علاقة “المافيا” بالاستخبارات التركية وأوضح أكثر للرأي العام التركي وجود دولة عميقة في تركيا) كان قد اعترف قبل ذلك وأثناء القبض عليه أنه قدم اللجوء في فرنسا على أساس كونه عضواً في تنظيم “المستعجلين”، وكان قد ساعده في ذلك قياديان في التنظيم هما محراج أورال” و”كمال بيرام””.
تقول الصحيفة في تحقيقها، وفي نقطة متصلة بوقائع الثورة السورية، أن “أورال” طرح على بشار الأسد فكرة تسليم المناطق الكردية المحاذية لتركيا إلى حزب العمال الكردستاني، واستخدام بطاقة الحزب ضد تركيا التي تدعم المعارضة السياسية والمسلحة ضده، وأن النظام السوري قد أخذ باقتراحه وسلّم المناطق الكردية إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الموالي لحزب العمال الكردستاني. ولحزب الاتحاد الديمقراطي رواية أخرى حول ما جرى في المناطق الكردية السورية..
متصلاً بالعلاقة بين أورال وأوجلان، تورد الصحيفة أن اللقاء الأول الذي جمع زعيم حزب العمال الكردستاني “أوجلان” وزعيم تنظيم “المستعجلين”، “أورال”، في بدايات ثمانينات القرن العشرين قد جرى في منزل لعائلة الأسد، وأن عراب اللقاء كان جميل الأسد شقيق الرئيس السوري السابق حافظ الأسد, فيما تحول أورال لاحقاً إلى عراب لعلاقات أوجلان ودوغو برينجيك رئيس حزب العمال التركي.
يذكر الكاتب غولتكين آفجي (صحيفة بوغون Bugun) أن أورال في خريف 1984 كان ضابطاً برتبة نقيب في جهاز المخابرات العامة السوري، ولا يزال ضابطاً فيه! وكانت الغاية من دعم السلطات السورية له هو تجنيد أهل هاتاي لصالح المخابرات السورية. وقد أسدى خدمات عديدة ولا يزال للمخابرات السورية. فأحد خدماته أثناء إقامته في فرنسا مكلفاً من قبل المخابرات السورية أنه قام بملاحقة الإسلاميين السوريين المقيمين هناك، وقد قام بتعاون مع الاستخبارات الفرنسية باختطاف شخص يدعى حسن جابر ونقله إلى سوريا.
وقد تكشفت العديد من الحقائق عن شخصية “محراج أورال” وتنظيم “المستعجلين” مؤخراً فقط، سيما بعد تفجيري ريحانلي. إذ لم نكن نعلم أن “أورال”، وخلال الثورة السورية، انضم إلى وحدات الدفاع الوطني التي أطلقها النظام مقاتلاً ضد الجيش السوري الحر في العديد من مناطق محافظة اللاذقية, مع إدعاءات بقيادته عمليات عسكرية لصالح النظام في منطقة كسب القريبة من الحدود التركية.
ويجري اتهام “المستعجلين” بأنهم الجهة التي تقف وراء تنظيم تظاهرات مؤيدة لبشار الأسد في هاتاي التركية.
mbismail2@gmail.com
كاتب سوري