عمان (رويترز) – يثير تنامي قوة المقاتلين الاسلاميين في جنوب سوريا القلق في الاردن الذي يدعم المعارضة المسلحة للرئيس السوري بشار الاسد ويخشى المرتبطين بالقاعدة بين مقاتليها.
وتزيد بواعث القلق المماثلة بين جيران اخرين لسوريا من بينهم تركيا واسرائيل تعقيد الطريقة المفككة بالفعل التي يستجيب بها المجتمع الدولي للاضطرابات الدامية في قلب الشرق الاوسط.
وسمح الأردن للولايات المتحدة بالتدريب العسكري لعدد محدود من مقاتلي المعارضة في اراضيه. وعبر بعض المقاتلين الاخرين الحدود من الاردن الى سوريا لكن السلطات اعترضت اخرين عند الحدود بل وقدموا للمحاكمة.
وكان العاهل الاردني الملك عبد الله قبل 18 شهرا أول زعيم عربي يدعو الأسد للتنحي لكنه استغل زيارة لواشنطن الاسبوع الماضي في التعبير عن قلق الاردن بخصوص “المنظمات الارهابية المتشددة” التي باتت تسيطر على مناطق على طول حدود سوريا الجنوبية مع الاردن.
وتبرز التصريحات التي أدلى بها في المكتب البيضاوي بجوار الرئيس الامريكي باراك اوباما الخوف من ان يكون الامن القومي الاردني بات مهددا على ايدي الاسلاميين في سوريا الذين لا يضارع كراهيتهم للاسد الا عداءهم للملكية في الاردن.
ويقول دبلوماسيون كبار في عمان انه نتيجة لذلك قاوم الاردن ضغوط دول الخليج العربية لتكثيف شحنات السلاح لمقاتلي المعارضة الذين يعتقد انهم قد ينقلبون عليه يوما ما.
ويخشى الاردن كذلك ان يتعرض للانتقام من جانب سوريا التي يعتقد على نطاق واسع ان لديها اسلحة كيماوية ردا على اي تكثيف للدعم الاردني لمقاتلي المعارضة.
وكان الاسد قال قبل اسبوعين ان النار لن تقف عند حدود سوريا والكل يعرف ان الاردن عرضة للاكتواء بها مثل سوريا. وجاءت تصريحاته في مقابلة صور فيها القاعدة على انها باعث قلق لكلا الدولتين وهي رسالة لاقت صدى لدى كثير من الاردنيين.
وأعلنت جبهة النصرة وهي من أقوى الفصائل التي تحارب للاطاحة بالأسد ولاءها لزعيم القاعدة ايمن الظواهري الشهر الماضي مؤكدة بشكل رسمي تحالفها مع الجماعة التي استهدفت الاردن في الماضي.
وفي الوقت نفسه فتح مقاتلو جبهة النصرة وجماعات اخرى جبهة جديدة في القتال في جنوب سوريا وهي خطوة ارجعها الاسد الى تسلل الوف المتشددين من الاردن واستيلائهم على مواقع عسكرية ومساحات من الارض.
وقال الضابط الاردني الكبير المتقاعد اللواء فايز دويري ان مكمن الخطر في جبهة النصرة والجماعات الاسلامية المتشددة الاخرى واذا انتصرت ورابطت على حدود الاردن فسيسبب ذلك مشاكل من منظور الجيش.
وقال مسؤولون اردنيون طلبوا عدم الافصاح عن اسمائهم ان التعاون الامني مع دمشق مستمر على نطاق محدود.
وبالإضافة الى خطر امتداد العنف الى اراضيه من محافظة درعا في جنوب سوريا يتعرض الاردن للخطر المألوف المتمثل في مشاركة شبان اردنيين في صراع اقليمي ثم عودتهم لبلدهم وقد زادوا تشددا واكتسبوا خبرة القتال.
وكان ابو مصعب الزرقاوي الذي ولد في الاردن قد سافر الى افغانستان في الثمانينات وقاتل كذلك في العراق الذي يعتقد انه خطط منه للهجمات على فنادق في عمان التي قتل فيها عشرات الاشخاص في نوفمبر تشرين الثاني 2005 .
ولما كانت الحدود السورية لا تبعد سوى 120 كيلومترا شمالي عمان فالقتال في سوريا أقرب الى العاصمة الاردنية مما كانت عليه الاضطرابات في العراق في اي وقت.
ويقول الدبلوماسيون انه لذلك قاوم الاردن الضغوط لارسال شحنات اكبر من الاسلحة الى مناطق القتال في سوريا برغم انه سمح بتدريب بعض المفاتلين على ارضه وبنقل بعض شحنات السلاح الممولة خليجيا الى سوريا.
وقال مسؤول امني كبير طلب عدم الافصاح عن اسمه “مصالح الاردن الوطنية الاستراتيجية تأتي في المقام الاول وقبل اي أهداف خليجية”وخص بالذكر قطر في اتباع ما وصفه بالسياسة المعيبة التي تقوم على تمكين الاخوان المسلمين وهم خصم قديم للحكم الملكي في الاردن.
وشارك حزب جبهة العمل الاسلامي وهو الجناح السياسي للاخوان المسلمين في الاردن في احتجاجات تطالب باجراء اصلاحات سياسية وتندد بخفض الدعم في المملكة الفقيرة في مواردها والتي تعتمد على المعونات الخليجية في سد جانب من عجز الميزانية.
ويقول الاردن في العلن انه يلزم الحياد في الصراع.
بل ونفى رئيس الوزراء عبد الله النسور في البرلمان ان الاردن يستضيف برامج لتدريب المقاتلين – مناقضا بذلك روايات للمقاتلين انفسهم ولبعض الدبلوماسيين – وقال ان المملكة تعارض اي تدخل عسكري للاطاحة بالاسد.
ويقول المقاتلون ان قلق الاردن تبدى بوضوح قبل نحو شهر عندما حذرهم من الاستيلاء على معبر نصيب الحدودي الرئيسي. وقالوا ان االقوات الاردنية القت القبض ايضا على مهربي سلاح محليين واستجوبتهم للحد من تدفق الاسلحة الصغيرة على درعا.
وبعد ذلك بفترة قصيرة أعلنت واشنطن إنها سترسل وحدة قيادة عسكرية يمكنها نظريا ان تقود قوات قتالية. وعزز الاردن كذلك قدراته العسكرية عند الحدود وطلب بطاريات صواريخ باتريوت امريكية لحماية نفسه من اي هجوم صاروخي انتقامي قد تشنه قوات الاسد.
وتلقى مقاتلو المعارضة السورية كذلك امدادات عسكرية عن طريق تركيا التي تشعر بالقلق ايضا من تنامي نفوذ الاسلاميين المتشددين بين المقاتلين وتخشى التعرض لمشاكل امنية اكبر على طول حدودها التي تمتد 900 كيلومتر اذا برز دورهم في سوريا بعد الاسد.
ويقول مسؤولون أتراك ان هذه المخاوف تحد من الدعم المباشر للمعارضة السورية من جانب تركيا.
وقال مصدر قريب من الحكومة التركية “تركيا قلقة بنفس القدر كالولايات المتحدة والحلفاء الاخرين بشأن جبهة النصرة إن لم تكن أكثر قلقا. وهي تعتقد كذلك ان استمرار الوضع الحالي سيزيد التطرف.”
وأدى الانقسام في صفوف المتمردين وتحالفاتهم المتنافسة ومخاوف الغرب من الانزلاق إلى صراع مفتوح تساند فيه روسيا وايران الاسد إلى عرقلة أي استجابة خارجية موحدة للازمة.
لكن سنان اولجن من مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية في اسطنبول قال ان عدم القيام بشيء سيؤدي الى ترك ميزان القوى في الميدان يميل لصالح الاسلاميين المتشددين.
ومن الدول المجاورة الاخرى التي تراقب الوضغ بقلق اسرائيل التي تحتل مرتفعات الجولان السورية الواقعة جنوب غربي دمشق وهي تشاطر الاردن قلقه من انتشار المقاتلين الاسلاميين.
ويقول دبلوماسيون غربيون مطلعون على الافكار التي تتردد على الصعيد الرسمي في الاردن وكذلك قادة للمقاتلين في الميدان ان الاردن ينقل فيما يبدو أسلحة الى مقاتلين معتدلين داخل سوريا لحماية حدوده وهي خطوة قد تتصدى ايضا بشكل غير مباشر لبواعث قلق اسرائيل.
ووقعت اسرائيل والاردن اتفاقية سلام عام 1995 وتعملان معا عن كثب منذ ذلك الحين فيما يخص الامن الاقليمي.
لكن الدعم المحدود الذي يقدمه الاردن محبط للمقاتلين الذين يقولون ان التدريب الاولي على الاسلحة الذي يتلقاه مئات المقاتلين على مدى اسبوعين لكل منهم لا يكفي كي يميل ميزان القوى العسكرية في صالح القوى المناهضة للاسد.
وقال ابو هيثم قائد مقاتلي كتيبة أبابيل حوران الاسلامية ان الشكوك تتنامى بخصوص اهداف الاردن النهائية في سوريا والطريقة التي بدأ يشكل بها ميليشيات موالية له. واتهم المملكة بمساندة قوى سورية مستعدة لمجابهة الاسلاميين بعد سقوط الاسد.
ودعا ابو عمر وهو قائد اخر للمقاتلين فقد احدى عينيه في القتال في مدينة درعا مهد الانتفاضة السورية في جنوب البلاد الى تزويد مقاتلي المعارضة بأسلحة اكثر تقدما.
وقال ابو عمر (37 عاما) وهو تاجر سابق متحدثا الى رويترز في مدينة اربد في شمال الاردن حيث كان يعالج من الاصابة بشظايا “اذا زودنا الاردنيون بصواريخ مضادة للطائرات واسلحة مضادة للدبابات فسننهي معركة درعا في اسبوع وبعدها بوقت غير طويل سنكون على ابواب دمشق.”
وظهر مقاتلون للمعارضة في جنوب سوريا في تسجيل مصور يحملون اسلحة مضادة للدبابات وبنادق ذات اعيرة ثقيلة. وبدا بعضها امدادات من خارج سوريا لكن المقاتلين يقولون انهم استولوا على أغلبها من قواعد الجيش.
ويقول دبلوماسيون في المنطقة تتفق رواياتهم مع روايات المقاتلين الذين تحدثت معهم رويترز ان المخابرات الاردنية لم ترسل الا القليل من شحنات الاسلحة الخفيفة الى مجلس عسكري للمقاتلين يدعمه الاردن لكن الامدادات سرعان ما قسمت بين الفصائل المختلفة بعد ذلك.
ووصف احد قادة المقاتلين الوضع قائلا “يقول الاردنيون انتظروا بعض الوقت ثمة شحنة سلاح قادمة. وينتظر المقاتلون يوما او يومين او شهر… وفي النهاية تكون الاسلحة التي وصلت غير كافية ولحقت بها اضرار.”