شهدت الأشهر الخمسة الأخيرة من الحرب الداخلية السورية استخداماً موسعاً من جانب النظام لصواريخ سكود وغيرها من صواريخ أرض – أرض. ونظراً لأن هذه الأسلحة تمنح قوات بشار الأسد القدرة على الهجوم على الثوار والمدنيين عند الرغبة تقريباً، ينبغي على واشنطن وحلفائها النظر في اتخاذ تدابير مضادة قوية، بما في ذلك استخدام القوات المضادة للصواريخ في البلدان المجاورة.
السياق
لجأ النظام في بادئ الأمر إلى استخدام صواريخ سكود في كانون الأول/ديسمبر، رداً على مكاسب الثوار حول دمشق وحلب التي هددت منشآت رئيسية. وبعد فترة سكون وجيزة، تزايد معدل الهجمات الصاروخية مرة أخرى بعد 10 كانون الثاني/يناير، عندما أحرز الثوار انتصاراً كبيراً آخر في الشمال من خلال الاستيلاء على قاعدة تفتناز الجوية. وارتبطت الزيادة في النيران الصاروخية بأسوأ طقس شتوي شهدته البلاد منذ سنوات — فالارتفاعات التي كانت تقل عن 10,000 قدم وانخفاض مستوى الرؤية ربما أجبرا القوات الجوية على خفض عملياتها في ذلك الوقت.
وعقب استيلاء الثوار على سد “الثورة” في محافظة الرقة يوم 11 شباط/فبراير وقاعدة “الجرّاح” الجوية في محافظة حلب في اليوم التالي، انتقم النظام بشنه نحو 39 هجمة بصواريخ أرض — أرض وفقاً لما ذكرته التقارير خلال الأسبوع التالي. ورغم انتشار بعض قوات الثوار في هذه المناطق، إلا أن معظم الصواريخ سقطت في مناطق مدنية أو في مناطق مفتوحة.
وبعد ذلك، حافظ النظام على نمط متسق نسبياً في إطلاق النيران، حيث كان يشن ما بين هجمة واحدة واثني عشرة هجمة بصواريخ أرض – أرض يومياً على مدار الشهر التالي. وفي ظل تحسن أسلحة الثوار ومكاسب “الجيش السوري الحر” المعارض على الأرض، أصبحت النيران الصاروخية أمراً ثابتاً في المناطق التي يسيطر عليها الثوار. وإيجازاً، يبدو أن النظام الآن مستريح إلى تنفيذ عمليات منتظمة باستعماله صواريخ أرض – أرض.
القوات والقدرات والعمليات
إن استعداد سوريا منذ وقت طويل للصراع مع إسرائيل جعلها تمتلك قوة صاروخية ضخمة. وقبل نشوب الحرب الأهلية، ذكرت التقارير أن النظام يمتلك نحو 700 إلى 800 صاروخ من نوع سكود وغيرها من صواريخ أرض – أرض، مثل صواريخ “الفاتح A-110” الأحدث التي صممتها إيران وصواريخ “إس إس -21” الروسية. ووفق ما تقوله المعارضة، فقد تم إطلاق ما يزيد عن 200 صاروخ من صواريخ أرض – أرض من أنواع مختلفة منذ كانون الأول/ ديسمبر، معظمها صواريخ سكود.
يصل مدى صواريخ “سكود B” القديمة لدى النظام إلى نحو 300 كيلومتر ويمكنها حمل أكبر قدر من الحمولة، نحو 1000 كيلوغرام. أما صواريخ “سكود C” فيصل مداها ضعف هذا الحد، لكن مع حمولة أقل تبلغ 500 كيلوغرام. ويصل مدى صواريخ “الفاتح A-110/M600” المنتجة محلياً نحو 200 كيلومتر مع حمولة 500 كيلوغرام. أما صواريخ “سكاراب” ” SS-21″ فيمكن أن يتراوح مداها ما بين 70 و120 كيلومتر وفق النوع المستخدم (لدى سوريا كلا النوعين A و B)، مع حمولة عالية التفجير تبلغ 500 كيلوغرام. يشار إلى أن جميع الصواريخ أرض – أرض هذه يمكن تهيئتها لحمل الذخائر العنقودية أو الكيميائية. كما قام النظام بنشر صواريخ المدفعية “FROG-7” التي تستطيع توصيل حمولة 500 كيلوغرام إلى مسافة 70 كيلومتراً.
ويشار إلى أن عدم دقة صواريخ سكود السوفيتية وصواريخ FROG تجعلها مفيدة فقط ضد الأهداف الكبيرة مثل القواعد العسكرية أو المناطق المدنية. أما صواريخ SS-21 الأكثر دقة فيمكن استخدامها ضد الأهداف العسكرية الأصغر والأعلى قيمة، بما في ذلك تجمعات قوات العدو ومراكز قيادة الثوار.
وقد أظهر النظام حتى الآن أنه يستطيع استمرار العمليات الصاروخية ومعايرة معدلات النيران التي تُطلق منها والاشتباك مع العديد من الأهداف. ويقوم النظام عادة بإطلاق صواريخ أرض – أرض من مناطق آمنة من قبل أطقم إطلاق تتمتع بالكفاءة على ما يبدو، حيث تصل إلى أهداف في جميع أنحاء سوريا بدون أن تعيقها الظروف الجوية أو الدفاعات الجوية للثوار. واستناداً إلى مصادر في المعارضة، فإن تكرار هجمات الصواريخ أرض – أرض يتباين بشكل كبير، حيث تشهد بعض الأيام شن هجمات عديدة (يكون أقصى عدد إجمالي ثمانية عشر صاروخاً) وفي بعض الأيام لا يتم إطلاق أي صاروخ. وعلى الرغم من أن الرؤوس الحربية ذات القوة التفجيرية العالية — المدمرة للمدنيين في المناطق الحضرية المزدحمة مثل حلب ودمشق — هي الذخائر التي يفضلها النظام، إلا أن الأسلحة العنقودية ربما استخدمت في حالات معينة أيضاً.
التبعات
يأتي استخدام صواريخ أرض – أرض متسقاً مع نمط التصعيد المستمر من جانب النظام، من المدفعية إلى الطائرات ومن المواد ذات القوة التفجيرية العالية إلى الذخائر العنقودية والحارقة. وجاءت كل خطوة رداً على ضغوط الثوار المتزايد، مما يبرز عجز أسلحة أخرى عن ترويع السكان أو تدمير قوات المعارضة.
ورغم صعوبة تحديد الآثار الدقيقة للحملة الصاروخية، إلا أن الهجمات على المناطق المدنية أوقعت آلاف الضحايا، مما تسبب في وقوع أضرار مادية وأسهم في تدفق اللاجئين. وقد شهدت حلب أسوأ هذه التأثيرات، لكن هناك مدن أخرى أيضاً تعرضت لهجمات متكررة بما في ذلك الرقة ودير الزور وضواحي دمشق. وفي بعض الأحيان كان انفجار واحد يوقع مئات الضحايا، كما رأينا في الهجوم الذي وقع في شباط/فبراير ضد حلب التي أوردت التقارير أنه أسفر عن مقتل 141 مدنياً. كما أن هناك هجمات أخرى قتلت العشرات في المتوسط، رغم هبوط بعض القذائف دون أن تلحق أضرار في مناطق مفتوحة أو تعرضها لخلل وظيفي.
ويرد النظام في الغالب بهجمات صواريخ أرض – أرض بعد فقدانه منشآت عسكرية هامة، لمنع المعارضة من استخدام هذه المنشآت أو الأسلحة الموجودة فيها. وفي بعض الأحيان الأخرى، تدعم صواريخ أرض – أرض العمليات العسكرية بشكل مباشر، مثل الهجمات البرية. وفي كلتا الحالتين، ثبت أن الصواريخ لا يمكنها تغيير قواعد اللعبة في ميدان المعركة — وهو أمر لا يدعو للدهشة في ضوء وزن المتفجرات التي يتم توصيلها عن طريق الهجمات الجوية والمدفعية الأكثر تقليدية ودقة. واستناداً إلى تقارير المعارضة، يشن النظام في المتوسط اثنين وعشرين عملية جوية و280 هجوماً بالمدفعية كل يوم، ويتجاوز ذلك بكثير عدد الهجمات بصواريخ أرض – أرض.
وبشكل أوسع نطاقاً، فإن العمليات الصاروخية هي طريقة أخرى لتقويض شرعية المعارضة وبمثابة دليل للسكان بأن غياب قوات النظام في مناطق معينة لا يعني وجود الأمن. وقد ضربت صواريخ أرض – أرض مناطق يسيطر عليها الثوار دون تحذير مسبق، مما خلق شعوراً بالضعف بين المدنيين مع إزعاج وحدات “الجيش السوري الحر” والمعارضة السياسية. بيد أن هذه المشاكل كانت قائمة بالفعل قبل أن تصبح هجمات الصواريخ أرض – أرض أمراً مألوفاً، وذلك جراء الهجمات الجوية الكثيفة والهجمات بالمدفعية من جانب النظام فضلاً عن عمليات التنافس الداخلية بين المعارضة.
المشهد المستقبلي
لقد كان استخدام صواريخ أرض – أرض حتى الآن أسلوباً منخفض التكلفة/منخفض المخاطر بالنسبة للنظام. ولم يرد المجتمع الدولي على استخدام هذه الأسلحة، تماماً كما ظل صامتاً عندما بدأ نظام الأسد في استخدام المدفعية الميدانية، والطائرات المقاتلة، والقنابل الانشطارية والحارقة ضد المدنيين. وقد عجز الثوار عن مهاجمة وحدات الصواريخ أرض – أرض، لذا فإن معدل الإطلاق بقي على ما هو عليه. وعلى الرغم من أن النظام يستهلك بعضاً من مخزونه الاستراتيجي المخصص للصراع مع إسرائيل، فلن يجد غضاضة من الاستمرار في هذا النهج طالما يكون بقاؤه على المحك.
وفي الواقع أن معدل النيران الثابت من جانب النظام والمخزون الجيد من صواريخ أرض – أرض يشيران إلى حملة صاروخية طويلة. ففي أوائل آذار/مارس، تحدثت التقارير عن إطلاق صواريخ من قاعدة “جبلة” الجوية في المناطق النائية العلوية، مما يشير إلى أن قوات الأسد تستطيع الاستمرار في هجمات صواريخ الأرض – أرض حتى في حالة خسارة منشآت الإطلاق في منطقة دمشق. وعلاوة على ذلك، واستناداً إلى رغبته الظاهرة في استخدام كافة الأدوات المتاحة لضمان بقائه، سوف يلجأ النظام إلى استخدام الأسلحة الكيميائية لو شعر أنه في مأزق شديد وأن هذه الأسلحة سوف توفر نوعاً من الفوائد. وفي ذلك السيناريو، يمكن أن تكون الصواريخ أرض – أرض وسيلة رئيسية لتوصيل تلك الأسلحة الكيميائية.
التداعيات السياسية
لم تغير الصواريخ أرض – أرض مسار الحرب، لكن استخدامها يمثل حالة أخرى يؤمن فيها النظام بأنه يستطيع التصرف بمأمن من العقاب وبمقدوره إنزال خسائر كبيرة بين صفوف السكان المدنيين. وبناءً عليه، ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها مساعدة المعارضة على مواجهة هذا التهديد. إن استخدام الدفاعات الصاروخية في تركيا لمواجهة صواريخ سكود قد يكون له تأثير رمزي ونفسي هائل على المقاتلين يتجاوز التأثير العسكري الأولي. ينبغي على واشنطن أيضاً أن تستقصي وسائل لنقل معلومات التحذير المبكر بشأن الهجمات ومناطق التأثير المتوقعة، على نحو يسمح للثوار والمدنيين بالاحتماء. وأخيراً، ينبغي على المجتمع الدولي أن يعمل على تجنيد وحدات “الجيش السوري الحر” وتدريبها وتجهيزها بعد فحصها وتقييمها أولاً من أجل شن هجمات سرية على مواقع إطلاق صواريخ النظام، مع توفير المساعدات الاستخباراتية المناسبة حيثما اقتضى الأمر. من شأن هذه التدابير وغيرها أن تحد بشكل كبير من قدرات الصواريخ أرض – أرض لدى النظام، مع تخفيف العبء عن كاهل المدنيين وتعزيز الحوكمة في المناطق التي يسيطر عليها الثوار.
العقيد إيدي بوكس، من سلاح الجو الأمريكي، هو زميل زائر للشؤون العسكرية في معهد واشنطن. مايكل غيبس هو متخرج حديث من جامعة برينستون. جيفري وايت هو زميل للشؤون الدفاعية في المعهد وضابط كبير سابق لشؤون الاستخبارات الدفاعية. الاستنتاجات والآراء الواردة في هذه الوثيقة هي آراء المؤلفين، ولا تعكس الموقف الرسمي لحكومة الولايات المتحدة أو وزارة الدفاع أو سلاح الجو الأمريكي أو الجامعة الجوية.