هل بدأ حزب الله بالانخراط الصريح والعلني في المواجهات السورية؟ نعم.
لكن رغم ازدياد تحذيرات قيادات الجيش السوري الحر في أذن الحكومة اللبنانية، وتهديد حزب الله بشكل غير مسبوق، لدفعه الى وقف تدخله في سورية، التزم الحزب الصمت وكأنه غير معني بكل هذه الضجة. تلك التي وصلت الى حد تنفيذ تهديدات بقصف مواقع له في الهرمل وفي سورية. ويبدو لا مباليا في ابعاد المواجهة التي باتت تنذر بحروب مذهبية ودينية “مقدّسة” لا تبقي ولا تذر. هذا بينما اعتبر لبنان الرسمي، على لسان وزيري الخارجية والداخلية، ان ما يجري هو “مواجهات بين لبنانيين مقيمين في قرى سورية قريبة من الحدود مع لبنان وبين مقاتلي المعارضة”.
وهو موقف يعبر عن نأي الحكومة بنفسها عن امرلا تجد انها تتحمل اي مسؤولية فيه. صمت حزب الله لا يعني ان لا شيء يجري، وان الازمة مرشحة إلى أن تتلاشى. فالوقائع الميدانية تشير الى بدء انتقاله من المواجهة الملتبسة مع المعارضة السورية الى مواجهة مفتوحة، تنقله الى مفصل سياسي وتاريخي مدمر والى تجربة جديدة في القتال لم يخبرها مقاتلوه اليوم، وان خبر ما يشبهها بعض قيادييه في الحروب الاهلية المتنقلة من البقاع الى بيروت والجنوب بين اعوام 1985 و1990.
يذكر ان حزب الله نأى بنفسه عن حرب المخيمات الشهيرة في منتصف الثمانينات من العقد الماضي، رغم ادراكه ان الرئيس حافظ الاسد المتحالف مع ايران استخدم آنذاك رأس الحربة الشيعية التي مثلتها حركة “امل” في خوض تلك حرب. وقد وصفها حزب الله آنذاك بـ”حرب الفتنة بين المسلمين”، رغم الشعارات الكبرى التي رفعت لتبريرها من قبل اعوان النظام السوري. حزب الله اليوم لا يبدو منتفضا على تحويله اداة تستكمل تلك الفتنة التي اودت بالآلاف من الفلسطينيين واللبنانيين الشيعة من بيروت الى الجنوب، وذلك بالانخراط في مسار ينذر بمخاطر اشد وادهى من تلك الحرب التي ادارها نظام الاسد الاب. فنظام الاسد الابن لم يعد من غاية له، بعدما غرق في بحر من دماء السوريين، الا اغراق الآخرين معه وتوريطهم في حربه. ولا بأس ان تسمى “حربا مقدسة”. ولا بأس من استنفار العصبيات المذهبية وشحذ أسنانها وتحصينها، بعدما تيقن انها باب النجاة الممكن.
ليس ما تقدم تهوينا من قدرة حزب الله على وعي مصالحه ومصالح اللبنانيين وجمهوره خصوصاً بل ثمة ما يشي بان سياساته السورية تتعارض مع سياسات داخلية تفترض منه التهدئة وعدم التوغل في المهالك السورية. وما يلوي عنق المصالح الداخلية هذه، برنامج آخر تقرره بالكامل السياسة الايرانية ونظام مصالحها، سورياً وعلى مستوى المنطقة. لذا لا يبدو ان ازدياد الشرخ المذهبي واستفحال الفتنة السنية – الشيعية، من البوابة السورية اللبنانية، حدث جلل في نظام المصالح هذا. بل هو يوفر، في خريطة شروخه المذهبية والجغرافية، فرص استمرار جلّ هذه المصالح ان لم يدركها كلها. لكن بالضرورة ثمة طرف آخر يجلس على التلة المقابلة ويرصد ويشرف بدقة على رسم هذه الخريطة من الشروخ من الارض والسماء ولا يبدي قلقا ولا استياء. يكفيه أنّ في الوعي الشيعي صارت “جبهة النصرة” العدو الاول وصار هو الثاني، وفي والوعي السنّي صارت ايران “الشيطان الاكبر” وحزب الله “الشيطان الاصغر”. ولايهم ان كان ثالثا ما دام مصطلح الارهاب بات توصيفا على ألسنة الاخرين يتراشقون به بين ضفتين: سنية وشيعية. فيما يتباهى هو باستحداث مشفى ميداني على اطراف الجولان لاستقبال السوريين المصابين من دون تمييز بين معارض وموال.
الصمت الرسمي اللبناني حيال تورط حزب الله وتوريطه في قتال داخل سورية هو اقرب الى دفعه نحو هذه النار المشتعلة. وهو سلوك ينطوي على درجة من الخبث التي تريد لهذا الحزب ان يغرق في لهيب النار، ولو ادى ذلك الى اغراق جزء من البلد فيها. لكن ما لا يراه هؤلاء ان عدم الاهتمام و”التطنيش” الرسمي يمهدان لفتح جبهة قتال حقيقية ثمة اكثر من طرف اقليمي يريد الاستثمار فيها ويدفع في اتجاهها. وهي لن توفر لبنان من تداعياتها، وان كان الشيعة وقودها في معركة الاسد مع السوريين، كما كانوا في معركة ابيه مع الفلسطينيين. معركة مرشحة لأن يبدو فيها عديد شهدائهم امام العدو الاسرائيلي رقما هامشيا.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد