في الحادي عشر من كانون الثاني/يناير، نجحت مجموعة من المقاتلين الإسلاميين والجهاديين في اقتحام قاعدة تفتناز الجوية في سوريا والسيطرة عليها في إشارة جديدة إلى تسارع وتيرة سقوط نظام الأسد.
وفيما تمثل هذه أخباراً سارة لتحقيق هدف واشنطن الذي سعت إليه منذ سبعة عشر شهراً لإجبار بشار الأسد على “التنحي”، فإن سيطرة مجموعات مناهضة لمصالح الولايات المتحدة على القاعدة الجوية ومخزونها من الأسلحة تأتي على حساب جبهة المعارضة الرئيسية الممثلة في “المجلس العسكري الأعلى”، وهو الذراع العسكري لـ”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” الذي تدعمه الولايات المتحدة. وللتعجيل برحيل الأسد وإضعاف الأثر السياسي والعسكري للإسلاميين، ستحتاج واشنطن وحلفاؤها إلى العمل على زيادة دعمهما لـ”المجلس العسكري الأعلى” وغيره من الجماعات الوطنية الرئيسية في الوقت الذي تعمل فيه على إزالة العوائق أمام المساعدات الإنسانية العاجلة وسط شتاء قارص بصورة غير عادية.
دلالات عسكرية
تمثل تفتناز نجاحاً هاماً للمعارضة وهزيمة واضحة للنظام. لقد نجح الثوار لأنهم تمكنوا من حشد عدد كافٍ من القوات وتنسيق تحركاتهم ودعم تلك القوات بالأسلحة الثقيلة المحمولة بالإضافة إلى تحمل الحصار لشهور تحت ظل الهجمات الجوية للنظام. ويشير ذلك إلى تطور مستوى الأداء — على الأقل بالنسبة للوحدات المشتركة. كما أنه يمثل أيضاً حلقة جديدة في سلسلة الانتصارات المتكررة التي يحرزها الثوار في السيطرة على المواقع المحصنة للنظام في مناطق أخرى من البلاد، بما في ذلك محافظة حلب ودير الزور وريف دمشق.
وقد حقق النصر بعض المكاسب المباشرة الهامة للثوار من بينها:
· نجح الثوار في تدمير أو الاستيلاء على ما بين خمس عشرة إلى عشرين طائرة مروحية تابعة للنظام داخل المطار. وكان معظم تلك المروحيات من طراز Mi-8/17، حيث أن بعضها مجهزاً بمنصات للصواريخ للقيام بدور هجومي. وتمثل تلك الطائرات 20 في المائة تقريباً من المخزون الحربي الفعلي الذي كان يملكه النظام قبل الحرب، من نوع المروحيات التي يعتمد عليها بشكل كبير.
· استطاع الثوار الاستيلاء على المزيد من الأسلحة الثقيلة بالإضافة إلى كميات ضخمة من الذخيرة. ومن شأن تلك المكاسب الخاصة بالمعدات تزامناً مع توفير قوات من الثوار، أن تعزز من قدرة المعارضة على الهجوم على المواقع الأخرى التابعة للنظام في الشمال ومن ثم وقوعها تحت سيطرتها بشكل أسرع. كما أن المعركة سوف تعمل على رفع الروح المعنوية للثوار بقوة وتُظهرهم قادرين على السيطرة حتى على مواقع محصنة رئيسية.
· لم يستطع النظام أن يمنع خسارته للقاعدة الجوية مما يمثل أحد إخفاقات النظام العديدة طوال الأشهر القليلة الماضية. كما لم تُظهر دمشق أية محاولة جادة لإرسال تعزيزات للمهبط الجوي أو فك الحصار عنه. وقد بدا تعداد القوات الدفاعية المشتركة صغير نسبياً كما اعتمدت تلك القوات بصورة كبيرة على الأسلحة الثقيلة والقوة الجوية — كما هي عادة النظام. بالإضافة إلى ذلك، وعلى أقل تقدير ضمت بعض قوات الدفاع جنود غير نظاميين من “اللجان الشعبية” الموالية للأسد، وليس قوات قتالية منتظمة. وحتى أن بعض التقارير قد أشارت إلى أنه قد تم إجلاء الضباط جواً قبل سقوط القاعدة الجوية.
من الذين قاتلوا وماذا يعني ذلك
شاركت ثلاثة فصائل ثورية في تلك المعركة وهي: “جبهة النُصرة” و”الجبهة الإسلامية السورية” و”جبهة التحرير السورية”. وجميع هذه الفصائل الثلاثة هي من خارج بنية “المجلس العسكري الأعلى”، وهو تجمع لقادة من المجالس العسكرية في المحافظات وقادة الكتائب والألوية تَشكل في كانون الأول/ديسمبر. والغرض الرئيسي من إقامة هذا المجلس هو توحيد فصائل “الجيش السوري الحر”، وتشكيل قيادة وسيطرة موحدة فضلاً عن توجيه دعم من قبل “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” إلى الوحدات المسلحة، مع الحفاظ على بقاء الأسلحة بعيداً عن أيدي المتطرفين.
إن “جبهة النُصرة” هي فصيل مستقل لا ينتمي إلى “الجيش السوري الحر”، كما أنها مجموعة جهادية عالمية تتبنى الرؤية الكونية لـ تنظيم «القاعدة». ووفقاً لإعلان كانون الأول/ديسمبر الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية الذي يصنف الجبهة كمنظمة إرهابية، كانت “جبهة النُصرة” قد نشأت كذراع لـ تنظيم «القاعدة في العراق» منذ عام مضى. وقد حظيت بأهمية بالغة على مدار الأشهر القليلة الماضية لكونها أحد أفضل القوات القتالية في البلاد بتنفيذها لأكثر من 600 هجوم ما بين تفجيرات انتحارية واغتيالات وهجمات بالعبوات الناسفة وتوجيه الهجمات نحو نقاط تفتيش النظام والمنشآت العسكرية والأمنية التابعة له فضلاً عن تحركاتها القتالية العادية على ساحة المعركة. وعلى الرغم من قدرة “جبهة النُصرة” على الهجوم في معظم أنحاء سوريا إلا أن معظم عملياتها كانت في حلب وإدلب وإلى حد أقل في دمشق ودير الزور. أما هدف المجموعة النهائي فهو إنشاء دولة إسلامية في بلاد المشرق بأكملها كنقطة بداية لإعادة تأسيس الخلافة.
و “الجبهة الإسلامية السورية” [«الجبهة»] هي تكتل يتكون من 11 “كتيبة” من خارج “الجيش السوري الحر”. إلا أن هذه «الجبهة» التي تشكلت في كانون الأول/ديسمبر الماضي تفتقد إلى تماسك البنية الذي تتصف به “جبهة النُصرة”. ويمكن بصورة أفضل وصف “الجبهة الإسلامية السورية” أيديولوجياً على أنها مجموعة من الجهاديين المتمركزين محلياً الذين ليست لهم أية صلة معروفة بـ تنظيم «القاعدة». وقد شاركت ثلاث كتائب في معركة تفتناز وهي: “كتائب أحرار الشام” (الوحدة الرائدة في “الجبهة الإسلامية السورية”)، و “جماعة الطليعة الإسلامية”، و “حركة الفجر الإسلامية”. وتهدف “الجبهة الإسلامية السورية”، شأنها في ذلك شأن “جبهة النُصرة”، إلى تأسيس دولة إسلامية تقوم على الفهم السلفي للدين، ولكن داخل سوريا فقط. ويشير مقطع الفيديو الذي يُعلن عن تأسيس الجماعة إلى أن تمويلها يأتي من “منظمة قطر الخيرية” و “هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية التركية”، التي تدعم الجماعات التي صنفتها الولايات المتحدة كمنظمات إرهابية مثل «حماس».
أما “جبهة التحرير السورية” فهي مجموعة أخرى من بعض ما يُسمى بالكتائب خارج “الجيش السوري الحر” والتي تأسست في أيلول/سبتمبر الماضي. وكانت [كتيبة] “لواء داوود”، أحد ثماني كتائب ضمن “صقور الشام” — الذي هو لواء رائد في “جبهة التحرير السورية” — أصغر فصيل مشارك في عملية تفتناز. وحيث أن “جبهة التحرير السورية” مشابهة أيديولوجياً في تطلعها لـ “الجبهة الإسلامية السورية”، فهي تأمل بإقامة دولة إسلامية في سوريا؛ ويتكون أعضاؤها من خليط من الإسلاميين على شاكلة «الإخوان المسلمين» والسلفيين، الذين هم أقل تطرفاً من نظرائهم في “الجبهة الإسلامية السورية” و”جبهة النُصرة”. ويُعتقد أن “جبهة التحرير السورية” تتلقى تمويلها من جماعة «الإخوان المسلمين» السورية بالإضافة إلى متبرعين أثرياء من الخليج الفارسي.
ونظراً لبراعتها القتالية الواضحة حظيت تلك القوى الإسلامية بالاحترام والتقدير الكبيرين بين السوريين. فعلى خلاف بعض جماعات “الجيش السوري الحر” التي توجه إليها أصابع الاتهام بشكل متزايد ويجري اتهامها بالفساد في بعض المناطق كحلب، يُنظر إلى “جبهة النُصرة” و”الجبهة الإسلامية السورية” و”جبهة التحرير السورية” على أنها وسيطات أمينات لا تستغل ظروف المظلومين. ومن المرجح أن يكون للإسلاميين دوراً هاماً في شمال سوريا بعد رحيل النظام ما لم يتغير شيء.
الآثار المترتبة على الحرب
بالنسبة للثوار، تُشير السيطرة على القاعدة الجوية إلى أن مواقع النظام الرئيسية في المحافظات ضعيفة ويسهل اختراقها. إلا أنها تُشير أيضاً إلى أن المناطق المحصنة بشكل أفضل — مثل دمشق وضواحيها، حيث تتمركز قوات النظام المدعومة بشكل جيد والكثيفة نسبياً — ستظل تمثل تحدياً خطيراً.
بالإضافة إلى ذلك، تثير المعركة بعض التساؤلات حول استراتيجية النظام في الإبقاء على بعض التواجد العسكري في كل محافظة. فعلى الرغم من أن ذلك النهج يسمح للأسد بالحفاظ على صورة النظام وإبراز أنه لم يفقد بعد السيطرة على أية محافظة، إلا أنه يكلف النظام الكثير من الجنود والمعدات في الوقت الذي يؤدي إلى إمداد الثوار بأسلحة وذخيرة أفضل. أما في الوقت الراهن، فتتعرض العديد من المطارات الأخرى في الشمال إلى الهجوم. وإذا استطاع الثوار التغلب على ما يواجهونه من قيود تنظيمية والسيطرة على تلك القواعد الجوية أيضاً، فسوف يمثل ذلك هزيمة أكبر، بل أعمق استراتيجياً، بالنسبة للنظام.
التوصيات
لا ينبغي إعطاء أي نجاح أو فشل أثناء الحروب أهمية زائدة عن الحد وخاصة فور وقوعه. وعلاوة على ذلك، لا تشير المكاسب المحققة في أحد أجزاء سوريا بالضرورة إلى تطور الأمور في مناطق أخرى في هذا الصراع المعقد والمتشعب. إلا أن السيطرة على تفتناز هي إشارة أخرى جديدة على فقدان النظام السيطرة في معظم أنحاء البلاد.
وفي الوقت ذاته يبدو أن انتصارات جماعات الإسلاميين والجهاديين تأتي على حساب جماعات المعارضة المسلحة الوطنية الرئيسية الممثلة في “المجلس العسكري الأعلى”، وهو الائتلاف الذي يوجد لواشنطن اتصال دائم معه على الرغم من وقفها للدعم المباشر له. فالإسلاميون الآن محنكون عسكرياً كما أنهم أفضل من حيث التسليح فضلاً عن تلقيهم الدعم من السوريين أنفسهم الذين يقاتلون النظام في الوقت الذي يعانون فيه من أقسى شتاء مرَّ على البلاد منذ عشرين عاماً.
ولإضعاف تأثير تلك المكاسب التي يجنيها الإسلاميون بالإضافة إلى التأثير بشكل أفضل على المستقبل السياسي والعسكري لسوريا ما بعد الأسد، على واشنطن أن تحث حلفاءها على تسليح وحدات “المجلس العسكري الأعلى” لتعزيز قدراتهم العسكرية. كما عليها أيضاً توفير المعلومات الاستخباراتية الحيوية والدعم اللوجستي لمساعدة قوات “المجلس العسكري الأعلى” على الإطاحة بالنظام بشكل أسرع وتأسيس مناطق يمكن فيها لأعضاء “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” المدنيين العمل مع المجالس المحلية والثورية لتوفير المساعدات الإنسانية الحيوية والحوكمة المحلية. وأخيراً، على واشنطن التخلص من القيود القانونية والبيروقراطية التي تعطل عملية تقديم المساعدات الأمريكية خارج نطاق القنوات الرسمية، حيث إن معظم الدعم يتم توزيعه حالياً من خلال “منظمة الهلال الاحمر العربي السوري” الواقعة تحت سيطرة النظام والذي يوجه إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام أيضاً.
أندرو جيه. تابلر هو زميل أقدم في معهد واشنطن ومؤلف كتاب “في عرين الأسد: رواية شاهد عيان عن معركة واشنطن مع سوريا”. جيفري وايت هو زميل للشؤون الدفاعية في المعهد وضابط كبير سابق لشؤون الاستخبارات الدفاعية. هارون ي. زيلين هو زميل ريتشارد بورو في المعهد.