بعد أقل من 48 ساعة على قصف منطقة جمرايا السورية االقريبة من الحدود مع لبنان، أطل وزير الدفاع الإسرائيلي إيهودا باراك ليخرق صمت حكومته معلناً وقوف بلاده وراء هذا القصف عبر غارة شنتها الطائرات الإسرائيلية على قافلة كانت تنقل صواريخ “سام 17” إلى “حزب الله” في لبنان.
لغاية هنا، يبدو الخبر عاديّا جداً. فقد تعوّدت الشعوب العربية على سماع مثل اخبار كهذه بين الفترة والاخرى وخصوصاً تلك الغارات التي تستهدف الداخل السوري بدءاً باستهداف الرادارات يوم كان هذا الجيش متمركزاً في البقاع اللبناني مروراً بقصف منطقة المصنع من الجهة السورية خلال حرب تموز 2006، وصولاً إلى ما حصل منذ أيام في جمرايا وإن كانت أقرت سوريا بأن الإستهداف الأخير قد طال مركزاً للبحوث العلمية تابعا لوزارة الدفاع.
لكن المستغرب في الأمر هو ذاكرة النظام السوري التي ما عادت تتسع سوى لأسماء الثوار وملاحقتهم فقط لأنهم نادوا باسترداد كرامتهم وحريتهم، متناسياً الوعود والتهديدات التي يطلقها بعد كل اعتداء يطاله واكتفائه بإطلاق جملته الشهيرة “نحتفظ بحق الرد وبالزمان والمكان” والتي باتت علامة مسجلة دمغت بعبارة (صنعت في سوريا)، ولهذا يصح القول أن قابلية هذا النظام للنسيان لا تحدّها حدود خصوصاً وأنه سلك منذ نشأته طريق التآمر والخذلان وتحديداً في ما يتعلق بٍالقضية العربية التي لا ينفك بين الفينة والأخرى يذكرنا بأنه هو رأس الحربة في الدفاع عنها وعن القضية الفلسطينية ، بينما حقيقته وتاريخه يدلان على عكس ما يدّعيه.
وللتذكير فقط وليس لنكء الجراح، ففي سنة 1967 دخل العرب في حرب مع إسرائيل، وبالرغم من أن سوريا كانت سبب الحرب والداعية إليها، إلا ان وزير الدفاع آنذاك حافظ الاسد وفي عز المعركة أمر جيشه بترك الأسلحة والتراجع عن الجبهة تاركاً للاسرائيليين وراءه ترسانة حربية لا يستهان بها مع عشرات القرى في جبل الشيخ، حتى قيل وقتها أن الترسانة التي تركها الجيش السوري كانت تكفي لصموده اشهر.
ولم يقف الأمر عند هذا الإنسحاب، بل قرر حافظ الاسد في حينه معاقبة الضباط والجنود الذين تأخروا في تنفيذ الانسحاب وأحالهم على المحاكم الميدانية بدل مكافأتهم. كما عمد إلى إذاعة بيان يعلن فيه سقوط القنيطرة قبل سقوطها بـ48 ساعة، طامحاً إلى الجلوس على كرسي يحرس من خلاله الجولان بدل أن يجد نفسه مقتولاً أو منفياّ، وهو القائل “كرسي تحكم من خلاله أهم وأفضل من بلد لا تملك به موطئ قدم”.
ذكّر لعل الذكرة تنفع، فقد تسلم الأسد الأب السلطة بانقلاب على أقرب أصدقائه، فمنهم من أعدم ومنهم من نُفي إلى الخارج لتخلو له الساحة. وكانت أولى الإختبارات الإسرائيلية له تدمير مدينة حماة السورية عن بكرة أبيها على رؤوس أهاليها العزل تحت ذريعة انقلاب “الاخوان المسلمين” على سلطته، لكن في حقيقة الامر كان الهدف إراحة إسرائيل التي فضلت حكم الأسد المتعاون لأقصى الحدود معها على حكم سوريا “الاخوان المسلمين” وهذا هو تحديداً ما يُبقي على بشار الأسد في السلطة لغاية اليوم.
وفي عهد حافظ الأسد لم تطلق رصاصة واحدة باتجاه الجولان المحتل، بحيث كان عذره الدائم: سوريا هي التي تحدد المكان والزمان اللذين تحارب فيهما اسرائيل وهو أيضاً صاحب شعار “أن سوريا لن تنجر إلى حرب ما لم تكن مستعدة لها”. الجبن والتخاذل لم يكونا عنوان مرحلة حكم الاب إنما الابن أيضاً ورث عن والده الصفات هذه، فجيش بشار لم يدخل حتى الآن في أي معركة أو على الأقل مناوشة مع إسرائيل رغم أن الاخيرة انتهكت الأراضي السورية مرات عدة منها قصف الحدود السورية ـ اللبنانية وقصف منطقة البوكمال السورية، وأيضاً قصف رادارات الجيش السوري في البقاع، وقصف موقع الكبر في دير الزور، لكن لطالما جاء الجواب مخيّباً لأمال الأمة.
يد الغدر والخيانة هذه أكملت طريقها في عهد بشار لتمتد وتغتال هذه المرّة الرئيس الشهيد رفيق الحريري الرافض للتمديد لإميل لحود ولإستمرار وجود الجيس السوري في لبنان ليعود ويقتل الرجل الذي صنع منه رئيساً لسوريا وهو غازي كنعان الشاهد على حقيقة اغتيال الحريري، ويمرّ الزمن ومصاص الدماء بحاجة إلى شرب المزيد منه ليكون الهدف التالي قائد مقاومة “حزب الله” عماد مغنية بصفقة مع إسرائيل نفذها اللواء محمد سلمان وآصف شوكت صهر بشار وبأمر من الأخير شخصياً قبل أن يعود ويقتل محمد سلمان أحد المخططين لإغتيال مغنية ويٌقال بأن الأسد قد سمح لـ”حزب الله” بقتل سلمان إنتقاماً لمغنية.
كل الشعوب العربية باتت مقتنعة بأن للنظام السوري جيشاً برسم الايجار وليس للدفاع عن الامة، فهنيئاً لأمة بنظام حاقد يدّعي العروبة في الوقت الذي تنام فيه اسرائيل على كتف جولانه نوماً هانئاً.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني