السعودية، لجين هذلول، رئيسة نادي العرب في جامعة “برتش” بكولومبيا، استطاعت في فترة قصيرة أن تشغل وتثير الجدل في مواقع التواصل الاجتماعی من خلال نشر مقاطع فيديو في الشبكة الاجتماعية “كيك” منتقدة عادات وتقاليد المجتمع السعودي. ومن أكثر آرائها التي أثارت الجدل هو موضوع خلع الحجاب واعتقادها أنه ليس فرضا أو ركنا من أركان الاسلام. وقد قامت هذلول بنشر مقاطع فيديو تقرأ فيها القرآن بترتيل وتنصح الشباب والفتيات السعوديين. (موقع “النادي”)
لا يزال حجاب المرأة يُعتبر على رأس أولويات الفقه الديني، تحوّل خلالها إلى واقع اجتماعي، حيث استطاع أن يُواجه تغيرات الحياة وتطورها، ويساير مختلف التحديّات الساعية إلى تفنيد شروطه غير الحداثية. فعلى الرغم من المساعي الفكرية والدينية والاجتماعية وحتى السياسية، لجعله من التاريخ واعتباره حاجة خاصة تعلقت بنساء خاصين وبأنه لا يتوافق مع دعوات تحرر المرأة ولا باحترام إرادة الإنسان وفرديته الحقوقية، إلا أنه لا يزال قادرا على الصمود بوجه مختلف تلك المساعي.
ومثلما الحجاب قادر على الصمود، فإن مساعي نزعه لا تزال مستمرة أيضا وقادرة على تحدي مزاعم الفقه الديني. وتجربة لجين هذلول لن تكون الأخيرة في هذا الإطار وستلحقها تجارب أخرى كثيرة. وخلع الحجاب هو شأن لا يقبله الفقه ويعتبره سلوكا منافيا للشرع والأخلاق ومحرضا على الفسق والفجور. في حين أن خلع لجين للحجاب هو في حد ذاته تحد لمزاعم هذا التحريض ونفي لاعتباره منافيا للأخلاق. فهل كل مجتمع غير ملتزم بالحجاب هو في المحصلة مجتمع فاسد؟ وهل توجد مجتمعات فاسدة أخلاقيا رغم أن غالبية نسائها محجبات؟
لو تمعنا في الجرائم التي تؤدي إلى فساد المجتمعات أخلاقيا، سنجد بأن جميعها لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بلبس أو عدم لبس المرأة للحجاب. فجميع الذين يدّعون أن ترك الحجاب هو أحد أسباب الفساد، فشلوا في طرح أمثلة تثبت مزاعمهم. فمفهوم الفساد نسبي، ويختلف تفسيره من مجتمع إلى آخر ومن زمن إلى زمن. إلا أن جميع المتغيرات النسبية لم تكن سببا في ربط الفساد بترك الحجاب، وإنما الفساد الأخلاقي له أسبابه المتعلقة بعوامل مختلفة ومتباينة يأتي على رأسها الاستبداد السياسي والفساد الاقتصادي والظلم الاجتماعي. ففي المجتمعات العربية والإسلامية، ومنها في المجتمع الكويتي، لا أدلة أو أرقاما تثبت أن “فرض” الحجاب على الشغّالات القادمات للعمل في المنازل ساهم في التقليل من الفساد الاجتماعي والأخلاقي، بل سوء معاملة الأسر للشغالات يبدو، حسب تقارير المنظمات الدولية، هو السبب الرئيسي لانفلات عقال الهدوء الاجتماعي المسبب في مرحلة لاحقة إلى الهروب من المنزل والتعدي على قانون البلاد، من أجل التخلص من ظلم المخدوم وصولا في بعض الأحيان إلى التسفير من البلاد وفي معظم الأحيان إلى حالة من اللامبالاة بل والفساد للحصول على القوت اليومي.
من جانب آخر، فإن “فرض” الحجاب كان ولا يزال من الظواهر السلبية المناهضة للحريات الأساسية. وقد طرق ذلك باب مجتمعات، ومنها المجتمع الإيراني الذي “فرض” على نسائه لبس الحجاب استنادا إلى نظامه السياسي الديني ودستوره القائم على الفقه الشيعي. يقول المسؤولون الإيرانيون إن أي امرأة تضع على رأسها قطعة قماش صغيرة لا تغطي كامل شعرها، أو أن بنطالها قصير بحيث يظهر جزءا من رجليها، وأن لباسها الإسلامي (المانتو) قصير أيضا، فإنها تعتبر من النساء المنحرفات ومن المريضات نفسيا وفاقدات الهوية الدينية. هل مواصفات اللباس هذه لها علاقة بالفساد الاجتماعي والأخلاقي؟
تقول الباحثة الإيرانية فريبا داودي مهاجر، في إشارة إلى ضرورة وضع الأصبع على جرح الفساد، وهو جرح لا صلة له بلبس الحجاب أو بنزعه: “إذا كان نوع لباس المرأة وحجابها يساهمان في تأمين الوضع الداخلي والأمني للمجتمع (حسبما يقول المسؤولون الإيرانيون وفقهاء الدولة)، فلماذا في مدينة قم المقدسة، والتي يعكس مظهرها الخارجي اللباس الإسلامي المتشدد والشادور الأسود وما يسمى بالحجاب الأمثل، يتم العثور على شبكات تهريب الفساد ونشر الخلاعة؟ ألا يدل ذلك على أنه يجب الإشارة إلى عوامل أخرى لا إلى الحجاب لبيان أسباب الفساد الاجتماعي والأخلاقي؟”. إن مثال مدينة قم يثبت بما لا يدع مجالا للشك وجود مجتمعات فاسدة أخلاقيا رغم أن غالبية نسائها محجبات.
إذاً، وعلى الرغم من أن الحجاب لا صلة له بازدياد أو بنقصان الفساد في المجتمعات، لماذا لا يزال صامدا أمام دعوات خلعه، ومدافعا عن الادعاءات القائلة بأنه أحد أصول مقارعة الفساد؟.. تبدو كلمتا الخوف والهوية الدينية، إجابة مختصرة على السؤال. فكلما استطاع الفقهاء، المسيطرون على الشأن الديني والأخلاقي في المجتمع، أن يوهموا الناس بأن مفتاح الأخلاق ودخول الجنة والنار، أو مفتاح الخوف من عذاب الله، بأيديهم، وأن “فرض” الحجاب هو أحد المسائل المتعلقة بهذا المفتاح، كلما ازداد هذا الصمود. ويبدو أن الهوية الدينية، التي استطاع الفقهاء أن يؤمّنوا لها موقع قدم في الحياة الحديثة، جعلت من الحجاب أحد انعكاساتها الرئيسية غير القابلة للتفاوض من أجل ضمان الحصول على موقع آمن في الحياة الدنيا وكذلك في الآخرة.
لكن، لا ضير إن كان أمر الحجاب متعلقا بحرية الاختيار المنطلقة من الواقعية الحداثية الاجتماعية، غير أن تلك الحرية مزيّفة وتنتفي أمام الخوف المندمج بالهوية. لقد كانت الكلمتان، وتوابعهما الفقهية الوصائية، سببا في خلق واقع سياسي واجتماعي قوي في المجتمعات المسلمة، لكنه واقع بعيد في كثير من صوره عن الأطر الحداثية. فتم استغلال مفردة حرية الاختيار من أجل فرض مزيد من الوصاية على الإنسان، وتم دعم ذلك الاستغلال بمفردات متناقضة معها متمثلة بـ”الفرض الديني” و”الهوية” و”الخوف”. إن مبنى هذه المفردات يبدو ضعيفا وغير قادر على الصمود في المجتمعات الحديثة، لذلك آثر أن يستغل مفهوم حرية الاختيار في المجتمعات المسلمة لكي يستطيع أن يثبّت أقدام المفردات بصورة ملتوية، وأن يواجه مبنى مفردات مثل الحرية الفردية والذات الإنسانية واحترام حقوق الإنسان. ويبدو أن حسم المسألة يتعلق بالمواجهة بين الفريقين، بين فريق المفردات المتبناة من قبل الفقه التاريخي الوصائي الذي يستغل مفاهيم الحداثة لكي يزيد من سيطرته غير الحداثية على الواقع، وبين مفردات الحداثة الداعية إلى تغيّر الإنسان لجعله حديثا. ولعل خلع لجين لحجابها مردّه كشف زيف حرية الاختيار ووضع علامات استفهام عديدة أمام الواقعية غير الحداثية لمفردة الخوف والهوية الدينية، وذلك في زمن الهوية الحديثة.
كاتب كويتي
Fakher_alsultan@hotmail.com
الحجاب مجددا..
ان من يرى في الحجاب صونا لطهارة المرأة فانه لا يرى فيها الا جسدا كله عورات ومن يدعو المرأة الى التعري فانه في المقابل لا يرى فيها الا جسدا . يا سادة المرأة انسان كامل الانسانية فلا تدثروها بذريعة الدين ولا تعروها بذريعة الحرية . ثقفوها وغ=علموها واعطوها الحرية فتكون عنها بشرا سويا ومسؤولا . ولقد قال الشاعر الفرنسي Moliere
Une femme d”esprit peut trahir son devoir mais il faud du moins qu”elle ose le vouloir mais la stupide au sien peut manquer d”ordinaire sans en avoir l”envie et sans penser le faire
شوية وعي يا قوم…