خاص بـ”الشفّاف”
يوماً بعد يوم يُثبت للجميع أنه رغم ابتعاد الرئيس سعد الحريري القسري عن لبنان، إلا انه ما زال يُشكل رقماً صعباً في المعادلة السياسية لا يمكن تجاوزه لا بقرار خارجي ولا بإنقلاب أسود داخلي. فالإرث السياسي الصعب الذي حمله بعد استشهاد والده لا يُمكن أن يُختزل على يد قلّة من صانعي المناصب المزيّفة التي دُمغ على أرجل كراسيها عبارة: صُنع في سورية ما قبل الثورة.
لا يوفر الحريري فرصة إلا ويحاول استغلالها من أجل ترميم ما أفسدته يد السياسات الإنقلابية منذ إمساك “حزب الله” بزمام السلطة ولتحييد لبنان عن الأزمات التي تدور من حوله خصوصاً تلك التي تجري اليوم في الداخل السوري والتي يمكن لشرارتها أن تمتد إلى الداخل اللبناني في حال بقيت الامور على حالها. وإنطلاقاً من مبدأه هذا، يسعى الحريري إلى عقد لقاءات مكثفة مع سياسيين عقلاء هدفها إخراج البلد من الشرنقة التي وضع فيها والتي يُمكن لها أن تخنق اللبنانيين بقوانين إنتخابية يتم تفصيلها على حجم قياسات بعض الزعامات للسيطرة على مقدرات الوطن بشكل يُبقي لهم إستمرار تربّعهم على عروشهم المذهبية والطائفية.
المخاطر المحدقة بلبنان والمخططات التي تُحيكها وتنسجها قوى “8 آذار” بدعم إيراني – سوري، كانت الحافز الاكبر لتسارع القيادات السياسية الإستقلالية للعمل على عدم ترك الأمور تذهب بهذا الإتجاه وللوقوف بوجه النوايا التي سعى أصحابها لفرز اللبنانيين إلى قبائل وزرع بذور الفرقة بينهم من خلال كانتونات بدأت ملامح تقسيماتها تظهر منذ الان. ومن هنا جاءت أهمية اللقاءات التي عُقدت في باريس بين الرئيس الحريري والرئيس أمين الجميل وبعض الشخصيات في قوى “14 آذار” والتي خُتمت بلقاء بين الحريري وبين رئيس “جبهة النضال الوطني” النائب وليد جنبلاط وذلك خلال 5 أشهر تقريباً والذي يبدو انه أقلق مضجع المحور السوري الإيراني وأزعجه.
اللقاء بين الحريري وجنبلاط مهم وبالغ الأهمية كونه يأتي في وقت حرج تمر فيه المنطقة بأصعب الظروف. وهو يُكرس سياسة اليد الممدودة التي اعتمدها الأول منذ ترأسه الحكومة السابقة. ومن جهة أخرى جاء اللقاء ليؤكد أن الخلافات في وجهات النظر وفي تطبيق الأمور على أرض الواقع لا تفسد للود القضية وخصوصاً لجهة علاقة الحريري بحزبي “القوات اللبنانية” و”الكتائب” المبنية أصلاً على الصدق والتفاهم مهما تباينت وجهات النظر، وأن المنزلين الحريريّ والجنبلاطيّ ما زالا على الخط نفسه الذي سار عليه الأباء من قبلهما رغم تقلّبات العلاقات التي تخضع في معظمها لمزاجية جنبلاط والتي يستوعبها الحريري بابتسامة معهودة في كل مرّة يلتقي بها الرجلان.
العلاقة ليست وليدة اليوم وهي بالطبع ليست الاولى ولن تكون الاخيرة، هذا ما أكدته أوساط في “الحزب التقدمي الإشتراكي” لـ”الشفّاف”، وقالت: “إن اللقاءات مع الزعامات السياسية هو أمر أكثر من ضروي، فكيف بالامر مع زعيم سياسي بحجم الحريري الذي هو شريك أساسي في المعادلة السياسية والذي يمثل الإعتدال السُني في وطن كثرة فيه الأصوليات، إضافة إلى نظرة كل منا لما يجري في سوريا ووقوفنا إلى جانب الثورة التي يخوضها الشعب هناك”، مشددة على ان “الإختلاف في وجهات النظر بيننا وبين “المستقبل” أو القوى المسيحية في “14 آذار”، لا يمنعنا من التواصل والتفكير في مصلحة البلد حتى ولو أدى هذا الامر إلى إزعاج “الممانعين”.
ونفت الأوساط أن يكون هناك أي سعي لعقد لقاء بين جنبلاط والأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، فرغم اللقاءات التي تُعقد بيننا من حين إلى آخر، إلا أن هناك إختلافاً جذرياً في النظرة إلى ما يجري في سوريا. فنحن قررنا الوقوف إلى جانب الشعب في محنته، وهم قرروا مساندة النظام القمعي والوحشي”، مؤكدة على “ضرورة مساندة الثورة السورية بجميع الوسائل. فالتاريخ لن يرحم كل من تخاذل بحق هذه الثورة وعمل على قمعها. فبعد عقود من القتل والتنكيل بحق الشعبين السوري واللبناني، ها نحن نعيش اليوم مرحلة سقوط المنظومة الأمنية التي بناها حافظ الأسد وهذا أمر لم نكن نتوقع حصوله أو مجرد الحلم به”.
وختمت بالقول: ” رغم النظريات السخيفة التي تطل علينا من فترة إلى اخرى والتي تتحدث عن تحييد لبنان أو النأي به عما يجري في سوريا، إلا أننا نشاهد بأم أعيننا التدخل العلني لبعض القوى اللبنانية وخصوصاً تلك التي تمتلك السلاح بكثرة ووفرة وإلا ماذا نُسمي القتلى الذين يُشيّعون تحت جنح الظلام”.