في محاولة منه لإمتصاص غضب الشارع وإحتجاجاته وحزنه وشعوره بالخزي والعار من حادثة تعرض فتاة هندية جامعية ذات 23 ربيعا لإغتصاب جماعي على أيدي ستة رجال في حافلة من حافلات النقل العام في العاصمة نيودلهي في منتصف ديسمبر الماضي، ثم موت الفتاة لاحقا في مشفاها في سنغافورة التي نــُقلت إليه للعلاج، ناهيك عن حادثة أخرى وقعت بالتزامن في ولاية بيهار في أقصى شمال شرق الهند وكانت ضحيتها فتاة لم تتجاوز العاشرة من عمرها، إغتصبت وقتلت وألقي بجثتها في قناة مائية على أيدي عصابة محلية.
وكعمل إستباقي للتداعيات السلبية لهاتين الحادثين على حظوظه في الانتخابات التشريعية الجديدة المقرر إجراؤها في وقت لاحق من العام الجاري وسط منافسة شرسة من حزب المعارضة الرئيسي “بهاراتيا جاناتا”، يسعى حزب المؤتمر الهندي الحاكم في نيودلهي، وبدعم وإصرار من زعيمته السيدة “سونيا غاندي”، إلى نيل موافقة البرلمان على مشروع قانون جديد يتضمن عقوبات مشددة على مرتكبي جرائم إغتصاب النساء تصل إلى السجن مدة 30 عاما، بل قد تتعدى ذلك في بعض الحالات إلى تعريض الجاني لعقوبة الإخصاء الكيميائي. كما يتضمن المشروع إنشاء محاكم خاصة للنظر في مثل هذه القضايا على وجه السرعة وفي مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ وقوع الجريمة. والمعروف أن غاندي كانت أول من ندد بحادثة نيودلهي، وتعهدت بتطوير وسائل تعقب مرتكبي حوادث الاغتصاب، بل وقالت في رسالة بعثت بها إلى رئيسة الحكومة المحليـــة “شيلا ديكشيت”، “أننا يجب أن نشعر بالخزي والعار لما يحدث لبناتنا وأخواتنا وأمهاتنا على أيدي ذوي النفوس المريضة، ونحن لا نفعل شيئا لحمايتهن”.
وإذا ما نجح الحزب الحاكم في تمرير هذا القانون بفضل ما يمتلكه مع حلفائه من أصوات برلمانية، فإنه سيشرع بذلك قانونا لطالما نادت به منظمات المجتمع المدني ونشطاء حقوق المرأة في هذا البلد الديمقراطي الكبير الذي عانت نساؤه كثيرا من جرائم الاغتصاب، وعانين أيضا من تباطؤ سير قضاياهن في المحاكم، وتأخر نطق الأحكام فيها إلى مدد قد تصل إلى ما بين 10-15 عاما. ومن هنا فإن الجزئية الخاصة في مشروع القانون المقترح بإنشاء محاكم خاصة عاجلة تبدو مهمة للغاية ومطلبا رئيسيا. كما أن نجاحه في هذا المسعى قد يخفف عنه بعض الإنتقادات التي طالته بسبب استخدام عدد من رموزه لحصانتهم البرلمانية في ارتكاب جرائم الاغتصاب والتحرش الجنسي، ناهيك عما سببه النائب البرلماني المنتمي إليه “شانتارام نايك” من لغط حينما قال أن إدعاء إحداهن بتعرضها للإغتصاب على يد رجل تواعدت معه بإختيارها وإختلت به برضاها يجب ألا يعتد به ولا ينظر فيه كقضية.
والحقيقة أن تعرض النساء في الهند للإغتصاب مشكلة قديمة قدم تقسيم شبه القارة الهندية. حيث تقول المصادر والوثائق التاريخية الخاصة بتلك الفترة أن نحو مائة ألف إمراة تعرضن للإختطاف والإغتصاب أثناء حركة الهجرة التي صاحبت نشؤ الكيانين الهندي والباكستاني. كما أنها توصف بالمعضلة الوطنية الكبيرة التي لم تنفع معها كل الحلول والاجراءات المتخذة بدليل أن حوادثها (بما في تلك إغتصاب الزوج لزوجته الذي لا يراه المشرع الهندي عملا من أعمال إنتهاك آدمية النساء، على خلاف بعض الدول الأخرى) تضاعفت مرتين خلال العقود الثلاثة الأخيرة طبقا لبعض الإحصائيات. ويعزي المراقبون ذلك إلى عوامل كثيرة منها ضعف إنتشار دوريات الأمن في أرجاء البلاد الشاسعة، وخلو الشوارع والحافلات العامة من كاميرات المراقبة أو حتى الإضاءة الجيدة، والعقوبات المتساهلة ضد مرتكبي تلك الجرائم معطوفة على طول إجراءات التقاضي في المحاكم والتي يجعل الجاني غير مكترث بما يترتب على جريمته، خصوصا مع علمه أن رشوة بسيطة لبعض المسئولين من شأنها تأجيل قضيته إلى آجال غير معلومة. وهناك عامل مستجد يتمثل في كسر الفتيات للعادات الهندية المحافظة عبر تغربهن لباسا وسلوكا وترفيها في العقود الأخيرة التي شهدت إندماجا أكبر للمجتمع الهندي مع ظواهر العولمة، الأمر الذي يعده البعض بمثابة عامل إغراء للرجل لإرتكاب حماقة الإعتداء أو التحرش الجنسي. أما في ما يتعلق بإغتصاب الزوج لزوجته، فإنه جزء من الثقافة الشرقية للرجل الهندي الذي يرى زوجته ملكا له يفعل بها ما يريد ووقتما يريد.
وعلى الرغم من أن معظم المدن والولايات الهندية تشهد حوادث الإغتصاب والتحرش الجنسي، إلا أن العاصمة نيودلهي بزت كل الأماكن الأخرى في البلاد في هذا المجال حتى صارت تسمى بعاصمة الإغتصاب في الهند. حيث شهدت وحدها 550 حادثـة في عام 2012 ، الأمر الذي طالبت معها جمعيات ومنظمات نسوية كثيرة بتشريع الإعدام شنقا بحق المغتصب كأقل عقوبة، وهو المطلب الذي تبنته قوى المعارضة أيضا في محاولة للمزايدة على إجراءات ومشاريع حزب المؤتمر الحاكم.
وإذا ما استثنينا حادثتي الإغتصاب الأخيرتين، وعشرات الحوادث المشابهة التي كانت ولاية جامو وكشمير مسرحا لها، وكان مرتكبيها إما من قوات الأمن الناقمة على نساء هذه الولاية من المسلمات بسبب تمردهن على السلطة المركزية، وإما من رجال الميليشيات الجهادية الكشميرية الراغبين في بعث الرعب في قلوب نساء الولاية من الهندوسيات من أجل تطهير كشمير منهن وإجبارهن مع أسرهن على الرحيل، إضافة إلى حوادث أخرى وقعت في ولايات “أندرابراديش” و “مهاراشترا” وآسام، وكانت ضحاياها على الدوام نساء وفتيات فقيرات مهاجرات من المناطق النائية أو منتميات إلى طبقة المنبوذين، فإن هناك حوادث إغتصاب شهيرة أخرى أحدثت ضجة على المستويين المحلي والعالمي، مسببة إحراجا شديدا للسلطات الهندية، بل وندبا في علاقات الهند مع دول أجنبية صديقة. من هذه الحوادث الأخيرة على سبيل المثال: حادثة إغتصاب فتاة مراهقة إنجليزية في فبراير من عام 2008، وإغتصاب سيدة روسية عاملة في الهند على يد سياسي من منتجع غوا السياحي في ديسمبر من عام 2009 في أعقاب عشاء رومانسي جمعهما.
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
elmadani@batelco.com.bh