بيروت – من ريتا فرج (نقلاً عن “الرأي” الكويتية)
رأى المفكر السوري صادق جلال العظم أن «الائتلاف الوطني السوري اكتسب الشرعية الداخلية وأمامه الآن مهمة الاعتراف الدولي»، مشيرا الى أن «انتخاب أحمد معاذ الخطيب رئيساً للائتلاف، ردّ على الذين يقولون ان الثورة السورية وقعت تحت سيطرة الإسلاميين».
وإذ شدد صاحب «ذهنية التحريم» على «أهمية أن تكون شخصية مسيحية على رأس المجلس الوطني»، شدد على أن «هذه المسألة خطوة هائلة الى الأمام لتعزيز احتمالات الدولة المدنية في سورية الجديدة».
ونقد ما طرحه أدونيس في شأن سيطرة الإسلاميين على المجلس الوطني، قائلاً: «لا يحق لأدونيس نقد الإسلاميين لا في المجلس الوطني السوري ولا خارجه»، متسائلاً: «لماذا لم ينقد في شكل جريء سيطرة آيات الله على مفاصل الحكم في إيران؟».
وأشار العظم الذي انتخب ممثلاً لاتحادات الكتّاب في الائتلاف الوطني السوري، الى أن «السياسة الروسية تجاه الثورة ستؤدي الى قطيعة مع سورية الجديدة»، لافتاً الى أن «مؤتمر الحوار الوطني السوري» الذي عقدته طهران «كان سخيفاً وباهتاً لدرجة أنه لم يتمكن من حمل أي رسالة لأحد».
واستبعد سيناريو التقسيم في سورية، مبيناً «احتمال نشوء مناطق عاصية متواصلة جغرافياً»، ومشدداً على أن «الدعوات التي أطلقتها كتائب اسلامية في حلب لإنشاء دولة إسلامية هي ظاهرة عابرة».
«الراي» اتصلت بالمفكر السوري صادق جلال العظم، وأجرت معه الحوار الآتي:
• الى ماذا سيفضي الائتلاف الوطني بعد الجهود التي بُذلت لتوحيد صفوف المعارضة؟ وما أهم الخطوات التي من الضروري أن يقوم بها؟
– اكتسب «الائتلاف الوطني السوري» الشرعية الداخلية بعد التسمية التي أطلقت على الجمعة التي تلت الإعلان عن توحيد المعارضة، ومعروف أن تسمية جُمع الثورة السورية لا تحدث في شكل تعسفي أو فردي وإنما عبر عملية التصويت. المهم أن الائتلاف حظِي بالشرعية الداخلية وأمامه الآن مهمة الاعتراف الدولي، وهذا يعني اعترافاً بالثورة عربياً ودولياً وما يترتب عليه من مساعدات متنوعة تبدأ بالمساعدات الإنسانية وربما تنتهي بالتسليح. أمام الائتلاف مهمات كثيرة بينها تنظيم فصائل الجيش السوري الحر، وضمّ مجموعات جديدة من المعارضة السورية إليه ليصبح أكثر تماسكاً، وأمامه ايضاً تشكيل حكومة انتقالية وليس حكومة منفى تنتهي صلاحياتها بعد انتصار الثورة وإسقاط النظام، خصوصاً وأن هناك أراضي محررة من سيطرة النظام ليس فيها عسكر أو مخابرات أو أتباع لحزب «البعث»، وأصبحت بالتالي محرَّرة في شكل كامل. علماً ان الائتلاف يعمل على تشكيل هيئات تنفيذية في المناطق المحررة وإدارتها تحديداً على المستوى الإغاثي.
• كيف تقارب انتخاب إمام المسجد الأموي في دمشق أحمد معاذ الخطيب رئيساً للائتلاف، وخصوصاً أنه شخصية سنّية دينية معتدلة؟
– بما أن النظام له رجال دين وشيوخ فلماذا لا يكون للثورة السورية رجل دين ليس خاضعاً لأحد وهو مع الثورة؟ أحمد معاذ الخطيب في المعنى الدقيق ذو خلفية علمية، وهو مهندس جمع بين العلوم الشرعية والعلوم الوضعية، ولديه موهبة في الخطابة وهو شخصية دينية معتدلة. وفي رأيي أن انتخاب الخطيب ردّ على الذين يقولون ان الثورة السورية وقعت تحت سيطرة الإسلاميين المتشددين، وانتخابه مؤشر الى أن الأكثرية ستكون الحاضنة للأقليات وليس كما يقول البعض إن الثورة بمثابة إعلان حرب على الأقليات. وبهذا المعنى، فإن وجود الخطيب على رأس الائتلاف السوري يبعث برسالة حماية لجميع المكونات الدينية والاثنية. وأعتقد أن المعارضة السورية استطاعت تحقيق الكثير من التوازنات، ويجب أن لا ننسى أن نائب رئيس الائتلاف شخصية كردية وأن جورج صبرا هو رئيس المجلس الوطني السوري، وهذا يدل على التنوع الموجود في المجتمع السوري دينياً وإثنياً.
• ما أهمية تعيين منذر ماخوس كـ «علوي» سفيراً للائتلاف الوطني في فرنسا؟ وهل ثمة رسالة يريد الائتلاف إيصالها الى الرأي العام الدولي عبر اختيار ماخوس؟
– ان تعيين منذر ماخوس سفيراً للائتلاف في فرنسا مؤشر إيجابي بالنسبة الى الاتحاد الأوروبي الذي يؤكد دائماً ضرورة حماية الأقليات في سورية. ولا شك في أن انتخاب رئيس للمجلس الوطني من المسيحيين وتعيين شخصية علوية كأول سفير للائتلاف يؤكدان أن الأقليات في سورية المستقبل ليست معرضة للاضطهاد، بل ستكون جزءاً أساسياً من هذا المستقبل.
• ينقد الكثيرون بينهم أدونيس سيطرة الإسلاميين على المجلس الوطني السوري، وقد أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة للأمانة العامة صحة هذه المسألة، ما رأيكم في ذلك؟ وكيف تقارب خطاب الاسلاميين في المجلس؟
– لا يحق لأدونيس نقد الإسلاميين لا في المجلس الوطني السوري ولا خارجه. في السابق وضع قصيدة يمدح فيها الإمام الخميني كما دافع في كتاباته عن الثورة الإيرانية، ولم ينقد في شكل جريء سيطرة آيات الله على مفاصل الحكم في إيران. وهذا يعني أنه لم يكن موضوعياً في نقده لتجارب الإسلاميين، فهو من جهة يتحدث عن سيطرة الاسلاميين على المجلس الوطني وعن دور الإخوان المسلمين في المجلس ومن جهة أخرى لم يقدّم وجهة نظر نقدية تجاه الحكم الديني في ايران.
وفي ما يتعلق بالسؤال عن خطاب الإسلاميين في المجلس، فأنا أقاربه بشيء من الحذر على أمل أن تتعلم جماعة «الاخوان» في سورية من تجربة الإسلام السياسي التركي. وكما يعرف الجميع تأسس المجلس الوطني في اسطنبول، ومن المهم أن يأخذ إسلاميو سورية ويتعلموا من تجارب حزب الحرية والعدالة.
• انتُخب جورج صبرا رئيساً للمجلس الوطني السوري، وهذه الخطوة رأى البعض أنها أتت كردّ على الاتهامات التي وجهت الى المجلس في شأن سيطرة الاسلاميين. ما رأيكم؟
– إذا كانت سيطرة الإسلاميين على المجلس أصبحت تؤدي الى انتخاب رئيس للمجلس غير مسلم وغير سنّي فأعتبر هذه المسألة خطوة هائلة الى الأمام لتعزيز احتمالات الدولة المدنية في سورية الجديدة.
• هل تتوقع الاعتراف بـ «الائتلاف الوطني» على المستوى الدولي كممثل شرعي وحيد للشعب السوري بعد الخطوة التي اتخذتها فرنسا؟ وماذا يترتب على هذا الاعتراف؟
– أتوقع ذلك لكن الاعتراف الدولي بالائتلاف الوطني السوري كممثل شرعي وحيد يرتبط بشروط لا سيما على مستوى الإنجازات على الأرض، وفي كل المجالات، من المجال الإغاثي والاداري وصولاً الى إنشاء الأطر اللازمة والمؤسسات الضرورية لاستلام النظام في سورية بعد انتصار الثورة، أي تجهيز كل المسلتزمات لملء الفراغ عند السقوط.
• عقدت طهران مؤتمراً لبعض تيارات المعارضة السورية في الداخل. ما الرسالة التي تريد القيادة الإيرانية في رأيك إيصالها وسط الصراع الدولي والاقليمي على سورية؟
– ليس لإيران أي رسالة تريد إيصالها عبر المؤتمر الذي عقدته. هذا المؤتمر كان سخيفاً وباهتاً لدرجة أنه لم يتمكن من حمل أي رسالة لأحد، لا لسورية ولا للعرب ولا للمجتمع الدولي، باستثناء أن إيران ما زالت لاعباً موجوداً في الساحة الاقليمية. وفي رأيي أن إصرار إيران على هذه الخطوة دليل على تراجع دورها وربما تشعر الآن بأن المعركة إلى انتهاء لغير صالحها، وهذا المؤتمر دليل تراجع وليس دليلاً على التقدم.
• يتم الحديث عن سيناريوهات مختلفة يمكن أن تنتجها الثورة السورية إذا لم يتم وضع حلول للصراع العسكري ومن بينها التقسيم. هل يمكن أن تتجه سورية الى هذا السيناريو؟
– خلال الحرب اللبنانية وبعد الغزو الأميركي للعراق كان هناك الكثير من الكلام عن التقسيم، ولم يحدث شيء. صحيح أن هناك انشقاقات سياسية داخلية في النموذجين اللبناني والعراقي، لكن التقسيم لم يقع وفقاً لمنطق سايكس- بيكو. وحتى لو أن النظام السوري حاول جرّ البلاد الى التقسيم فلن ينجح في ذلك، ويمكن أن تنشأ بعض الكتل التي تحمل السلاح لحماية نفسها، وهذا السيناريو قد ينطبق على الدروز والمسيحيين والعلويين، أي ايجاد مناطق عاصية لكن هذا الاحتمال لو حصل لن يؤدي الى التقسيم ويمكن تجاوزه لاحقاً. وفي سبيل تفصيل الكلام في ما أقصده بـ «المناطق العاصية»، أعني بذلك ايجاد كتل متواصلة جغرافياً تسعى الى تسليح نفسها بخاصة وأن النظام الآن يركز كل عملياته ويعزز مركز دفاعاته في العاصمة دمشق كأنها خندقه الأخير، بعدما خسر السيطرة على جزء لا بأس به من المناطق السورية الأخرى. لا تريد الدول الكبرى التقسيم وعندما أتوا الى العراق فضّلوا التعامل مع ايران بدل التعامل مع دويلات.
• أعلنت مجموعة من الكتائب الإسلامية في منطقة حلب رفضها للائتلاف الوطني وطالبت بإنشاء دولة إسلامية. هل تتخوّف من أسْلمة الثورة السورية؟
– في كل بلدان العالم الإسلامي هناك دعوات لإنشاء نظام إسلامي، وسورية اليوم تمرّ بانتفاضة شعبية مسلحة، ومن الطبيعي أن تظهر تيارات دينية هنا وهناك. أما السؤال عن وجود مخاوف من أسلمة الثورة، فأتفهم هذه المخاوف، وأعتقد أن المرحلة الراهنة أدت الى اشتداد مثل هذه الدعوات التي طفت على السطح. ولكن في بلد مثل سورية له تاريخ من التنوع الديني والإثني، ستبقى هذه الظاهرة عابرة. المجتمع السوري نفسه رفض دعوة الكتائب الإسلامية لإنشاء دولة إسلامية وقام بتظاهرات للتعبير عن رأيه، وتالياً لا أعطي لهذه الظاهرة الكثير من التأثير.
• الى ماذا سيفضي ما يوصف من البعض بأنه «عناد» روسي في دعم النظام السوري؟
– العناد الروسي نوع من الاستعلاء والمكابرة على الواقع المحسوس، وقد خبرنا هذا النوع من الاستعلاء في المراحل الأخيرة من حياة الاتحاد السوفياتي. وفي رأيي أن السياسة الروسية تجاه الثورة السورية ستؤدي الى نوع من القطيعة مع سورية الجديدة، كما أنها ستولد كرهاً من الشعب السوري للقيادة الروسية وسيكون لها تأثيرات على التسليح والتجارة.