ضرب مفتي الديار الليبية الشيخ الصادق الغرياني مثلا عن لماذا يجب أن تقمع حرية الرأي في ليبيا بقوله في (بيان بشأن قانون دار الإفتاء):
(فمثلا لو حكم القاضي في دعوى بوقوع طلاق أو ملك عقار، هل يجوز لأحد أن يتناول هذا الحكم في الإعلام باسم حرية الرأي، ويبدي فيه وجهة نظره المخالفة حتى لو كان لها وجه من الصواب، لو فعلنا ذلك لسقطت هيبة القضاء واستخف به الناس ولم تقم له قائمة، ولاستوى حكم القاضي بكلام رجل الشارع).
وهنا نلاحظ أن الشيخ الجليل يعارض قيام الناس بنقد حكم أصدره القضاء حتى لو كان ذلك النقد هو الصائب وحكم القضاء هو الخأطي، وتفسيرة لذلك هو من أجل المحافظة على هيبة القضاء.
وكان أستشهاده بذلك المثل كشرح لما جاء في (قانون دار الإفتاء)، عن وجوب عدم التعرض للفتوى الصادرة من دار الإفتاء في الإعلام، أو كما يقول في بيانه:
(أما عن الحرية فقد اتفق العقلاء على أنه ليس هناك حرية مطلقة دون قيد إلا للدواب، فهي وحدها التي ترفس كما تشاء، بل حتى الدواب تُلجم وتمنع إذا كان لها سائس يسوسها، ومنعها حينئذ هو إصلاح لها وسياسة، لا تَعَدٍّ على حريتها، وعليه فالعقلاء لابد أن تكون حرياتهم مُقَيَّدة بما يُحقق مصالحهم ولا يُفسد حياتهم، وهذا لا يحتاج إلى برهان، وفي هذا السياق جاء في القانون ذِكر عدم التعرض للفتوى الصادرة من دار الإفتاء في الإعلام، وذلك حفاظا على هيبة الفتوى، حتى لا تهون في نفوس الناس بجعلها غرضا للتشهير والتجريح، الأمر الذي يتناقض ويتعارض مع المقصد الأصلي من تأسيس دار للإفتاء، وهو أن تكون مرجعا للناس جميعا يجتمعون عليه، حتى لا تتضارب الفتوى وتفقد المرجعية بين الناس، وهذا تماما كما حفظ قانون دار الإفتاء هيبة القضاء، فنص في المادة (16) منه أنه لا يجوز للمفتي الفتوى في المسائل المعروضة على القضاء أو التي سبق عرضها عليه.)
وقياسا على كلام مفتي ديارنا الليبية هذا نستطيع أن نقول:
لا يجوز أن يبدي الإعلام وجهة نظر في أي من الأمور التي يقوم بها رئيس المؤتمر الوطني، والذي هو في هذه المرحلة يمثل (رئيس للدولة)، أو أي عضو من أعضاء المؤتمر الوطني العام (البرلمان الليبي)، أو رئيس الوزراء وأعضاء وزارته، حتى لوكانت وجهة النظر تلك لها وجه من الصواب، وكل ذلك حتى لا تسقط هيبتهم ويستخف بهم الناس ولم تقم لهم قائمة، وحتى لا نجعل أعمالهم مساوية لأعمال رجل الشارع.
وتناسى مفتى الديار الليبية، أن رجل الشارع الليبي، الذي يستحقره في بيانه هذا، هو الذي جعل من ليبيا دولة حرة ديمقراطية عند خروجه في كل شوارع ليبيا يوم 17 فبراير 2011، ومواجهته لأحد أقسى الأنظمة الديكتاتورية، ذلك النظام الذي كان يمنع أيضا حرية التعبير كما يريد شيخنا الجليل أيضا أن يمنعها هذه الأيام.
ولا أدري إذا كان مفتي ديارنا الليبية يعلم أيضا، أن رجل شارعنا الليبي هو الذي أوصل مفتي الديار الليبية لكرسيه، وأوصل جميع موظفي الدولة الليبية من أعلى الهرم الوظيفي لقاعدته لكراسيهم أيضا.
وكل عارف بالتحليل المنطقي البسيط، سيعلم من خلال ما ورد في بيان شيخنا الجليل هذا، أنه يؤكد أنه لن تقوم قائمة لدار للفتوى أو للقضاء، ولكل أجهزة الدولة في ليبيا، مع تواجد أعلام حر.
وفي الختام أيها الشيخ الجليل، كنت منذ يومين قد أرسلت لكم رسالة، تنتقد بيانكم المعنون بـ (بيان دار الإفتاء رقم 2 حول ما يجري في بني وليد)، وتم نشرها على موقع السياسي الليبي، وفيها أنتقد ما ورد في بيانكم ذاك، ولم أستلم ردا منكم عما ورد في تلك الرسالة.
فهل يا شيخنا الجليل تلك الرسالة والمقال هذا من أحد رجال شوارع مدينة طبرق سيفقدكم هيبتكم؟!، حتى لو كان ما ورد في رسالتي السابقة ومقالي هذا صحيحا أو خاطئا في نقدكم.
وهل أيها الرجل الفاضل، والذي كنت أحد المناضلين ضد الديكتاتورية كما يقال، تريد من دولتنا الليبية القادمة أن تكون بهذه الهشاشة، بحيث أن مجرد رأي إعلامي بسيط من أحد شوارع مدينة طبرق سيفقدها هيبتها ويجعل من الناس يستخفون بها.
وإذا كان ما ورد في بيانكم (بيان بشأن قانون دار الإفتاء)، من أن قانون دار الإفتاء يمنع في أحدى مواده تناول ما يصدر من دار الإفتاء في وسائل الإعلام، مع أن ذلك القانون قد أصدره المجلس الوطني الإنتقالي المنتهية ولايته، وهو نفس المجلس الذي أصدر (الإعلان الدستوري) الذي تقول مادته السادسة:
(الليبيون سواء أمام القانون، ومتساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، وفي تكافؤ الفرص، وفيما عليهم من الواجبات والمسؤوليات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدِّين أو المذهب أو اللغة أو الثروة أو الجنس أو النسب أو الآراء السياسية أو الوضع الاجتماعي أو الانتماء القبلي أو الجهوي أو الأسري.)
ويقول أيضا في مادته الرابعة عشر:
(تضمن الدولة حرية الرأي وحرية التعبير الفردي والجماعي، وحرية البحث العلمي، وحرية الاتصال، وحرية الصحافة ووسائل الإعلام والطباعة والنشر، وحرية التنقل، وحرية التجمع والتظاهر والاعتصام السلمي، وبما لا يتعارض مع القانون.)
فكيف أيها الشيخ الجليل يكون من بشّرنا في إعلانه الدستوري بأن الناس متساوون، ولهم كل الحرية في التعبير عن ارآئهم، هو نفسه من يصدر لنا قانونا يمنع فيه على وسائل الإعلام أن تتناول ما يصدر عن دار الإفتاء الليبية.
وكيف أيها الشيخ الجليل تريدنا أن نصدق أنكم تعملون من أجل أن يسود القرآن وأحاديث نبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم، مثل ذلك الحديث الذي أستشهدتم به في بيانكم والذي يقول:
(سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى أمير فأمره ونهاه فقتله)، إذا كنت قد تركت حزب سيد الشهداء حمزة، مفضلا أن تكون مع حزب ذلك الأمير.
ومرة أخيرة أيها الشيخ أقول لكم، إذا لم يصل منكم أي رد عن رسالتي السابقة ومقالي هذا، فأنني سأكون متأكدا أن مخالفتكم ومعارضتكم السابقة للديكتاتورية في ليبيا قبل 17 فبراير، كان مجرد خلاف في الرأي بينكم وبينها، وليس خلافا من أجل أن تكون ليبيا دولة حرة ديمقراطية، وأن ما يظهر من بياناتكم الكثيرة هذه الأيام هو مجرد التبشير والدعاية لديكتاتورية أخرى قادمة لليبيا تكون متفقة مع رأيكم ونظرتكم لكيف يجب أن يكون نظام الحكم، إذا لم تكن تلك الديكتاتورية قد قامت بالفعل، بعد أن رأينا كيف كان مستشارنا السابق ودكتورنا الحالي وهم في أعلى هرم السلطة عارفين كيف سيكون عليه حال دستورنا القادم، كأنه موجود في جيوبهم، لا كما يقال أن هناك لجنة خاصة ستقوم بكتابته، ولن يكون دستورا نافذ المفعول حتى يقوم رجال ونساء شوارع ليبيا بالتصديق عليه، أولئك الرجال وليس النساء الذين تخاف أن ينالوا من هيبة الدولة الليبية بكلامهم عنها.
وكل عام وأنتم دائما بخير
عبدالرازق المنصوري
25 أكتوبر 2012
طبرق – ليبيا
ــــــــــــــــــــــــــ
اقرأ أيضا:
الصادق الغرياني : بيان بشأن قانون دار الإفتاء
عبدالرازق المنصوري : تعقيب على (بيان دار الإفتاء رقم 2 حول ما يجري في بني وليد)
تحميل: (القانون رقم 15 لسنة 2012 بشأن إنشاء دار الإفتاء الليبية) بصيغة pdf
مفتي الديار الليبية رجل عاشق للديكتاتورية حتى النخاع
هذا ليس مفتي بل مفتن واين هو من قول صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابو بكر رضي الله عنه قال بعد ان بايعوه على الخلافه وليت امركم ولست بخيركم…وان اخطأت فقوموني أو كما قال فهل اصاب من هيبته بل بالعكس رفع قدره وهيبته في نفوس الناس ,النقدهو من مقومات المجتمع الديمقراطي .