مواطن بسيط جداً يتوجه إلى قيادة «حزب الله»، يضع «كلماته» بتصرفها. لا أقل من «القيادة» يليق بتواضعه. يكتب اليها هذا المواطن البسسيط بصفته «مؤسسا وقائداً» لتنظيمات «وطنية ديموقراطية علمانية ويسارية»، وفي «الحركة الوطنية اللبنانية»، و»قائداً في الدفاع عن المقاومة الفلسطينية (…) وعن الجنوب اللبناني»…
يكتب اليها بصفته، أيضاً، «مناضلا» في «حركة التحرر العربي «منذ يفاعته»، فيسترسل في أهم محطات «هذا النضال»، من «عدوان الاستعمار على قناة السويس، والإنزال العسكري الاميركي في لبنان والثورات التحررية في الجزائر والمغرب العربي واليمن والخليج، ودفاعه عن حزب الله والمقاومة الاسلامية» الخ…
مواطن بسيط أخيراً، يدغدغ سريرته انتباه حسن نصر الله لإحدى مقالاته «النقدية»… يكتب بصفته، أيضاَ وأيضاً «مثقفاً» من العيار الإستثنائي: من «العمل الذهني يعيش»، من «الترجمة والكتابة والتأليف والتدريس والصحافة»؛ وله «في ذلك عشرون مؤلفا وما يوازيها من الترجمات ومئات الدراسات والمقالات والمقابلات» وغيرها…
مواطن متواضع، قائد نظري وميداني، مناضل تاريخي، مثقف غزير…. بهذه الإعتبارات جميعها، يتوجه كبيرنا الى قيادة الحزب، يناشدها، باسم «شراكة نضالية» بينه وبينها… يناشدها، بحذر «ان تسحب مقاتلي الحزب من الأراضي السورية، إن صحّت المعلومات»… وأن تمتنع «عن عمليات قتالية على الحدود المشتركة بين البلدين»… ست مرات يناشدها على هذا المنوال، وفي مقال لا تتجاوز أحرفه السبعة مئة…. وبحيثيات وطنية نبيلة وأخرى «براغماتية» تعبر السطور، ولكن بثقة أيضا؛ ثقة من سطع على وجهه عبوس النضال و»كاريزما» القيادة ووهج الثقافة.
ولكن كل هذه المحمولات الثقيلة لا تنفع شيئا. ففيما يكتب مواطننا المتواضع هذه الكلمات، تحلق في سماء اسرائيل طائرة من غير طيار، يظن الجميع بأن حزب الله أرسلها الى هناك. وبعد ذلك بأيام معدودة، يطل نصر الله ليعزّز الظن بالجبهة السورية المفتوحة بمزيد من الالتباس من مجرد «الواجب الجهادي»، وليعلن عن فتح جبهة إضافية، اذ انه تذكّر، في هذا التوقيت بالذات، الخروقات الاسرائيلية للأجواء اللبنانية… ليستفيض بمعاني الطائرة التي أرسلها الى اسرائيل. «أيوب» هو اسمها، و»فسرها» الشارحون المطبّلون المزمّرون على انها «رسمت معادلة جديدة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي» و»أعادت النظر بالكثير من المعادلات»، و»كان يمكن لها ان تفعل الكثير الكثير شرط ان تكون محملة بالصواريخ والقنابل الذكية الصغيرة الحجم»، وانها «كبّلت أيادي الاسرائيلي ومنعتها من مجرّد التفكير بشن حرب ضد لبنان» الخ… هكذا ذهبت كلمات قائدنا المناضل المثقف سدى، وطار الأمل بأن يكون له دور ما، حتى لو كان متواضعا وبسيطا، في فهم ما يجري، أو التأثير عليه.
فيا رفيقنا القائد المثقف المناضل، حزب الله ليس مجنونا ولا غافلا. تدخّله العسكري والأمني في سوريا من طبيعة تكوينه. النظام السوري عرابه، وأراضي سوريا هي ممرّ سلاحه ورجاله، هي مجاله الحيوي الوحيد. سقوط النظام، أو هزاله، سوف يكون له مترتبات ليس قادرا على تجنبها إلا على طريقته، بسبب طبيعة هذا التكوين بالذات. ليس قادرا على طرح نظرة أخرى غير تلك التي تأسس عليها، ولا على رؤية السجن الذي وضع فيه أبناء طائفته وبلده، وهو مهموم بغير صغائرهم. غريبة عن طبيعته تلك المصلحة الوطنية اللبنانية العليا ومصلحة أبناء الطائفة، التي يروج بأنه حصنها، فضلا عن مصلحة باقي الطوائف الخارجة عن قاموسه. هو مشغول الآن بكيفية إنقاذ جهازه وسلاحه وأطره من انهيار، بكيفية إنقاذ ممرّه، سوريا الأسد. التباسات اعترافه بمشاركة قواته كتائب النظام السوري تؤكد قبل كل شيء «الحرج» الذي لا يمكنه إلا الوقوع فيه؛ وبذلك يمشي في الطريق التي رسمها لنفسه منذ السنوات الاولى لتأسيسه، على دقّة ما يواجهه؛ هو مثله مثل أعضاء حزب مقتدى الصدر، مثل الحرس الثوري الايراني، سوريا بالنسبة له ذات وظيفة حيوية كبيرة من دونها يفقد حلقة الممر، الاستراتيجية.
ولكن لا ننسى المقر، الأساس، ايران. جبهتها مفتوحة مع اسرائيل في ترقب وتهديدات وطبول حرب، سياقها ضمن الجبهة السورية النظامية، هو لا هوادة في الحرب بينها وبين اسرائيل للسيطرة على العالم العربي المتهالك…. «حليفها»، ذراعها الآخر، النظام السوري، حاول في بداية مجابهته لثورة شعبه ان يغيّب شعبه بواسطة قميص عثمان، قضية فلسطين، فنظم تظاهرتين صاخبتين على الحدود الاسرائيلية…. من دون جدوى. وها هو الحزب الآن، أو بالأحرى مقره، ايران، يريدوننا ان نشيح نظرنا عن النظام السوري واستماته في الدفاع عنه، بضربة «أيوب» الجوية التي «تعيد توازن» و»ترسم المعادلات» و»تكبّل أيادي العدو»… بعد «إنتصار الهي تاريخي استراتيجي» لم يمض عليه أكثر من ست سنوات. أي ان الحزب لم يكتف بعدم الاسترشاد بمناشدات قائدنا ومثقفنا ومناضلنا، إنما ذهب الى أبعد، فتح جبهة أخرى، معبّرا بصدق عن استراتيجيته… المرتبطة بحميمية سافرة مع القيادة الايرانية. بكلمات قديمة، يمكننا القول ان ما هو ذاهب اليه الحزب الآن، في هذه اللحظة، حتمي، لا رجعة عنه، لا تفيد معه المناشدات ولا «الشراكة النضالية»، ولا، طبعاً، المصلحة الوطنية… وهذا أمر لا يحتاج الى ثقافة قائدنا ولا نضاليته، أو قياديته. حسّ سليم لأي مواطن، بسيط حقاً، أكان مع الحزب أو ضده، سوف يقول لك بأن هذا المآل واضح صريح.
ما يطرح السؤال: هل كاتبنا ساذج، أم انه يفتعل السذاجة؟ لكي لا يفهم، أولا، بأن صفاته الثلاث، النضالية والقيادية والثقافية، فضلا عن «شراكته النضالية»، ليست سوى بحصة في محيط قرارات حزب الله الاقليمية؟ أو، لكي لا يفهم، أيضاً، بأن المسار الذي رسمه حزب الله لنفسه منذ تأسيسه، لن يفضي الا لهكذا تهلكة؟ هل هو قاصر عن استيعات هذه المعطيات غير المعقدة؟ أم انه يتظاهر بعدم استيعابها؟ من المدهش حقا ان كل المؤهلات التي عرضها كاتبها في مقاله، كل أناه الموزعة هنا وهناك، لم تخدمه، لم توفّقه… أم ان الأمر يتعلق بالأيديولوجية التي يتقاسمها كاتبنا مع حزب الله: أيديولوجية الأولوية لمقارعة «الصهيونية والامبريالية»، التي تحول العقل الى هيكل من الحديد، قليل الشجاعة في الخروج عن عاداته العتيقة في التفكير؛ هو «المشتغل» بالعمل الذهني لـ»يعيش»، لا يعرف أن يزيح يميناً أو شمالاً، أن يرفع نظره إلى فوق أو… خصوصاً الى تحت… من دون أن ينكسر شيء فيه. ايديولوجية تضرب البصيرة وتقلل من الرؤية، وتحول صاحبها الى «قائد سابق» بامتياز، قائد متقاعد، يهذي بفتوّاته الماضية.
أم انه ذكي، ولكنه خائف، وبالتالي متذبذب. يترقب المنتصر القادم، فيقدم له أوراق إعتماد حمّالة أوجه. وأكثر ما يحرجه، هو ان ترتبط مناشداته لحزب الله، بموقف معاد للنظام السوري أو للشعب السوري. لذلك تدخل في مناشداته اعتبارات من نوع ان دعم نظام «آيل الى زوال»، يخوض صراعاً مع «المعارضة السلمية والمسلّحة لأقسام أساسية من الشعب السوري وللمدنيين السوريين عموما»؛ فيما يأمل، من جهة أخرى، بـ»سوريا المستقبل، سوريا الشعب والسلطة (لاحظ «السلطة») والدولة الديموقراطية الحرّة المستقلّة»، التي سوف تضمن حماية «حزب الله» و»سلاحه»، بصفته، هذا السلاح، «قوة دفاع وطني عن لبنان، ومن خلاله عن سوريا». ويعتقد بأنه بهذه الكلمات المغمْغمة، في الطريق الصحيح لتأمين دوره في الصورة المقبلة… بصفته «معارضا مواليا» للنظام السوري (على حدّ تعبير أحد الألمعيين)؛ قد يكون في هذا المستقبل المنشود، غير البعيد، نافعا للمرحلة الانتقالية القادمة، التي يزدهر فيها المتلوّنون.
كلمة أخيرة: «إنجاز عسكري كبير وفّره حزب الله بما هو قوة دفاع وطني»، تلك هي العبارات التي استقبل بها قائدنا المثقف المناضل تحليق «أيوب» في سماء العدو الاسرائيلي، وكأنه بذلك يبتلع ريقه بخفر من كاد أن يغلط بحق «شركاء النضال».
dalal.elbizri@gmail.com
كاتبة لبنانية
القائد المثقف المناضل يناشد المجاهد الأكبر مرّات فتكون النتيجة.. طائرة «أيوب»
قرأت ما كتبه السيد القائدسابقا فواز طرابلسي وحزنت لبرائته ووعدته باعتباري شيعيا ان اتكلم مع الحزب واحاول بلكي الحزب بيرق قلبوا على لبنان وبكل الاحوال الله يعين فواز حامل هم اليمن وفلسطين ولبنان والطبقات الكادحة
القائد المثقف المناضل يناشد المجاهد الأكبر مرّات فتكون النتيجة.. طائرة «أيوب»
حماك الله يا دلال وشكراً على جميع ما تكتبين