هذا السوء الذي ظهر من بعض المسلمين ليس من ثمار الربيع العربي كما حاول البعض تنسيبه، ولاهو بعيد ايضا عن ثقافة بعض المسلمين التي نمت وترعرعت في وعي فئات محدودة منهم عبر ثقافة الاستبداد والاقصاء والتجهيل، ولا هي كذلك في منأى عن الاستغلال الرخيص من قبل بعض الجهات الباحثة عن منصة على وتر التخلف والعصبية. ولا هذا تبرئة لدوائر سياسية وثقافية ودينية غربية لا تزال متمسكة بالترويج لصورة نمطية اختلقتها عن الاسلام والمسلمين، طالما شكلت مدخلا وتبريرا لشن حروب استعمارية على المنطقة منذ قرون، ووسيلة لتقويض الابعاد الحضارية الاسلامية لدى الشعوب الاسلامية.
ما يجري من ردود فعل ليس مبرراً. تلك التي طالت فيلما اساء لرسول المسلمين محمد قامت به مجموعة هاوية. فيلماً قيل ان كلفة انتاجه بلغت 5 ملايين دولار في الولايات المتحدة الاميركية وتبين كذب ذلك لمن شاهد مقاطع منه، كما تبين بحسب خبراء انه مجرد مشاهد متناثرة تظهر بدائيته الفنية. ولا ردود الفعل بمجملها مسيئة فثمة احتجاجات بقيت تحت سقف التعبير المشروع عن الرأي، رغم ان موضوع الاحتجاج والاستنكار، تحول الى قصص خيالية تداخلت فيها كل عناصر الاستفزاز والتحريض والعصبية وصارت الحقيقة خلفنا لا احد يجد مبررا لاظهارها. ربما كانت الغاية او صارت هكذا في واقع الحال اختبارا او(TEST) لربيع العرب كما جرى النظر ايضا الى زيارة البابا بيندكتوس السادس عشر الى لبنان، وكما بات الكثيرون في الشرق والغرب يدلون بدلوهم بهذا الربيع بناء على هذا الفيلم وردود الفعل عليه.
ليس المطلوب حماية الدين الاسلامي في هذا السياق، فالمسلمون يؤمنون بما جاء في القرآن الكريم” انّا نحن نزلنا الذكر وان له لحافظون” بل هم معنيون من خلال ايمانهم ان يقدموا النموذج الذي يجعل منهم “خير امة اخرجت للناس” وان يكونوا مثالا ونموذجا لشخصية النبي، وان يسدوا الفراغ الذي تعيشه المجتمعات الغربية حيال فهم الرسالة المحمدية، بطريقة تستجيب لاسئلة المجتمعات الغربية القلقة والمذعورة من الاسلام التاريخي والاسلام السياسي. ثمة تعطش لمعرفة الاسلام يقابله تدفق الصور المشوهة للاسلام والاقل تشويها تلك التي تعكس واقع المسلمين بشكل عام.
خلاصة ما ناله العرب والمسلمين من اشكالية هذا الفيلم وتداعياته ، هوالتقاط خصوم هذا “الربيع العربي” في المنطقة العربية وخارجها الصور المسيئة من الاحتجاجات، وتوجيه رسالة مشفرة الى المجتمعات الغربية، ان الشعوب العربية لا يليق بها ان تنال حريتها، بل لا تستحقها لأنها شعوب مأسورة بثقافة الاستبداد ورفض الآخر والغائه، وهي شعوب لا تستحق الا ان تبقى تحت سلطة الاستبداد والقمع لنحمي العالم منها . والواقعية تقتضي القول ان المواقف الاسلامية المنددة بردود الفعل على الفيلم المسيء لا تقل عن تلك المنددة بالفيلم.
قال الشاعر المخضرم عصام العبدالله، في مقابلة تلفزيونية قبل ايام عن سبب تأييده الربيع العربي وتفاؤله به، ان المجتمعات العربية في هذا الربيع، اشبه بجثة وضعت في تابوت موصد، وبعد عقود طويلة عاد نبض الحياة الى من في القبر، وبدأ يطرق بابه ليخرج وحين فتح باب القبر خرج من فيه الى الضوء. ويكمل عبدالله: في القبر المظلم وفي الموت كان المجتمع العربي جثة وها هو يخرج “انها بداية الخروج من موت طويل الى الحياة وهي بداية يلفها الكثير من المزعجات والخوف والاسئلة، لكنها بداية لا مفر في طريق الحرية والتحرر”.
وهنا تكتسب زيارة قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر للبنان اختبارا ايضا لمدى التفاعل العربي والاسلامي مع ما تحمله من دعوة الى الشراكة الوطنية والى ربيع روحي مسيحي يلاقي الربيع العربي خصوصا، انه شخصية مسكونة بفلسفة جدل العلاقة بين الدين والعقل، وهي جرعة يتطلع الاجتماع السياسي الاسلامي الى تحقيقها، فعلاقة العقل والدين لا تستقيم في مجتمعاتنا ولن تتجلى بغير الحرية تلك التي لا مفر منها في اي عملية نهوض وصحوة في الفكر والثقافة والاجتماع.
ومهما قيل عن ردود الفعل المسيئة للمسلمين وللاسلام، تبقى شخصية النبي محمد شخصية مقدسة وثابتة في الوجدان الاسلامي والعربي العام. شخصية بقدر ما هي مقيمة في الوجدان، ثمة حاجة الى مزيد من استحضارها في العقل والسلوك بالقدر نفسها وتقديمها على حقيقتها لن يتحقق بغير مناخ الحرية وفضاءاتها.
العقل ضرورة لأن الآخرين الطامعين بادامة سيطرتهم على المنطقة العربية من الغرب والشرق والى ادامة انظمة التخلف والاستبداد لا يخترعون افكارا انهم يسيطرون بحماقاتنا واخطائنا. والربيع العربي هو رد مستمر على “الاستحمار والاستعمار”.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد