ترجمة: الحدرامي الأميني
قبل فترة ليست بالقصيرة، أكثر من عام، بدأتُ أعلن عن آرائي ومشاعري حول المأساة السورية. كان رأيي حينذاك -ومازلت على الرأي نفسه اليوم- أن الولايات المتحدة، مصحوبة على وجه الخصوص بتركيا، كان يجب أن تتصرف لسببين أساسيين: إعطاء المصداقية لمبدأ المسؤولية عن الحماية، والحفاظ على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. لم يحدث هذا كما هو واضح، على الأقل في الشكل الذي تخيلته، وبعد التحقق من ذلك يوماً بعد يوم، وهو أمر محبِط، تركتُ الكتابة عن الموضوع.
فلنستعرض الوضع. بعد فترة أولية كان نظام الرئيس الأسـد يستخدم فيها وسائله الحربية المدرّعة “فقط” ضد السكان المدنيين الثائرين، أصبحنا الآن أمام استعمال شائع للمروحيات والطائرات الحكومية بدون قيود، ويبدو أنه فقد الخوف من منطقة حظر جوي محتمَلة كتلك التي فُرضت على ليبيا. لم يبق إذن، في خزَّان الأهوال، إلا الأسلحة الكيميائية، لكنها قضية كبيرة حتى بالنسبة إلى الأكثر قسوة من بين القادة.
الثوار تقدموا في الاستخدام الفعال للحرب النفسية وينشرون صوراً -بعضها فظيع- عن طريق الهواتف المحمولة أساساً، محاولين استمالة الرأي العام العالمي إلى جانبهم. بعد فترة طويلة، حاولت الحكومة تقليدهم ناقلةً رسالة –أضيق نطاقاُ وأقل مصداقية- مفادها أن الفظائع يرتكبها الطرفان.
من المشكوك فيه أن الثوار كانوا سيستطيعون تلقي السلاح والمعلومات بطريقة فعالة، ما لم يكن لديهم دعم سري من إدارة أوباما، وهو أمر، من ناحية أخرى، قد يكون متسقاً -في حالة تأكيده- مع تفضيلاتها للوسائل السرية، التي استُخدِمَت بشكل ممنهج في مسارح نزاعات أخرى. وبالمثـل، فإن استغلال نقطة الضعف الأساسية لجيش آل الأسـد -الانشقاقات- يظهِر دلالات على أنها تتم بتحفيز من قِبَل الأمريكيين. وفي هذا التزويد بالسلاح وتشجيع الانشقاقات، من الواضح أن العربية السعودية وقطر وتركيا، على الأقل، يساهمون بحماسة.
قد تكون اللحظة الراهنة، أمام النهاية المتوقعة لنظام الأسـد، هي لحظة إعداد القائمة المؤقتة للخاسرين والرابحين في كل هذه المأساة. ولسوء الحظ، في الوقت الراهن، فإن قائمة الخاسرين هي أكبر بكثير من القائمة الأخرى.
فلنبدأ إذن مع الخاسرين:
الشعب السوري مع عشرات الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من اللاجئين هو، من دون شك، الخاسر الأكبر في كل ما يحدث. التعايش المستقبلي يبدو أمراً مشكوكاً فيه -ذلك أن الاعمال الانتقامية ستكون أمراً محتوماً- بدون أن يكون أي عامل خارجي قادراً على منعها على الأرجح.
إيران تثبت عدم قدرتها على أن تدعم بطريقة فعالة، لا “بالحُجَّأج، ولا بالسلاح، النظام الزبائني العلوي. الحلم الفارسي بالوصول إلى البحر الأبيض المتوسط يتلاشى، وهو أمر سيدخله “زبائن” آخرون في حساباتهم.
تركيا تشاهد كيف أن سياستها الخارجية القائمة على مبدأ “صفر مشكلات” مع جيرانها تتحول إلى علاقة مشـكِلة مع كل هؤلاء الجيران. وتطلعها إلى السيطرة على العالم الإسـلامي -السُني خاصةً- يثبُت أنه غير قابل للتطبيق. وكذلك فإن سياستها الداخلية تجاه القضية الكردية سوف تتدهور أيضاً كما هو مُتوقَّع.
الصين، و روسيا على وجه الخصوص، تراكِمان سوء صيت ضخماً في العالم العربي بسبب سلوكهما في مجلس الأمن في هذه القضية برمتها، وفي الآن ذاته يظهِران شعوراً بالضعف وغياب الشرعية الداخليين.
الولايات المتحدة، بسلبيتها، صعَّبت من إمكانية تحولها إلى لاعب فاعل في سوريا ما بعد الأسـد والحيلولة بالتالي دون تقسيم ممكن للبلد، مع انعكاسه على عدم الاستقرار في المنطقة كلها.حالياً هي بعيدة أيضاً عن أن تكون بطل مبدأ مسؤولية الحماية.
لبنان -وهو عرضة دائماً للعدوى السورية- مع القوة الأكثر قدرة فيه -حزب الله- يائسة على الأرجح.
لنراجع القائمة القصيرة للرابحين المؤقتين:
مصر الأخوان المسلمين المعتدلين، لكن النشطين -حالياً-. فجمود تركيا يجعل الرئيس مرسي مدركاً بوضوح لفرصة التطلع إلى قيادة العالم الإسلامي، أمر ما كان ممكناً مع الرئيس السابق مبارك، والتي يمكن أن تساعده في الوضع الداخلي الصعب.
القاعدة -في لحظة هبوط عام- لن تترك هذه الفرصة تمر-كما فعلت في عراق ما بعد الحرب- دون أن تُشعِر “بمساعدتها” للثوار بأساليبها الانتحارية المميزة والقاسية، صائدةً في الماء العكر ومستفيدةَ من آلام الآخرين.
وهكذا تنتهي -في الوقت الحالي- القائمة الطويلة للخاسرين والقصيرة للرابحين المُفتَرَضين التي قادتنا إليها سلبية إدارة أوباما والتي لم أُدرج فيها الشهود العاجزين: إسرائيل والأوروبيين الذين تتناقص فعاليتهم يوماً بعد يوم، مع رئيس فرنسي جديد بعيد ايديولوجياً عن التوجهات التدخلية لسلفه، ورئيس وزراء بريطاني واهن أكثر اهتماماً بإنقاذ “الجنيه” من انهيار اليورو منه عن إحياء أمجاد استعمارية ماضية. أما عن الأوروبيين الآخرين، فلا داعي للكلام أصلاً.
** الأدميرال أنخل تافايا هو نائب سابق لرئيس الأركان في البحرية الإسبانية والقيادة البحرية لحلف الناتو في جنوب أوروبا.
موقع: اتينيا
http://www.ateneadigital.es/RevistaAtenea/REVISTA/articulos/GestionNoticias_9915_ESP.asp