اجتمعت قوى 14 آذار بالأمس في معراب. كان من المنتظر أن يكون الاجتماع مغاير تماماً لصورة ما حصل، ولفحواه ولنتائجه. كان من المُفترض ان يؤسس الاجتماع الذي قيل عنه تحضيريّ إلى مرحلة مقبلة، تُسقط فشل سنوات مضت، وتُعيد المبادرة إلى شارع استقلالّي لعلّه بالأمس أيقن أن “لا حياة لمن تُنادي”.
في شكل الدعوة، كان الحديث عن تمهيد لإطلاق المجلس الوطني الذي طال انتظاره، وأنّ الجميع أعطى موافقته على هذه الخطوة. التي لو كانت ستحصل، لأكدت أن التنوع داخل هذه القوى مضمون، بل مطلوب أكثر من أي وقت مضى، وأن شعارات العام 2005 المطالبة بالديموقراطية والحريّة، هي في عمق تفكير هذه القوى. وأن 14 لا يُمكن لها أن تكون بعيدة عن هذه الحقوق المشروعة لشعبها.
هذا ما لم يحصل في الاجتماع، فلا المجلس الوطني ومشروعه حضر، ولا غير الحزبيين كان لهم ذلك الحضور المقبول بالحد الأدنى. كان الاجتماع للاجتماع، والتكرار للتكرار، والعبارات الطنّانة، تحولت إلى مستهلكة، غير ذي جدوى. كلّ “اللاشيء”، مع الأسف تواجد هناك في معراب.
الصورة، ثمّ الصورة. هكذا أصبح حلم السيادة والاستقلال. لماذا؟ أين ذهبت الطموحات؟ ماذا حصل بالإرث الذي تركه من استشهد من أجل أحلامنا كلبنانيين؟ هل ذهب كل شيء هكذا، في معمعة الحسابات السياسة الضيّقة والمناكفات المحدودة الأفق!؟
قليل من التواضع مفيد. قليل من الاعتراف بالخطأ لا يُقدم ولا يؤخر إن لم توجد نيّة تقويم إعوجاج طال. نعم، لم تعد التبريرات بعد كل اجتماع أو محاولة اجتماع تنفع. هناك من يريد أن يستمع إلى الحقيقة كما هي، وألم تبني 14 آذار مسارها على المطالبة بالحقيقة. صحيح أن التشبيه بين حقيقة من اغتال وحقيقة ما يحصل ظالمة. ولكن الحقيقة في مفهومها واحدة، لا تتجزّأ.
اللقاء التشاوري، أطلقته هذه القوى بالأمس. المطلوب أن يكون تجمعاً لكل مكوناتها، وتحديداً المدنية منها والمستقلة، مع تشكيلة حزبية. هذا على الأقل ما كان يطمح له البعض من إنشاء المجلس الوطني. ولكن، أين هو المجتمع المدني والحراك المستقل ممّا يجري اليوم وممّا تقوم به 14 آذار! الواقع يقول عكس ما تقوله هذه القوى، وعكس ما ومن يروّج لها ولمبادراتها. الواقع واضح، تناقضات كثيرة، تُخبّأ بعناوين عريضة، كبيرة. لا اتفاق على شيء، حتى على التظاهر من أجل طرد السفير السوري وإن حصلت تظاهرة للمنظمات الشبابية لهذه القوى، افتقدت للحس الـ 14 آذاري، وغلب عليها تعصّب البعض وعنصريّتهم.
إذاً، ماذا بعد اللقاء التشاوري؟ هل هو على شاكلة اللقاءات الإسلامية ــ المسيحية؟ أغلب الظنّ نعم. يبدو أنّ المهمّة الأولى له، فتح حوار بين مكوّنات هذه القوى، وليس مع الخارج منها وعنها. يُراد لهذا اللقاء أن يفتح حلقات تجاذب وأخذ وردٍ، إذ لا يُمكن أن يكون هذا اللقاء مؤسساً لنقاش يجمع البلد بأسره، هو في الأساس وُلد كي يكون للإنعاش. ليس أكثر من إنعاش حالة أصبحت مستعصية. حالة يتحمّل مسؤوليّتها الجميع من دون استثناء.
لقد آن الأوان لأكثر من مصارحة. آن الأوان لقول الحقيقة كما هي، من دون مواربة. من دون خوف، الحقيقة لا تخيف. لقد آن الأوان، لاعتراف بالفشل، بالخلاف والاختلاف، بالضعف والوهن. آن الأوان للاعتراف بأن من حرد وقاطع منذ زمن، يريد أن يبتزّ الجميع، وبأن آخرين بدأوا بحساباتهم الانتخابية مُبكراً، وأن لا مكان للمستقلّين سوى كما تريد لهم الأحزاب.
من غير المسموح أن يُقاد الرأي العام اليوم بهذه الطريقة التي وإن استمرّت، ستوازي بينها وبين 8 آذار ليس بالمعنى السياسي، إنّما بالمعنى الأخلاقي، بمعنى التعاطي مع الناس.
ما الفارق بين 14 آذار و”حزب الله” إن هي استمرّت بنهج التنويم المغناطيسي الذي تقوم به مع شريحة من اللبنانيين، تؤمن بهذه القوى وتعتبرها وحدها التي تُمثّل طموحها المستقبلي في وطن أرهقه الماضي؟ بالطبع لا شيء. “حزب الله” يُجيّش جمهوره ليستخدمه لاحقاً وليبقيه ملتصقاً به، و14 آذار تحاول قدر الإمكان الحفاظ على جمهورها بابتداع معارك أشبه إلى أن تكون وهمية! هو الفعل الشمولي بوجهيه.
قبل الإجتماع الأخير، كان هناك اجتماع مشابه وفي معراب أيضاً، حكى فيه نصير الأسعد باسم الكثيرين. في اجتماع الأمس، كُثر حكوا، ولكن بأسمائهم، فقط لا غير.
ayman.sharrouf@gmail.com
كاتب لبناني