القاهرة (رويترز) – للوهلة الأولى يبدو انتصارا. فقبل شهرين فحسب لم تكن جماعة الاخوان المسلمين أصلا طرفا في سباق انتخابات الرئاسة المصرية ولكن في الأسبوع الماضي نجح مرشحها في التأهل لجولة الإعادة وفقا للنتائج الرسمية.
لقد قامت جماعة الاخوان بما تفوق فيه اي جماعة أخرى في مصر: وهو تعبئة شبكة منظمة في شتى أنحاء البلاد تستطيع أن تجلب لها الاصوات ودفعت بمرشحها محمد مرسي إلى جولة الإعادة التي تجري في 16 و17 يونيو حزيران أمام احمد شفيق آخر رئيس للوزراء في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.
لكن هذا النجاح يخفي وراءه انتكاسة. فقد انخفضت أصوات الجماعة إلى قرابة نصف ما حصلت عليه في انتخابات مجلس الشعب قبل ستة اشهر.
وقالت منى محمود “أعطيتهم صوتي في البرلمان ولكن بعد هذا لم يزورونا حتى” معبرة عن شكوى شائعة بين الناخبين بخصوص الاخوان المسلمين وهم أقدم حركة إسلامية في مصر.
وخسرت الجماعة بعض ما كانت تحظى به من تأييد في بعض معاقلها حيث كان أنصارها ذات يوم يتحملون التعرض للغاز المسيل للدموع والضرب على أيدي الشرطة ليدلوا بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية في عهد مبارك.
وفي تغير مذهل للمشهد الانتخابي الذي يتطور سريعا جاء مرسي في المركز الرابع في الاسكندرية وهي ثاني اكبر مدينة في مصر ومعقل للإسلاميين. كما تغلب عليه شفيق في بعض محافظات الدلتا التي كانت تعد منذ أمد طويل معاقل للاخوان المسلمين.
ولمح أحد قادة الجماعة الى حدوث تلاعب لكن النتائج دفعت ايضا بعض كبار شخصياتها الى مراجعة أنفسهم بعد أن كانت الجماعة تكتفي في أغلب الأحوال بإلقاء اللوم على وسائل إعلام معادية في المشاكل التي عانت منها صورتها أمام الرأي العام.
وقال محمد مهدي عاكف المرشد السابق للجماعة في مقابلة تلفزيونية يوم الأحد “ان الإخوان المسلمين ارتكبوا جملة أخطاء انعكست في تراجع ملحوظ لشعبيتهم في الشارع المصري.”
وتحاول جماعة الاخوان المسلمين وهي تستعد لمواجهة شفيق تفنيد انتقادات تعتبرها جائرة لكنها واضحة الضرر لصورتها.
وقائمة الانتقادات طويلة ومن بينها اتهام للجماعة بأنها تسعى للانفراد بالسلطة وبأنها فشلت في البرلمان وخلفت وعودها وأغرقت في الاندفاع يمينا بتصريحات متشددة مثيرة للانقسام تخص نظرتها الى الدولة والدين.
وتصور الجماعة شفيق على أنه خطر كبير على “الثورة” سعيا لايجاد ارض مشتركة مع قوى سياسية خارج قاعدتها الانتخابية آملة في إعادة تجميع الحركة العريضة التي انفرط عقدها بعد الانتفاضة التي أطاحت بمبارك قبل 15 شهرا.
وتبحث الجماعة تقديم تنازلات لكسب الأحزاب ذات الاتجاه الإصلاحي والزعماء الوسطيين في اعتراف ضمني بأن آلة دعايتها ذات الكفاءة الكبيرة قد لا تكفي لهزيمة شفيق.
وقد يكون الحصول على تأييد هؤلاء ضروريا للجماعة لكن عليها أن تعمل بجد لتبديد موجة جديدة من التشكك في نواياها.
وقال حسن نافعة استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة وأحد الأصوات المستقلة في الحركة الإصلاحية “يسود حاليا شعور بعدم الثقة في الاخوان المسلمين. حاولوا الانضمام الى التوافق الوطني لكنهم في كل مرة أعطوا الأفضلية لاهدافهم.”
وشارك نافعة في اجتماع دعت اليه الجماعة يوم السبت في إطار مبادرة جديدة لإنقاذ مصر من الحرس القديم في عهد مبارك.
وقال “الاخوان المسلمون بحاجة ماسة الينا الآن. يحتاجون الى المجتمع المدني الى قوة ثالثة. وفي الوقت نفسه سنحتاج ايضا (اليهم).”
ويمثل شفيق بالنسبة إلى الإصلاحيين كل ما ثار المصريون عليه في 25 يناير كانون الثاني 2011 ويخشون إن تولى الرئاسة أن يعيد إنتاج نظام مبارك.
ويركز شفيق الذي كان مثل مبارك قائدا للقوات الجوية على الخوف من تفشي الجريمة والانفلات الأمني وسيطرة الإسلاميين على السلطة.
وعلى الرغم من أن الجماعة كانت في قلب المعارضة لمبارك لفترة طويلة فقد اتخذت ما يراه البعض موقفا مزدوجا.
ويقول منتقدو الإخوان المسلمين إن الجماعة التي تحرك مواقفها دوافع المنفعة انضمت للانتفاضة متأخرة ثم تواءمت مع الحكم العسكري. ويتهمونها بالتخلي عن الثورة من أجل مغانم سياسية.
كما اتهمت جماعة الاخوان بخلف وعودها. فقد وعدت في البداية بوضع حدود لطموحاتها الانتخابية لكنها في نهاية المطاف نافست على كل منصب في البلاد تقريبا بما في ذلك منصب الرئيس الذي قالت يوما إنها لن تسعى اليه.
ويخشى بعض المصريين من الرؤية الدينية للجماعة. وقد نال مرسي دعم قطاع من السلفيين وهم كتلة تصويتية كبيرة بتعهده بتطبيق الشريعة.
لكن هذا أثار انزعاج كل من سواهم تقريبا بما في ذلك الأقلية المسيحية والمسلمون المعتدلون الذين يقولون إن الاخوان لم يوضحوا ما يقصدونه تحديدا “بتطبيق الشريعة”.
وقال جمال عيد المحامي والنشط في مجال حقوق الانسان إن الجماعة تقدم وعودا مبهمة تفتقر الى التحديد وتحتمل اكثر من معنى حتى لا تخسر قاعدتها الدينية المحافظة.
وأضاف أن عليها أن تكون أكثر وضوحا وتحديدا في حديثها اذا كانت تريد كسب تأييد المسلمين المعتدلين والليبراليين واليساريين الذين تحتاج اليهم.
وكثيرا ما تشكو جماعة الاخوان المسلمين التي أنشئت قبل 84 عاما من أنها تتعرض لحملات تشويه إعلامية في دولة ظلت تصور فيها على مدى عشرات السنين على أنها عدو للدولة.
واستشهد محمود غزلان عضو مكتب الإرشاد في هذا الصدد بتقرير صحفي نشر أخيرا زعم أن الجماعة خططت لاغتيال أحد منافسيها في انتخابات الرئاسة.
وقال لرويترز هاتفيا “لا أعرف هو حقيقة كلام يبكي او يضحك.”
واضاف “الحقيقة بالإضافة للتهم بالتكويش (الاستحواذ على السلطة) والسيطرة والهيمنة وهذا الكلام لا شك أنه أتى ثماره على الناخبين بصفة عامة خصوصا البسطاء.”
ومع تقدم مرسي على شفيق بفارق طفيف في النتائج تسعى الجماعة الى كسب تأييد الناخبين الكثيرين الذين أعطوا أصواتهم لمرشحين آخرين في الجولة الأولى.
وتكشف النتائج عن أن المرشح اليساري حمدين صباحي في المركز الثالث والمرشح الاسلامي المستقل عبد المنعم ابو الفتوح في المركز الرابع حصلا معا على قرابة 40 في المئة من الأصوات وهما يمثلان تيارات جديدة خارج إطار الصراع القائم منذ عشرات السنين بين الاخوان المسلمين والحكومات المدعومة من الجيش.
ودعي الرجلان للمشاركة في مبادرة الاخوان الجديدة لكنهما لم يحضرا اجتماع يوم السبت.
وقال محمد البلتاجي القيادي في حزب الحرية والعدالة المنبثق عن الاخوان المسلمين إن الحوار الوطني الذي تقترحه الجماعة سيتناول منصبين تنفيذيين كبيرين وشكل الحكومة القادمة ومسألة من سيضع الدستور الجديد.
وأضاف أن جماعة الاخوان مستعدة ايضا لبحث كيف يمكن دمج برنامجها وهو وثيقة من 80 صفحة قائمة على “فهمها الوسطي للإسلام” مع البرامج الانتخابية الأخرى.
وقال البلتاجي “انا لا أراهن على الكتلة الاسلامية انا أراهن على الكتلة الوطنية الثورية في مواجهة احمد شفيق وهذه الكتلة حصلت على 65 في المئة واكثر من 65 في المئة في الانتخابات.”
وطالب مشاركون في الحوار مع جماعة الاخوان بتشكيل مجلس رئاسي من عشرة اعضاء ثم حكومة ائتلافية في نهاية المطاف يقودها سياسي من خارج الجماعة.
وقال ايمن نور وهو سياسي ليبرالي حضر الاجتماع إن المحاورين لم يتلقوا من الإخوان المسلمين حتى الآن إلا كلاما جميلا عن التعاون مضيفا أن الاخوان بحاجة الى تأييد واسع من الليبراليين وغيرهم للفوز في جولة الإعادة.
وأضاف أن هذا ما يدعوه للثقة في إمكان التوصل الى شيء ملموس قبل جولة الإعادة.