قال المرشح الإخواني للرئاسة المصرية خيرت الشاطر: إن تطبيق الشريعة هدفي الأوّل والأخير. يدخل هذا القول في باب ما قل ودل. وما قل ودل يحتاج إلى تفسير وتدبير.
بداية، يأتي هذا القول في سياق لعبة ديمقراطية عنوانها التنافس على مقعد الرئاسة، في انتخابات يحتكم فيها الناس إلى صناديق الاقتراع. وهذا يعني أن السباق على عقول الناخبين وقلوبهم مفتوح للجميع أولاً، وأن من حق المتسابقين ومن يؤيدون برامجهم الانتخابية التشكيك في صلاحية هذا المتسابق أو ذاك، لانتزاع ما قد يحصده من أصوات محتملة ثانياً. وهذه قاعدة أولى من قواعد اللعبة الديمقراطية.
واستناداً إلى هذه القاعدة، ثمة ضرورة للتشكيك في صلاحية الشاطر، ومن هم على شاكلته، لمنصب الرئاسة. لماذا؟
لأن نجاح الشاطر في الفوز بمقعد الرئاسة، ونجاحه في تحقيق هدفه الأوّل والأخير ينطوي على احتمال أن تكون هذه الانتخابات هي آخر الانتخابات الديمقراطية في مصر. فمن يضمن بعد النجاح الأوّل والثاني ألا يرى الشاطر، وخلفاؤه، في أنفسهم حماة للشريعة إلى حد يصبح معه البقاء في سدة الحكم جزءاً من خطة سماوية.
فدعوة الشاطر ـ على غرار دعوات أخرى ـ شمولية وخلاصية من حيث الجوهر. وقد عرف بنو البشر في القرن العشرين دعوات مشابهة، وإن كانت معلمنة، كان الهدف الأوّل والأخير لأصحابها إما تطبيق الاشتراكية، أو تحقيق رسالة أمة خالدة. وفي جميع الأحوال أقاموا أنظمة دكتاتورية ترفض الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، أو تحرص على تزويرها، وألحقوا بشعوبهم الويل والثبور وعظائم الأمور.
فلننظر إلى الأمر من جانب آخر، ولكن في السياق نفسه: لنفترض أن كل ما سبق غير صحيح، وأن لا تناقض في نظر الشاطر، ومن هم على شاكلته، بين تطبيق الشريعة، وشروط اللعبة الديمقراطية، بما فيها الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، والحق في التنافس على عقول وقلوب الناخبين، فهل يقبل هؤلاء، إذا أصبحوا في سدة الحكم، بحق آخرين في التنافس على مقعد الرئاسة، أو البرلمان، في انتخابات لاحقة باسم برنامج يدعو إلى إلغاء الشريعة (في حال تطبيقها) وإلى فصل الدين عن الدولة؟
لا بأس. فلنحاول خفض السقف قليلاً: تعاني مصر من الفقر والبطالة وتدني مستوى المعيشة، ومشاكل البنية التحتية، والتعليم، والصحة، والزراعة، والصناعة، والمواصلات، وزيادة عدد السكّان، وترهل بيروقراطية الدولة.
فهل يعني تطبيق الشريعة توفير الحلول المناسبة لكل تلك المشاكل إذا كان الجواب بنعم، فنور على نور. بيد أن أحداً لا يستطيع الرد على سؤال كهذا بقدر كبير من الثقة قبل مرور سنوات، يتم فيها اختبار نجاعة وصلاحية الحلول. ولكن ماذا يحدث إذا ثبت مع مضي الوقت تفاقم المشاكل وعدم نجاعة وصلاحية الحلول؟ هل يعترف الشاطر، ومن هم على شاكلته، بالمسؤولية السياسية والأخلاقية عن فشل الحلول؟
يمكن، بالتأكيد، طرح مزيد من الأسئلة. ولكن كلام الشاطر، ومن هم على شاكلته، يحيل إلى أمر يصعب تجاهله: إذا وضعنا هذا الكلام على خلفية الفكرة الأساسية لجماعة الأخوان المسلمين، التي تدعو إلى التدرج في نقل المجتمع من الجاهلية إلى الطريق القويم، وترى في تطبيق الشريعة تتويجاً لذلك السلّم، فإن في دعوة الشاطر، ومن هم على شاكلته، ما يوحي بالوصول إلى نهاية الشوط، وبلوغ مرحلة يسمونها التمكين. التمكين يعني الوصول إلى السلطة، والهيمنة على وسائل الإعلام والتعليم، وملكية واحتكار أدوات القمع.
في هذا الإيحاء المُبكّر بالوصول إلى نهاية الشوط ما يدل على إفراط في التفاؤل والثقة. وكلاهما مفهوم في ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية المصرية، التي ضمنت للإسلاميين، من أخوان وغيرهم، نصيب الأسد. ومفهوم، أيضاً، في ضوء ما أحرزه الإسلاميون من نجاح في بلدان عربية أخرى. كما ويصبح مفهوماً أكثر في ضوء ما يقال عن تفاهمات ضمنية بين الأخوان، وغيرهم، من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى.
ومع ذلك، في تعبير الإسلاميين من أخوان وغيرهم عن التفاؤل والثقة بمفردات السياسة، ما يقرع أكثر من ناقوس للخطر. هذا، على الأقل، ما تجلى في كلام الدكتور سعد الدين إبراهيم، الذي يرى في مقالة بعنوان “الأخوان والاستحواذ الكامل على الوطن”، في جريدة “المصري اليوم”، أن المصريين أصبحوا أمام خيارين (وهنا أنقل مفرداته كما هي): “إما الاستسلام لقضاء الله والأخوان، أو الاستعداد لثورة ثانية لتحرير مصر من جبروت الإخوان المسلمين”.
والمفارقة، في هذا الشأن، أن هذا الكلام يصدر عن سعد الدين إبراهيم، الذي أبدى في السنوات الأخيرة، خاصة بعد خروجه من سجن مبارك، تعاطفاً واضحاً مع الإسلاميين. ونوجز، هنا، المؤشرات التي أشعلت الضوء الأحمر أمام ناظريه على النحو التالي: هيمنة الأخوان على لجنة صياغة الدستور، وترشيح من يمثلهم في سباق الرئاسة، خلافاً لوعود سابقة، وسعيهم إلى تحقيق أغلبية في انتخابات مجلس الشعب، خلافاً لوعود سابقة أيضاً.
لا قيمة، في السياسة، للوعود، ولكن الداروينية السياسية للإخوان المسلمين، بعد كل، وفي ظل، ما حدث على مدار عام مضى، تثير دلالات مفزعة من شأنها الحكم بالفشل على استيهامات سابقة راودت ليبراليين، وعلمانيين، وقوميين، حول النموذج التركي، وإعادة إنتاجه في العالم العربي، وفي مصر على نحو خاص. وإذ كان ثمة من ضرورة للكلام عن نماذج أقرب إلى الواقع من النموذج التركي واستخلاص دروسها، فإن في تجربتي غزة والسودان ما يكفي ويزيد.
أخيراً، وبقدر ما يتعلّق الأمر بمصر، إذا سقط الجيش في قبضة الأخوان والإسلاميين دخلت مصر في نفق طويل، وتحققت نبوءة سعد الدين إبراهيم.
khaderhas1@hotmail.com
كاتب فلسطيني- برلين