بقلم : رشيد خشانة – الدوحة- swissinfo.ch
دلت الإشتباكات العنيفة التي كانت منطقة سبها، في جنوب ليبيا، مسرحا لها وأوقعت أكثر من مائة قتيل على مدى أسبوع، ضعف قبضة السلطة المركزية على مختلف الأقاليم في البلاد.
وجاء هذا الإختبار بعد اختبار آخر في بنغازي أظهر تحدي جماعات محلية للحكومة وتجاسرها على التهديد بالإنفصال من دون أن يستطيع الماسكون بالحكم فرض الإنضباط عليها، أو تكريس الحد الأدنى من هيبة الدولة، وبلغ الأمر إلى حد اجتياح قاعة اجتماع المجلس الوطني الإنتقالي والتهجم على أعضائه وإساءة الأدب عند مخاطبة رئيسه مصطفى عبد الجليل.
كما ظهر التحدي الأكبر في استمرار سيطرة ثوار الزنتان على مطار طرابلس الدولي ومطار معيتيقة العسكري، فعلى الرغم من الإعلان عن قرب تسليمهما للسلطات الشرعية تراجع مختار الأخضر آمر السرايا المكلفة بحماية مطار طرابلس الدولي عن وعده بحجة أن “وزارة الداخلية غير جاهزة لإدارة المطار”.
ولعل هذا ما حمل الإتحاد الأوروبي على اتخاذ قرار بمنع أي طائرة مسجلة في ليبيا من الهبوط في المطارات الأوروبية حتى يتم توفير الأمن في كافة الموانئ الجوية الليبية واستلام الحكومة لها من أيدي المسلحين الذين يُحكمون السيطرة عليها.
قبضة قوية أم رخوة؟
واستطرادا فإن المشهد الليبي يتسم بقبضة قوية للجماعات في مختلف المناطق، في مقابل حكومة ضعيفة وغير قادرة على ضمان تنفيذ القرارات التي تتخذها. ومن خلال استطلاع أجراه الباحث الليبي الدكتور مصطفى خشيم على عينة من زوار موقع “ليبيا المستقبل” اتضح أن الملف الأمني مازال يشكل التحدي الأكبر لبناء ليبيا الجديدة لدى شريحة واسعة من المواطنين.
ونبّه خشيم تعليقا على تلك النتائج إلى ضرورة “التمييز بين ثوار 17 فبراير الحقيقيين وبين الفوضويين الذين يحملون السلاح بقصد تحقيق مكاسب خاصة، فالثوار الحقيقيون إما أنهم سلموا سلاحهم بالفعل، أو أنهم على استعداد لفعل ذلك حالما تصبح الحكومة قادرة على الصمود في وجه التحديات الداخلية والخارجية”.
وقال في تصريحات لـ swissinfo.ch: “أتساءل إذا كان الثوار الحقيقيون متعاونين مع الحكومة لتحقيق الاستقرار والنظام، فمن هم الذين يساهمون في إشاعة الفوضى؟ إن الإجابة على هذا السؤال يمكن استقاؤها من نسبة المؤيدين والمعارضين لمدى حزم الحكومة في التعامل مع هذا الملف الشائك، فطالما أن 88.86 في المائة من المستطلع آراؤهم يُؤيّـدون تبني الحكومة مواقف حازمة تجاه المسلحين حتى تتمكن من بسط نفوذها في ربوع الأراضي الليبية الشاسعة، يمكن القول إن النخبة المثقفة تؤيد الأمن والإستقرار على الفوضى وانعدام الأمان، ولكن شريحة محدودة من النخبة المثقفة (11.14%) تعارض تشدد الحكومة مع الثوار أو حاملي السلاح، نظرا لما قد يترتب على ذلك من سلبيات على مستقبل ليبيا الجديدة”.
وقلل رئيس الحكومة عبد الرحيم الكيب من مخاطر التقسيم مُعتبرا في حديث صحفي أن طرح إقليم برقة نفسه إقليما فدراليا ليس سوى “جزء من الحراك السياسي في البلاد”، ومعلنا عن طرح قانون للحكم المحلي قريبا سيتم بموجبه تقسيم ليبيا إلى محافظات، مؤكدا أن “هذا الأسلوب سيعالج الكثير من المشاكل القائمة الآن”. لكن الكيب كان حرض الليبيين على التظاهر ضد حملة السلاح، مطالبا الشارع الليبي بأن “يقول كلمته ضد هؤلاء لأن الضغط الشعبي عليهم مطلوب في هذه المرحلة”، مشيرا إلى أنه أصدر تعليمات لكل كتائب الثوار بإعادة المنافذ البحرية والجوية والبرية التي يسيطرون عليها إلى الدولة والحكومة.
ولا يشاطر بعض الذين مروا من تجربة الحكم بعد الثورة في ليبيا هذا التفاؤل ويعتقدون أن الحكومة أضعف من فرض هيبتها واستعادة زمام المبادرة من المجموعات المسلحة، ما حمل رئيس المجلس الإنتقالي مصطفى عبد الجليل نفسه على توجيه النقد علنا للحكومة على ضعفها. ورد الكيب على ذلك النقد بقوله: “إن للمستشار أن يقول ما يراه مناسبا في هذا المجال، لكن نعتقد أن لدينا عملا ينبغي إتمامه أولا بعيدا عن الصخب الإعلامي، فنحن نعمل في هدوء”.
إدماج بطيء للثوار
في السياق نفسه، أفادت مصادر ليبية مطلعة swissinfo.ch أن ما بين مائة وثلاثين ومائة وأربعين ألفا من الثوار تقدموا بملفاتهم إلى هيئة شؤون المحاربين، إلا أن مسار إدماجهم في المؤسسات العسكرية (وزارة الدفاع) والأمنية (الداخلية) بطيء، وهو ما يُفسّر أعمال الشغب التي يقومون بها بين الفينة والأخرى، خصوصا عند تأخر تسلمهم لرواتبهم.
مع ذلك يعتقد وزير الإعلام في الحكومة الإنتقالية السابقة محمود شمام أن “الوضع في ليبيا سيء لكنه ليس خطرا، فما يجري متوقع بعد اثنين وأربعين عاما من الدكتاتورية، وتجربة الشعب الليبي السياسية لا زالت بسيطة ومن الطبيعي أن تجد بعض الإحتقانات وبعض الغضب”. وقال شمام الذي يدير قناة “ليبيا الأحرار” الفضائية: “رغم السلاح المنتشر في ليبيا إلا أن الحوادث قليلة، ورغم الصدام الذي حدث مع بعض أنصار الفدرالية، فإن الخسائر الناجمة عنه قليلة، ونحن لا نريد وقوع أي جريح ولا نريد في هذا الخلاف اللجوء للعنف، فما يجري سببه حماس الشباب والخوف على مستقبل ليبيا، وبصورة عامة فإن ما نعاني منه هو ضعف السلطة في ليبيا… فمن بيدهم السلطة ليست لديهم سلطة”.
في المقابل، انتقد شمام أداء المجلس الوطني الإنتقالي الذي اعتبره بلا فاعلية “لأن معظم الفاعلية بيد رئيسه السيد مصطفى عبد الجليل الذي يواصل ارتكاب أخطاء قاتلة ويعيد تغيير قواعد اللعبة ويُعيد تغيير كثير من القوانين بشكل فردي وهذا أمر خطر، وبالتالي أستطيع أن أقول إن هيبة السلطة قد ضاعت وديمقراطية السلطة أصبحت في خطر، فمع كل الإحترام والتقدير للسيد عبد الجليل، أصبحنا نرى أنموذجا فرديا في إدارة السلطة، وفي المستقبل إذا استقر هذا الأنموذج، فقد نعيد صناعة دكتاتورية جديدة”، على حد قوله.
وذهب شمام إلى حد الدفاع عن إبقاء السلاح بأيدي الثوار، “فالسلاح موجود لحماية الدولة، إذ أنك لا تستطيع أن تطلب مني أن ألقي السلاح وأنت ليس لديك جيش مكتمل وليس لديك قوة أمن مكتملة… يجب بناء هذه القوات أولا وسيجري تسليم كل السلاح، وبالتالي فالسلاح المنتشر في ليبيا موجود بيد مسؤولة، وليس في أيدي ميليشيات، إذ أن معظم السلاح بيد القبائل وجهات منظمة، ولو كان كل هذا السلاح منفلتا لقتل نصف الشعب الليبي”.
دوائر غير محددة
في صفوف الليبيين، هناك من يُعلق جميع الآمال على تشكيل هيئة الإنتخابات التي عُهد لها بإعداد الإنتخابات الديموقراطية الأولى بعد رحيل القذافي والمقررة لشهر يونيو 2012 على أمل أن تتمخض عنها حكومة قوية. لكن آخرين يشككون في قدرة الهيئة على قيادة سفينة الإنتخابات، بل وعلى واقعية إجراء الانتخابات في الموعد المقرر، ومن هؤلاء محمود شمام الذي يقول “إن هذه هيئة ضعيفة وهناك أعضاء فيها مشكوك فيهم، وهي لم تعين موظفين حتى الآن، فكيف ستجري انتخابات في شهر يونيو المقبل والدوائر الانتخابية لم تحدد بعد والموظفون لم يتم تدريبهم والسجلات الوطنية غير مكتملة؟”.
على هذا الأساس يرى الدكتور مصطفى خشيم أن “تشكيل حكومة مؤقتة من التكنوقراط أو مجلس وطني يضم كفاءات عالية تمثل مناطق ليبيا المختلفة، ومستند إلى شرعية ثورة 17 فبراير يعتبر أمرا مرحبا به وإيجابيا، لكن الأهم من ذلك التعامل مع الملفات المعقدة بكفاءة وفاعلية أكثر. فالكفاءة والفعالية عنصران متلازمان ولا يمكن تحقيق أحداهما على حساب الآخر، وبالتالي مازال الكثير من العمل الجاد أمام الحكومة الليبية والمجلس الإنتقالي المؤقت للتعامل بجدية وحنكة مع المشاكل والأزمات الداخلية والخارجية الراهنة”، على حد رأيه.