سمعت عنها الكثير وقرأت أكثر، لكن لم اتوقع ان أجد هذه المرأة السعودية بتلك القوة و الثقة بالنفس والبأس.
أقدم لكم منال مسعود الشريف مستشارة أمن معلومات في أرامكو السعودية وناشطة في مجال حقوق المرأة وكاتبة، وأم لطفل في السادسة، ساهمت في إطلاق مبادرة: «سأقود سيارتي بنفسي» للمطالبة بالسماح بقيادة المرأة للسيارة في السعودية.
منال الشريف المرأة التي قالت لا، في زمن لم ينطقها الرجال. اعترضت، وثارت، ودفعت ثمن انتفاضتها محنة الاعتقال في سجن النساء الذي لم يجعلها تخنع أو تستكين أو تتردد، بل رأيناها أقوى، وبأسها أشد وإيمانها بقضيتها لم تهزّه المضايقات والدعوات بجلدها وسجنها، وغيرها من أساليب لم تعد خافية على أحد.
الريادة في كل المجالات تحتاج إلى إرادة استثنائية، ما الدوافع التي شجعتك لكسر «الممنوعات» بداية بإطلاق «سأقود سيارتي بنفسي»؟
ــــ لقد تعرضت لمحاولة اختطاف، عندما خرجت من عيادة طبيب في حوالي التاسعة مساء في منطقة «الخبر»، لاحقتني سيارة. وكان الموقف خطرا جدا، إلا ان الله أنقذني. عدت الى البيت تعتريني حالة قهر واحباط شديدين، فبحثت الموضوع، وعلمت بان ما من قانون يمنعني من القيادة. قرأت «نظام المرور السعودي» وبحثت عن تصريحات المسؤولين، فوجدت أن القرار غير مكتوب أقرّه المجتمع وأصبح تقليدا. أما من الناحية الدينية،فالشيوخ أيضا اختلفوا حول الحرام والحلال في هذه المسألة، مع العلم ان السيدات في القرى السعودية يقدن السيارات. إذاً بما انه لاوجود لمانع ديني ولا قانوني، حينها قررنا المبادرة وبشكل شخصي وعفوي جداً.
يهمني أن أسألك عن العوامل التي ساعدتك لأن تختاري السير في «الطريق الخطر»، فيما قريناتك لم يتجرأن على فعل ذلك؟
ــــ موضوع المرأة السعودية شائك جداً، كل ما يتعلق بالمرأة مهما كان بسيطاً يتم تضخيمه بشكل غير طبيعي. أحد الحقوق البسيطة التي نطالب بها هي حرية التنقل، فكيف إذا طالبنا بما هو أكبر، وهو رفع وصاية الذكر عنا. وكان لا بد لنا ان نبدأ.. وكما قلت في مدونتي «مادامت أمي لم تستطع تغيير حاضري، فقد قررت تغيير مستقبل ابنتي» وهي مقولة طالما انتقدني معارضو حقوق المرأة عليها، لكن المقولة مجازية، لأن ليس لدي طفلة أصلاً، تعني أن الجيل الذي قبلنا سكت ورضي بواقع الحال، ونحن من ندفع الثمن، لذلك علينا أن نتحرك ونغير لينعم الجيل الذي بعدنا بحقوقهم.
كيف بدات الفكرة؟
ــــ وصلتني دعوة عن طريق الفيسبوك من بهية المنصور، وهي طالبة شريعة اسلامية عمرها عشرون عاماً، وقالت «لنقد السيارة»، وحددت يوما لذلك! اعتبرتها فرصة وتحدثت مع بهية، وقررنا تغيير اسم المبادرة وتاريخها، وبدأنا باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، للإعلان عنها عبر تويتر وفيسبوك ويوتيوب. وكتبت لنا دكتورة هالة الدوسري خطابا موجها إلى خادم الحرمين الشريفين، جمعنا له أكثر من 3500 توقيع في غضون أيام، وقمنا بتسليمه باليد للديوان الملكي، وكان الأستاذ عبدالله العلمي الذي نسميه (عراب المبادرة) معنا منذ أول يوم، يدعمنا ويوجهنا بحكمته وعلاقاته الواسعة مع مسؤولين في الحكومة.
غير أن دخولي الى السجن خلط الأوراق، حيث ظلت الصحف لتسعة أيام تنشر أخبارا مغلوطة عن ظروف إيقافي، وأن هناك جهات مغرضة ومحرضة، مما خوف كثيرين من مبادرتنا، ودفعنا الثمن غالياً، خصوصاً تشويه السمعة الذي تعرضت له شخصياً. ومكثت في الظل لمدة، ثم عدت لإثارة الموضوع ثانية بعد لقائي مع تركي الدخيل في برنامج «اضاءات».
أنت متعلمة ومتفوقة في دراستك وأعمالك، هل تعتقدين أن ذلك يكفي لأن تثبتي لمعارضيك، أنك كامرأة تستطيعين تحقيق أشياء كثيرة تتفوقين فيها على الرجل؟
ــــ نحن في عملنا مازلنا ضمن منطقة التجريب والخطأ، ولم نتوقف عن تغيير الخطط والبحث عن بدائل. وبما ان السعوديات متضررات ومحرومات من حقنا في القيادة، بدأنا المطالبة من الحكومة بتوفير بدائل، كبدل قيادة، وبدل ضرر السائق، وتوفير وسائل نقل عام آمنة، وإجبار المؤسسات والشركات توفير وسائل نقل مؤسساتي للنساء، حتى يقضي الله أمراً. أما أن نمنع النساء من هذا الحق، ولا توجد بدائل، فهذا ظلم فوق الظلم الواقع. فلماذا نعاقب مرتين؟
ما الذي قمتن به من الناحية التنظيمية لكي تتطور حركتكن من قيادة السيارة، باتجاه الحصول على حقوق أكثر للمرأة السعودية؟
ــــ بداية، لم نكن أول مبادرة نسائية، فلقد سبقتنا مبادرات كثيرة، على سبيل المثال مبادرة «كفاية احراج» لتأنيث المحال، مبادرة «بلدي» فوزية الهاني ودكتورة هتون الفاسي. نحن الآن رفعنا سقف مطالباتنا، ووحدنا جهودنا، وغيرنا اسم مبادرتنا الأول (سأقود سيارتي بنفسي) إلى «حقي كرامتي»، والآن هناك توجه أن نغير اسمنا للمرة الثالثة إلى «ما أكرمهن إلا كريم»، ونسعى من خلالها إلى تحقيق المواطنة الكاملة للمرأة السعودية، لم تعد مطالبنا تقتصر على القيادة وحسب، أو إدارة محال نسائية، أو التصويت للمجلس البلدي، بل نريد مشاركة كاملة في صنع القرار في الحياة الاجتماعية والسياسية والمدنية.
بمناسبة المرأة السعودية، ألا تعتقدين أن لديها من الإمكانات والطاقات، غير مستغلة ومحجوبة، الأمر الذي يشلّ بطريقة ما المجتمع السعودي نفسه؟
ــــ انا أمثل نفسي فقط. أنا ام عاملة، مطلقة وعندي ولد وأعيل اسرتي وعندي حاجات، كنت اعيش في حالة احباط شديد. الآن أنا أكثر شعوراً بوطنيتي، فبدلاً من التشكي من واقع الحال أصبحت أشعر أنني أستطيع أن أغير وأقترح حلولاً.
للأسف لم يقف ضدك المجتمع الذكوري ومؤسساته كما هو متوقع، ولكن هناك نساء أبدين اعتراضهن على مبادرتك. فما تفسيرك؟
ــــ كانت اعتراضات غير واقعية، منها أن الوقت ليس مناسباً وقت
الثورات العربية. وأجاوب كما يقول مارتن لوثر كينغ بأن «حقاً مؤجلاً هو حق منكر». لم تكن معارضتهن لي ضمن إطار الفكرة، مجرد اتهامات لشخصي وتهجمات مسيئة، إشاعات بأني شيعية، ومع أنني أتبع المذهب السني الشافعي، إلا أن من يتبع المذهب الشيعي لا يعني أنه متهم، أوليس من حق الشيعية أن تقود سيارتها؟ أليست مواطنة مثلي؟ واتهامات أن منال مغرر بها ومدعومة من جهات أجنبية وأشياء مضحكة مثل المخابرات الإيرانية وغيرها.. لكن لن أتوقف وأرد عليهم وأؤخر خطواتنا. سنستمر… والعبرة دائماً بالنهاية.
إلى أي مدى سيستمر الجميع في «لعبة الازدواجية» فالمرأة السعودية تمارس حقوقها كاملة، ولكن خارج حدود المملكة فحسب؟
ــــ ليست المرأة السعودية وحدها، المجتمع بالكامل يعيش الازدواجية، التدخل في الخيارات الشخصية وضغوط الممارسات الاجتماعية، الخوف من عصا الهيئة، كل ذلك يفرض الممارسات الازدواجية التي تقولين عنها، في الخارج تعيشين حياة طبيعية، الوضع في الداخل غير طبيعي، ما دمنا نفرض آراءنا بلا تعددية وعدم احترام الآخر.
كيف تقيمين دعم الرجال السعوديين لمبادرتك أو لنصرة قضية المرأة بشكل عام؟
ــــ أول من يدعم المرأة السعودية هو خادم الحرمين الشريفين المحبوب الملك عبدالله، وآخرها قراره التاريخي بإشراك المرأة في الحياة السياسية بدخولها مجلس الشورى والمجالس البلدية.. طالبنا بقيادة سيارة فقال ستقودون بلداً باذن الله وهذه عطايا الملوك.. من المهم أن يعرف القارئ أن الملك عبدالله نفسه هو الذي أعطى أوامره الكريمة بالإفراج عني وبإسقاط عقوبة الجلد عن شيماء جستنية حين قادت سيارتها..
دعمنا أيضا الكثيرون منهم عبدالله العلمي، وهو عراب المبادرة الذي أوصلنا مع الأجهزة الحكومية، المحامي عبدالرحمن اللاحم الذي رفع القضية ولم يأخذ أتعاباً، محمد الشهري أحد المسؤولين عن إدارة موقعنا، طلال العتيق أحد المتحدثين الرسميين باسمنا، عبدالمحسن العجمي مؤسس صفحة «نعم أنا رجل مؤيد». وهم جميعاً يدعموننا قولاً وفعلاً، وفخورون.
لقد طالبوا بجلدك في مكان عام حينما قدت سيارة فكيف لو تقومين بخطوات أكثر «ثورية»؟
ــــ لم أعرف بموضوع الجلد إلا بعد خروجي من السجن، صدمت تماماً، لقد جعلوا مني قضية رأي عام. التيار الديني استعدى السلطة علينا، وأغرقنا في إشاعات كثيرة. فهل يعقل أن تخرج دراسة تقول إنّ بعد عشر سنوات إن سُمح للنساء بالقيادة ستزيد حالات الزنى والشذوذ وما شابه؟
ما آخر نشاطاتكن؟
ــــ وحّدنا جهودنا ورفعنا سقف المطالبات، وغيّرنا اسمنا «لا يكرمهن الا كريم»، هي مطالبة بالمواطنة الكاملة ولا تتوقف على قيادة السيارة، ولا عند تأنيث المحلات النسائية فحسب، لا نرضى بأقل من معاملتنا كمواطنات كاملات الأهلية. فلا يجب الفصل بين حقوق المرأة وحقوق الانسان في أي حراك حقوقي، نريد مشاركة كاملة في الحياة الاجتماعية والسياسية وصنع القرار. قضايانا في الوصول الى الحقوق الاساسية لا تحل الا بمجتمع مدني يضمن حقوقنا عبر احزاب وجمعيات.
هل تبصرين الضوء في نهاية النفق، هل هناك أمل في أن تحصل المرأة السعودية على حقوقها الكاملة في مجتمع مدني؟
ــــ أراه الآن.. ولو من بعيد. عام 2011 شهد تغييرات جذرية في وضع المرأة، فبينما كانوا مشغولين في حربهم الشعواء علينا في موضوع القيادة، صدر مرسوم ملكي بتأنيث المحلات النسائية بعد سنين من الأخذ والرد والرفض القاطع مما وفر أكثر من 45 ألف وظيفة نسائية. ثم القرار الملكي بالسماح للمرأة بالدخول لمجلس الشورى والمجالس البلدية ناخبة ومنتخبة. وأخيرا السعودية ريما عبدالله ستحمل شعلة الأولمبياد. نعم أملي كبير.. فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.
[القبس-> http://www.alqabas.com.kw/Article.aspx?id=783315 &date=05042012
/04/2012]