ایران – خاص الشفاف
الشعب الإيراني مثل كل شعوب الدنيا، عندما تتعرض ارضهم للاعتداء ويصبح وطنهم في مواجهة الخطر، تتحول مسألة الوحدة الوطنية همهم الاكبر على الرغم من خلافاتهم العميقة مع السلطة، وذلك من اجل هدف واحد هو الدفاع في وجه المعتدين.
كل الحكومات عملت على استخدام هذا الشعور الوطني، وحتى استغلاله في المراحل الحساسة والمفصلية. والنموذج الابرز لهذا الاستغلال هو ما حدث فيما يتعلق بالبرنامج النووي والشعار الذي رفع ويقول “الطاقة النووية حق طبيعي لنا”.
مع بدء المرحلة الجديدة من العقوبات الغربية ضد إيران، يحاول النظام التخفيف من تأثيرها والتأكيد في المقابل على ان العقوبات الاخيرة مثل العقوبات السابقة كانت السبب في تحريك عجلة التقدم في إيران.
وعلى الرغم من حجم التأثير السلبي الذي ستتركه العقوبات التي فرضت على قطاع النفط الإيراني خصوصا من قبل الدول الاوروبية، والتي جاءت مترافقة مع تفاقم الازمة الاقتصادية داخل دول الاتحاد الاوروبي خاصة في الدول التي تستورد النفط الإيراني وتعتبر من اكثر الدول في معرض خطر الازمة الاقتصادية، فقد اقدمت هذه الدول على اعتماد هذه العقوبات مع معرفتها الثمن الذي قد تتكبده جراء هذا القرار. ان إيران لم تفهم الاثار السلبية التي حملتها العقوبات السابقة، وتحاول ان تبعث رسالة بان هذه العقوبات مثل العقوبات السابقة لن يكون لها الاثر الذي تريده هذه الدول.
كل هذا في الوقت الذي نشهد تزايد وصول حاملات الطائرات البريطانية والفرنسية إلى الخليج الفارسي وانضمامها إلى الاسطول العسكري الامريكي في المنطقة. في المقابل نسمع التهديدات التي يصدرها المسؤولون الايرانيون عن اقفال مضيق هرمز، ما يعزز امكانية اللجوء إلى الخيار العسكري ضد إيران.
إيران اليوم تختلف عن إيران قبل انتخابات 2009. اختلاف كانت نتيجته اتساع الشقة بين السلطة والمجتمع. فبعد انتخابات عام 2009، واعتراضا على نتائجها، خرجت جموع كبيرة ومهمة ممن ينتمون إلى الطبقة الوسطى الايرانية إلى الشوارع في طهران وعدد من المدن الايرانية الكبرى معترضة على تصرفات السلطة، مطالبة باصلاح هذه التصرفات. فكان ان تصدت لهم السلطة بعنف وقمعت هذه الاعتراضات، الامر الذي اسهم في تعميق الهوة بين النظام والجزء الاكبر من هذه الطبقة الوسطى.
بعد عمليات القمع اطلق النظام اسم (الفتنة) على حركة الاعتراضات، في حين اطلق عليها المعارضون اسم (الحركة الخضراء)، وكان من نتائجها ان تسلم السلطة حكومة محمود احمدي نجاد، دفع النظام ثمنا سياسي واجتماعيا كبيرا من اجل تثبيتها. هذا في وقت كانت الاحزاب والجماعات الحاكمة تشكل الجزء الاصغر او الاقلية داخل النظام السياسي الايراني. وبعد قمع الاعتراضات في (حزيران 2009 )، بدأت الاختلافات الداخلية بين هذه الجماعات بالظهور، وبدأ الخلل يظهر ايضا في رأس الهرم.
ان ظهور هذه الاختلافات وعدم اهتمام السلطات الحاكمة بالوضع المعيشي للناس، اسهم في ابتعاد هذه الطبقة عن السلطة والنظام، بعد ان كانت تعتبر الاكثرية الداعمة لها لاسباب تقليدية ودينية بغض النظر عن موقفها من هذه السلطة. وان القصور وعدم ادارة الازمة الاقتصادية التي تواجهها إيران بشكل صحيح، خاصة فيما يتعلق بمشاكل سوق النقد والذهب والتي اسهمت في هبوط العملة الايرانية وخسارتها اكثر من 60% من قيمتها فقط خلال خمسة اشهر، كل ذلك اسهم في ايصال الهوة بين المجتمع والنظام إلى اعمق مستوياتها.
فبناء على الاحصاءات الرسمية الصادرة عن مركز الاحصاء الإيراني بداية عام 2011، وبسبب مشكلات البطالة والتضخم وعدم السيطرة على السيولة المالية، فان اكثر من عشرة ملايين ايراني يعيشون تحت خط الفقر، فيما يعيش نحو ثلاثين مليون شخص على حافة خط الفقر.
هذا الرقم هو الذي اعلنته الحكومة قبل سنة ونصف تقريبا، وصدر قبل الازمة الاخيرة وسقوط قيمة العملة، وكان ايضا قبل آثار العقوبات التي سببتها السياسات الرسمية الخاطئة.
في ظل التغييرات التي شهدتها المنطقة، والهوة الاجتماعية والسياسية التي يعيشها المجتمع الإيراني مع النظام، فان سؤالا هنا يطرح نفسه: هل ما زال بإمكان النظام الاعتماد، كما في الماضي، على الشعور الوطني للإيرانيين لتجاوز الازمات الاقليمية والدولية؟ ام ان المجتمع الإيراني لم يعد يثق بمسؤوليه، وان على الحكام وحدهم عبور وتجاوز هذه الازمات؟
على الرغم من كل هذه الامور، فان الايرانيين شعب لا يمكن توقع ما الذي قد يصدر عنه، خاصة في المراحل الحساسة، لانه يعمد إلى اتخاذ قرارات تختلف عن كل التوقعات التي قد يضعها البعض في حساباته.