هل ابتسمتَ عزيزي القاري؟
ثم هل تعجبتِ عزيزتي القارئة؟
أنا لم أبتسم، ولم أتعجب. في الواقع تجهمت.
وهل إكفهر وجهيكما؟ معكما حق. لكن وجهي لم يكفهر. بل همست في نفسي “هاهم يكشفون عن وجوههم”.
عم أتحدث؟
أحدثكما عن خبرين لا يجب أن يمرا مرور الكرام علينا.
الأول من تونس. فقد طالب رئيس حزب الانفتاح والوفاء السلفي في بداية شهر مارس الجاري المجلس التأسيسي التونسي بتضمين الدستور الجديد نصاً يحق بموجبه لكل تونسي اتخاذ جارية إلى جانب زوجته والتمتع بما ملكت يمينه. البحري الجلاصي (هذا أسمه) دعا إلى اعتبار الجواري «حقا متاحا للرجال المتزوجين بواحدة» وتصنيف كل جارية ضمن خانة «ما ملكت أيمانهم» حتى يتم تلافي ظاهرة الزنى والعنوسة والطلاق ووضع حد لتنامي معضلة الأمهات العازبات في تونس.
أي والله.
الرجل يطالب بإباحة بيع البشر، والتعامل في العبيد. لا يؤمن بالإنسان. لا يؤمن بحرية هذا الإنسان. لا يؤمن بأن الله خلق هذا الإنسان حراً.
ثم يقول إنه يتحدث بإسم الله؟ سبحان الله!
الخبر الثاني من خطاب القاه شخص يطلق عليه مؤيدوه لقب شيخ. وجدي غنيم. ألقاه بعد يوم من وفاة البابا شنودة. لم يعزِ الرجل في وفاة البابا. بل عمد إلى التهنئة بوفاته متلفظاً بكلمات أظهرت الوجه الحقيقي لفكر متطرف: وجهاً قبيحاً شذراً، ينظر إلى من يخالفه في الدين بحقد، يدعو عليه بالموت، ويبارك لنفسه وهو يفعل ذلك. ليته ينظر إلى المرآة مرة. وصل الأمر به إلى القول “بالأمس بفضل الله تعالى، هلك رأس الكفر والشرك”.
غنيم دافع عن نفسه بعد ذلك قائلا، “أنا قلت إنه هلك، والله سبحانه وتعالى يقول “إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار، مصيرهم جهنم خالدون فيها”.
خطاب كراهية يدعو إليه الرجل بإسم الدين. يدعو إلى كراهية الإنسان لإخيه الإنسان. لا يؤمن بمفهوم المواطنة، لا يؤمن بكلمة مصري. ثم لا يؤمن بالمحبة. يقول لنا إن الدين كراهية، حقد وغل، ويفخ سماً على من يخالفه في الرأي ثم في الفكر والعقيدة.
الخبر الأول، أعني خبر التسري بالجوار بنص دستوري، دفع البعض إلى التندر والتفكه. سخروا من الرجل. لعلهم ظنوا أن المسألة نكتة. رجل يتحدث بمنطق القرون الوسطى. وهو يتحدث بمنطق القرون الوسطى فعلاً. لكنه يتحدث بهذا المنطق اليوم. وهذا ما يستدعي القلق ثم التوقف.
يقول لنا دعونا نبيع ونشترى في الجواري.
انتبهوا أيها السادة! نبيع ونشتري الإنسان.
تخيلَ ابنتك محل ذلك الإنسان. تخيلي ابنتك محل ذلك الإنسان. ثم تدبرا.
وهو عندما يتحدث بهذا المنطق يستخدم النص الديني، يخرجه من سياقه التاريخي، كي يبرر به ابشع جريمة يمكن ان يرتكبها إنسان في حق إنسان أخر. يسلبه من إرادته الحرة، ثم يبيعه، ويستخدمه كبضاعة متعة.
صدقوني. ما يقوله ليس نكتة.
الخبر الثاني اثار غضباً، وهو حري بالغضب فعلاً. لكن المشكلة أن من تفوه بتلك الكلمات يستند هو أيضا إلى النص الديني. يستغله، أعود وأكرر، يخرج ذلك النص من سياقه التاريخي، ثم يحوله إلى خنجر ينحر به الوحدة الوطنية المصرية. وفقاً لمنطق ذلك الرجل، ليس هناك مصر. هناك مؤمنون وكفره. وما بينهما نار ودماء.
قلت لكما في بداية هذا المقال أنه لا يجب ان يمر الخبران علينا مرور الكرام.
لماذا؟
لأنهما يوضحان بدون لبس اهمية الجدل القائم حالياً حول طبيعة الدساتير القادمة في مجتمعاتنا.
لو تركنا دساتيرنا لهذين الشخصين وفكرهما، لقدما لنا نصاً يعيدنا إلى القرون الوسطى، لا يعترف بمفهوم المواطنة المتساوية، ويتعامل مع من لا يؤمن ليس فقط بالإسلام، بل من لا يؤمن بتفسيره هو للدين، بمنطق الغالب، المسيطر، المتحكم.
ببساطة، سيقدم لنا حكماً كهنوتياً.
وشعوبنا أيها الأعزاء لم تخرج إلى الشوارع، تقدم صدورها عارية للموت، من أجل الحكم الكهنوتي.
هل هذا ما خرجتما من أجله؟
كانت تنادي بالحرية، بالمساواة، بالعدالة الاجتماعية، وبالكرامة.
والكرامة هي للجميع. لكل المواطنين.
لكل المواطنين. بلا تفريق بلا تمييز.
مسلمون، مسيحيون، يهود، بهائيون، ملحدون.
رجالاً ونساءاً.
مادمت مصرياً، إذن أنت مواطن.
مادمت مصرية، إذن أنت مواطنة.
لم تخرج الجماهير من أجل الحكم الكهنوتي.
خرجت من أجل حياة افضل.
وما يدعوه إليه هذا الرجلان لا يبشر بحياة أفضل. بل بقيود عبودية في الحياة والفكر. ثم كراهية وغل تفرش لنا ارضاً من دماء.
الدستور هو الأساس القانوني الذي يحمي حقك وحقي.
يحمينا نحن الإثنان.
يتعامل معنا على قدم مساواة.
مواطن ومواطنة.
لا تقحما الدين فيه. احتراما لهذا الدين نفسه، أيا كان هذا الدين.
ولذا لا تبتسما، ثم لا تتجهما.
بل دافعا عن دستور دولتكم القادمة.
لا تتركاه فريسة لهذا الفكر.
*
في الأسبوع القادم اكمل معكما حديثي عن النص الديني، ذلك الذي احترمه رغم قناعتي ببشريته
* كاتبة يمنية- سويسرا
اي دستور يا صاح؟
هذا هو الدين فلماذا انت زعلانه.
لو انكم حريصين على تفعيل حقوق الانسان والديمقراطية والحكم الرشيد لما هرب كل علماني وليبرالي من وطنه وتركه لسباع الدين وفي النهاية الشعوب العربية مخدرة دينيا واي حكم بالصناديق سيأتي بسباع الدين لتحكم واس البلاء في التعليم والحياة العربية من الصغر.