ثَمة من يعتقد أن روسيا نجحت في مجلس الأمن بتكريس معادلة أن طريق دمشق تمر من موسكو، وأن أي خطوة أممية حيال سوريا تتطلب بالضرورة مباركة الكرملين. غير أن أولئك يعتقدون أيضاً أن موسكو فتحت الباب أمام بدء العد التنازلي للنظام السوري ورئيسه بشار الأسد، حين وافقت على البيان الرئاسي لمجلس الأمن الداعم لخطة المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان في سوريا.
فالنقاط الست لأنان التي رسمت منطلقات الحل للأزمة السورية ثبّتت – من خلال التوافق الدولي حولها – سقف الحد الأدنى، والذي سيبني عليه المجتمع الدولي خطواته المستقبلية إذا لم يلتزم الأسد تنفيذ تلك النقاط. وهي خطوات سوف تكون بالضرورة تصاعدية وذات سقف أعلى.
فبنود خطة المبعوث الدولي حدّدت خارطة طريق لمسار يؤدي في نهاية المطاف إلى انتقال سياسي للسلطة. وإذا كان البيان الرئاسي لم يطلب بوضوح نقل صلاحيات الرئيس إلى نائبه، وفق ما تضمنته المبادرة العربية، فإنه نص على وجوب الالتزام بتعيين مُحَاور مخوّل الصلاحيات، حين تتم دعوته للقيام بذلك من قبل المبعوث. وهو ما يعني ضمناً استبعاد شخص الأسد وتفويضه صلاحياته في الحوار مع المعارضة. وفي معلومات جهات مطلعة أن دول الخليج المؤثرة رفضت اقتراحاً - قُـدّم لضمان موافقة روسيا - وقوامه بأن يتولى الأسد المرحلة الانتقالية حتى انتهاء ولايته في العام 2014، فيما تتولى المعارضة رئاسة الحكومة. ومردّ الرفض الخليجي يعود إلى الاقتناع بأن في سوريا نظاماً أمنياً تقوم عليه دولة، وليس دولة فيها أجهزة أمنية تخضع للحكومة.
ويرى خبراء في السياسة الروسية أن موسكو، بموافقتها على البيان الرئاسي، اشترت حيزاً من الوقت تحتاجه لترتيب وضعها الداخلي بعد عودة فلاديمير بوتين إلى الرئاسة، والذي تنتقل إليه مقاليد السلطة في أيّار المقبل، فيما ينكب ديمتري ميدفيديف على تحضير تشكيلته الوزارية. فأمّنت مصالحها راهناً وربطت نزاعاً مع المجتمع الدولي، لكنها في خطوتها هذه أحرجت الأسد وأضعفته، بتبنيها خطة أنان التي كرّست واقع الانقسام في سوريا، من خلال التعامل مع النظام والمعارضة كطرفين متصارعين على حدي نقيض، فيما الخطوات التنفيذية الرئيسية المطلوبة تقع على عاتق النظام، والذي إن نفّذها ستصب إيجاباً في خانة المعارضة الشعبية، وإن أحجم عن تنفيذها، فإنه سيواجه مزيداً من الضغوط الدولية التي لن تكون روسيا قادرة على حمايته منها بالزخم السابق نفسه، ولا سيما بعدما باركت رؤية الجامعة العربية والأمم المتحدة للحل، بوصفها لاعباً أوّل في الورقة السورية.
وفيما يراهن الرئيس السوري على تشتّت المعارضة وعجزها عن توفير بديل محتمل يمكن أن يرسم معالم سوريا، تتسارع وتيرة الاتصالات العربية والدولية لإعادة تزخيم المعارضة ضمن مرجعية موحدة يتم العمل على تظهيرها في مؤتمر أصدقاء سوريا المزمع عقده في إسطنبول في مطلع نيسان المقبل. وألمحت أوساط في المعارضة السورية إلى أن أنان ليس بعيداً عن هذه الجهود.
غير أن التوافق الدولي على خطة أنان لا يعني، في نظر المراقبين، أن سوريا ستسلك سريعاً طريق الخروج من نفق الأزمة الراهنة، ذلك أن العارفين بعقلية النظام السوري يدركون استحالة استجابته لوقف مسار الحل العسكري والأمني والدخول في الحل السياسي الذي سيؤول إلى الإطاحة ببنية النظام القائم. فالأسد لا يزال يبني رهاناته على الدعم الروسي له، وعدم توفّر رغبة دولية، ولا سيما أميركية وفرنسية، بالتورط عسكرياً في سوريا، مع انشغال رئيسي كلا البلدين في انتخابات رئاسية مقبلة، وعلى الإفادة تالياً من سياسة «تقطيع الوقت» التي ينتهجها المجتمع الدولي راهناً عبر إعادة تعزيز قبضته الأمنية في المناطق التي دخلها عسكرياً، رغم إدراكه أن الوضع في سوريا تحوّل إلى ساحة حرب مفتوحة بين الوحدات المنتقاة من الجيش النظامي التي تُدين بالولاء له ولنظامه وبين الجيش السوري الحرّ الذي خرج من المدن إلى الأطراف، ليخوض نوعاً آخر من المواجهة مع القوات النظامية تشبه حرب العصابات.
وإزاء انسداد الأفق لحل قريب، يدفع المشهد الأمني - الذي يتكرّر يوماً بعد يوم في مختلف أنحاء سوريا، ومبادرات الحل ودعوات وقف إطلاق النار وتثبيت هدنة إنسانية يومية وإرسال قوات مراقبة - بالمراقبين إلى مقاربة الوضع في سوريا راهناً بالوضع الذي عاشه لبنان طوال خمس عشرة سنة من الحرب الداخلية، وسط مخاوف من أن تتحول إلى حرب أهلية إذا تفاقمت الأمور واشتد العنف. وهو خوف بات يعززه إقرار البيان الرئاسي لمجلس الأمن بانفلات الأمور، وملامح بدء تفكك الدولة.
rmowaffak@yahoo.com
كاتبة لبنانية
اللواء