الثورة في سوريا بعد عام واحد: خطة لإعادة تنظيم المعارضة

2

بدأت الثورة في سوريا بسبب تراكم أزمات الاستبداد الشمولي الفاسد المستمر منذ نصف قرن. وبتحريض إضافي من صور الثورة التونسية والمصرية والليبية واليمنية .. ومع ذلك لم تكن لتنطلق لولا عاملين هما الإعلام والتواصل الاجتماعي عبر الأنترنت , الذي أتاح شكلا جديدا من أشكال التحالف والتجمع والتشارك ما كان الأمن ليسمح به ، لو استطاع .

بدأت الثورة بتآكل سلطة الاحترام .. ومن بعدها سلطة الخوف بالتدريج .. بهمسات وتعليقات وكتابات وصولا للهتاف والتظاهر . فتدخل الأمن لترميم دائرة الخوف بالقمع العنيف والاعتقال والتعذيب الوحشي والقتل .. فصب الزيت على النار وأجج الاحتقان القديم ، وانتشر الاحتجاج بقوة وثبات مطالبا بالتغيير . تغيير كل شيء . فتصاعد القمع والقتل وبدأت المواجهات بين الأمن وبين المتظاهرين الذين تعرضوا مرارا للضرب والاعتقال والتعذيب .. ومنازلهم للمداهمة والتخريب.

فقرروا ألا يسلموا أنفسهم للسلطات , وحملوا السلاح للدفاع ولردع الأمن والشبحية , ثم تطور الموقف لحراسة التظاهرات من قبل هؤلاء المتمردين .. ثم بدأت مناطق كاملة بالتحرر من سلطة الأمن ,الذي صار ينظم حملات مداهمة وانتقام بالاستعانة بالجيش ، وبدأت المواجهات بين الشبان المسلحين , وبين مزيج من كتائب الأمن والشبحية والجيش ، وبدأ عدد من الجنود ينشقون وينضمون اليهم وينظمون أنفسهم بشكل أكثر فعالية .. ثم طورت الحكومة عدة نماذج من الحملات الأمنية – العسكرية , والعسكرية – الأمنية .. ولما فشلت كلها , لجأت للقوة العسكرية التي تستخدم السلاح الثقيل والتدمير الموسع ، و بذلك تحولت لسلطة احتلال وليس سلطة حكم .. توجد هذه السلطة حيث توجد الدبابة . وتزول بزوالها ..

لم تكن المناطق السورية كلها معا في مراحل الثورة , بل يوجد بينها تمايزات في الدرجة وغير متزامنة تبعا لعوامل عديدة .. لكن التوسع الأفقي مستمر والعامودي أيضا . والسلطة تتآكل باستمرار بدءا من فقدان الشرعية وصولا لتحولها لسلطة احتلال , فإذا تطورت المقاومة وانهارت القدرات العسكرية سقط النظام ، خاصة وأن بنية الجيش متناقضة وغير مستقرة بوجود عدد كبير من الجنود وأقل منه من الضباط يحاولون الانشقاق والتمرد . ويحتاجون فقط إلى ظروف مناسبة .. لذلك نرى أن مجرد وجود أسلحة مضادة للدرع وبعض الذخيرة سوف تقلب المعادلة بوجود مليون شاب جاهز للقتال في كل المناطق .. وبوجود تعاطف ومساندة كبرى من كل المجتمع حتى المغتربين في الخارج الذين تجندوا لتقديم الدعم ..

حدثت الانتصارات العسكرية الأخيرة للسلطة ضد المناطق المحررة بسبب حرمان الجيش الحر من الذخير والسلاح المناسب ، واستخدام الجيش النظامي لكل أنواع الأسلحة الثقيلة وبكثافة . لكنها مع ذلك لم تعيد السلطة , بل حولت النظام القمعي الترهيبي المبني على الفساد والخوف , إلى مجرد جيش محتل عناصره فاقدي الإيمان والحماس بل راغبين في الهزيمة .

بسبب اضطهاد الأمن والجيش السوري, مواجهة هذه الثورة المخملية بالرصاص أوجد الحاجة لنمط آخر من القيم التي تدفع المحتجين لتحدي الموت .. فكان أن استخدموا قيم مستمدة من التراث الديني , وبذلك حصل مزج سريع وغير متجانس بين التمدن والحداثة والحرية وحقوق الفرد والديمقراطية والليبرالية من جهة ، وبين الشهادة والتضحية والفداء وبقية القيم الدينية من جهة أخرى .. وما يزال هذا المزج يحتاج للتأصيل الفلسفي ، داخل الثقافة السائدة .

استفادت الحركات الدينية من هذا المناخ, وظنت أن الفرصة مواتية لها للانقضاض ,واحتلال الشارع الذي شعرت وكأنه شارعها, في حين أن الأقليات نأت بنفسها كونها شعرت تدريجيا أنها غريبة عن هذا الحراك .. وسيطرت الحركات الدينية جيدة التنظيم والتمويل المكونة في الخارج على تمثيل الثورة، وان بواجهة ليبرالية كرتونية مشلولة وممنوعة من الفعل هي (المجلس الوطني السوري) وسيطرت أيضا على التمويل والإغاثة وتوريد السلاح وعلى بعض الكتائب المسلحة ، وصارت تشتري الولاء مقابل الدعم، وتستبعد وتقصي الآخرين الفاعلين تدريجيا.

وبدأت تحضر نفسها لاستلام السلطة منفردة أو بقشور مدنية ، بهد انهيار النظام ، على أيدي ثورة لم يكونوا هم في بدايتها بل احتكروا نهايتها .. وهكذا تتعرض الثورة للسرقة , ولا تعود هي قاطرة البلاد نحو الديمقراطية والحداثة , بل ربما نحو الاستبداد المتجدد بشكله الديني بعد العلماني ، أو نحو الفوضى والحرب الأهلية ..بالتناغم مع مسعى النظام للبقاء بالقوة والتدمير والإبادة المنهجية ، أو إذا تعذر البقاء , السعي لإسقاط الدولة والمجتمع معه . جماعة وكليا نحو الفوضى والتقسيم .

من هنا نشأت الحاجة للخروج عن هذه التركيبة, وإجراء إصلاحات فورية في تمثيل الثورة وقيادتها وشعاراتها وطرائق دعمها ، وبعد ذلك الإصرار على استمرار الثورة حتى مرحلتها الثقافية , التي تتطلب إعادة إنتاج القيم الدينية , بالتوافق مع قيم العصر والحريات والديمقراطية

نحن كمجموعة الناشطين القادمين من الداخل غير الحزبيين .. نسعى نحو إعادة إنتاج التمثيل السياسي بطريقة صحيحة ومتوازنة ومرتبطة بالداخل ، عبر تأسيس جمعية وطنية انتقالية تتبنى إعلانا دستوريا يحدد الصلاحيات والمهام وينظم العمل المعارض ,ويحدد هوية الدولة والنظام القادم . كما نسعى لانتخاب أمانة عامة لهذه الجمعية تتولى الإشراف على تشكيل حكومة منفى تمثل السلطة التنفيذية المسؤولة عن تنظيم كل الفعاليات في الخارج والداخل , وتحاسب وتراقب من قبل الجمعية الوطنية الانتقالية (T.N.A. ).

والتقدم لمجلس أصدقاء سوريا بخطة واضحة لإسقاط النظام تتبنى الكفاح المسلح المنظم بطريقة وطنية جغرافية وليس حزبية , وبدعم مالي ولوجستي وسياسي من الأصدقاء . وكذلك خطة عامة للمرحلة الانتقالية تتضمن التحضير لمواجهة المشكلات التي ستفرض نفسها صبيحة سقوط النظام , من الناحية الدستورية والسياسية والأمنية والاقتصادية والخدمية والإنسانية .

هذه باختصار هي حال الثورة بعد عام وكلنا أمل في استمرار الضغط على النظام والدعم للمعارضة التي عليها إعادة تنظيم صفوفها وتطوير أدواتها وهذا كفيل بإسقاط النظام هذا العام إنشاء الله .

منتدى فكرة

2 تعليقات
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
حسين
حسين
12 سنوات

الثورة في سوريا بعد عام واحد: خطة لإعادة تنظيم المعارضة
كمال لبواني اصبح مثير للشكوك حول دوره المشبوه , و توقيت اطلاق سراحه و سرعة خروجه من سوريا و انضمامه للمعارضة و من ثما الانشقاق عنها , و كل يوم هناك درس له عن الديمقراطية و المعارضة , انصحه ان يهتم بشؤونه و يعرف حجمه الطبيعي , لا نحتاج الي دروس كفانا و كفي هذا الشعب المسكين المعتر .

جان كورد
جان كورد
12 سنوات

الثورة في سوريا بعد عام واحد: خطة لإعادة تنظيم المعارضة هناك ثورات طويلة الأمد، ولكنها تنجح في النهاية، لأن قياداتها حكيمة وتستوعب الظروف الذاتية والموضوعية جيداً، وهناك ثورات تنجح في وقت قصير ولكن غباء بعض قياداتها تجعلها خاسرة في النهاية، ومن الثورات ما ينتكس لأسباب عديدة. الثورة السورية مستمرة رغم كل العراقيل الدولية والاقليمية، ووحدة القيادة (المعارضة السياسية) ليس هدفاً بحد ذاتها، ولكنها ضرورة مرحلية من ضرورات بناء الديموقراطية، إلا أن الوحدة لاتعني السير كالعميان وراء من يريد ركوب الثورة لتحقيق مصالح شخصية أو حزبية أو فئوية… والحوار وحده يحقق الوحدة لا زرع الانشقاقات و الانفلات باسم الحرية والثورة و(حماية)… قراءة المزيد ..

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading