من حسن طالع اليمن أنه يقع جغرافياً إلى جوار السعودية، ومن سوء طالع اليمن أنه يقع جغرافياً إلى جوار السعودية.
هذان الرأيان المتناقضان كلاهما صحيح، وهناك مبررات قوية تدعم كلاً منهما على حدة. وقد أوضحت في حلقة الأمس أن ما لا يدركه الحوثيون هو أن سر اهتمام العالم بنا ورغبتهم في تحسين أوضاعنا هو قربنا الجغرافي من آبار النفط السعودية.
ولكن في المقابل فإن وجود أثرياء النفط إلى جوارنا يجعلنا ندفع ثمناً باهظاً من دمائنا وأقوات أطفالنا حرصاً على مشاعر أشقائنا من احتمال نجاح ثورتنا وتفعيل ديمقراطيتنا، وعدم تزوير انتخاباتنا، وتحقيق مدنيتنا، وقبول تعايشنا مع بعضنا بما يكفل حسن إدارة خلافاتنا واختلافاتنا، وإثراء تنوعنا، وتنظيم أحزابنا، وترسيخ تعدديتنا، الأمر الذي قد ينقل العدوى إلى جيراننا، فيطالبون بإزالة التعب عنهم لينالهم من التغيير ما نالنا، وأن تتساوى بلدانهم بصنعائنا، وأن يختاروا برلمانهم كما نختار ممثلينا، وأن يسائلوا أمراءهم مثلما نحاسب مسؤولينا، وقد يتجرأ شعبهم ويطالب بإقالة فاسديهم مثلما فعلنا أو سنفعل بفاسدينا.
فأيهما الأكثر نفعاً لنا؟ ذلك الأوروبي والأمريكي الذي التقت مصلحته مع مصلحتي؟ أم جاري المسلم الذي يخشى من ديمقراطيتي وصلاحي؟
ما لا يدركه الحوثيون هو أن جيراننا ينظرون إلى حركة الإخوان المسلمين في اليمن بأنها أخطر عليهم من الحركة الحوثية؛ لأن الإخوان قبلوا بالاحتكام للديمقراطية.
ومشروعهم هو جزء من مشروع بناء اليمن الكبير وليس مشروعاً صغيراً يمكن عزله ومحاصرته في صعدة أو في الضالع أو في حدة والسبعين.
أما أولئك الذين يخلطون بين الإخوان والسلفيين لمجرد أنهم سنة فإنهم لا يدركون أن أميراً كبيراً يفرق سياسياً بين الجانبين، ولم يتردد في المجاهرة علناً برأيه أنه من ألد أعداء حركة الإخوان المسلمين منذ أن عارضت الحركة دخول القوات الأجنبية لتحرير الكويت عام 1991.
ولا أدري كم كان سن عبدالملك الحوثي حينها ولكني أحيله إلى مقابلة مطولة أجرتها مع ذلك الأمير صحيفة السياسة الكويتية، بعد حوالي عشر سنوات من حرب الخليج الأولى وعبّر فيها الأمير عن مكنوناته تجاه حركة الإخوان المسلمين في العالم العربي، ويستطيع أي باحث العثور على المقابلة بسهولة من أرشيف الصحيفة.
وما لا يدركه الحوثيون هو أن المجتمع الدولي يتفق مع الحركة الحوثية في بعض المخاوف من انفراد أي تيار متشدد داخل التجمع اليمني للإصلاح بحكم اليمن، ولهذا يحاول المجتمع الدولي الإبقاء على المؤتمر الشعبي العام كشريك في السلطة على الأقل في الفترة الانتقالية، بالإضافة إلى إشراك قوى أخرى في الساحة خارج التجمع اليمني للإصلاح من أجل تحقيق شراكة وطنية حقيقية في صنع القرار ومنع الانفراد بالحكم تحت أي مسمى عائلي أو قبلي أو عسكري أو مناطقي.
وما لا يدركه الحوثيون هو أن إشراك المؤتمريين في الحكم خلال الفترة الانتقالية جاء بضغط شديد من المجتمع الدولي على المعارضة اليمنية، وذلك لمنع العناصرالمتطرفة في المؤتمر من التحول للإرهاب تحت مسمى مقاومة، وكذلك لإسباغ نوع من التوازن مع التجمع اليمني للإصلاح بسبب إحجام الحركة الحوثية والحراك الجنوبي عن المشاركة في العملية السياسية.
وفي اعتقادي الشخصي أن المجتمع الدولي كان متحمساً لمشاركة الحوثيين والحراك في المجلس الوطني الذي كان بمثابة توسعة خلاقة لتجربة المشترك، ويتقاسم المجلس الوطني السلطة حالياً مع المؤتمر.
ولكن حسب معلوماتي فإن دول الاتحاد الأوروبي – على وجه التحديد – وقفت مندهشة من إصرار الحوثي على تضييع فرص ذهبية له للاندماج في العملية السياسية، فقد رفضوا المشاركة في المجلس الرئاسي الانتقالي الذي أعلنته الناشطة الشبابية توكل كرمان في السابع عشر من يوليو الماضي، كما رفضوا المشاركة لاحقاً في المجلس الوطني الذي أعلنته أحزاب المشترك.
وما لا يدركه الحوثيون هو أن العملية السياسية في اليمن سوف تمضي قدماً بهم أو بدونهم، فإذا أرادوا أن يركبوا قطار المشاركة مع بقية مكونات الوطن فخير ما يفعلون، وإن أرادوا إقصاء أنفسهم فأسرع وسيلة توصلهم إلى ذلك هي ركوبهم قطار الطرف الآخر، وهو القطار الذي سوف يوصلهم إلى المنفى في أبوظبي ضمن قائمة تتكون من 17 شخصاً، ليس بينهم لا سلطان البركاني ولا أحمد الصوفي ولا الدكتور النهاري، ولا غيرهم من المدافعين بحماس عن رجل يفترض أن يتخلوا عنه قبل أن يتخلى عنهم.
وما لا يدركه الحوثيون أن التعاطف النسبي الداخلي والخارجي معهم خلال حروبهم الستة مع النظام كان مستنداً في الأساس على مظلوميتهم وعلى تصديهم للنظام، وبمجرد أن يحول الحوثيون أنفسهم من مظلومين إلى ظلمة أو من مقارعين للفساد إلى حلفاء له، فإنهم بلا شك يخسرون ورقة سياسية هامة من أوراقهم.
وما لا يتذكره الحوثيون هو أن أخاهم الشهيد حسين بدر الدين عندما رفع شعار «الموت لأمريكا الموت لإسرائيل» كان يحاول بهذا الشعار التعريض بعلي عبدالله صالح، متفادياً المطالبة بإسقاطه صراحة، ولم يكن الظرف حينها قد نضج للمطالبة بإسقاط النظام.
ومنذ بدء صرخة الشعار في الجامع الكبير بصنعاء قبل عشر سنوات حتى الآن حدثت تطورات مذهلة كان آخرها اندلاع ثورة شبابية تحمل شعاراً صريحاً هو «الشعب يريد إسقاط النظام»، فما الجدوى من استمرار شعار آخر يجلب الأذى لليمن واليمنيين ويوحي بتبني الحركة الحوثية لاستراتيجية تنظيم القاعدة بشأن مواجهة العدو البعيد بدلاً من العدو القريب، وهي الاستراتيجية التي أدت إلى تدمير بلدين مسلمين مقابل برجين تجاريين، وانتهت بإلقاء جثة صاحبها في البحر.
وما لا يتذكره الحوثيون هو أن انشغالهم بتحقيق نجاحات ميدانية مسلحة ضد نظامين عربيين متخلفين بين 2004 و 2009، كان يبرر إلى حد ما عزوفهم عن التحول إلى حركة سياسية شرعية، أما إصرارهم منذ انتهاء الحرب السادسة مع النظام حتى الآن عن عدم ترجمة نجاحاتهم الميدانية إلى نجاحات سياسية عن طريق تأسيس حزب سياسي يشارك في الحياة السياسية ما هو إلا مؤشر خاطئ على رفضهم للآخر والسعي للهيمنة المنفردة على اليمن أو على جزء من اليمن، وهذا ما لن يسمح به المجتمع الدولي ولن يسمح به المجتمع اليمني.
وما لا يدركه الحوثيون هو أن العامين القادمين سيتم فيهما رسم خارطة اليمن الجديد وتأسيس مشروع الوطن الكبير، ومن المؤمل أن يكون الحوثي جزءاً من هذا المشروع القائم على قبول التنوع والتعددية واحترامات المذاهب والثقافات والآراء، وإذا اختار الحوثي التقوقع في مشروع صغير فإن شباب محافظة صعدة سيجدون طريقهم إلى المشاركة في المشروع الكبير تفادياً لإقصاء المحافظة من مكاسب مشروع اليمن العظيم. وعندما يجد أبناء محافظة صعدة أنفسهم في رخاء ووضع أفضل في ظل اليمن الجديد فإن ذلك لا يعني سوى شيء واحد، وهو أنهم قد سحبوا البساط من تحت الحوثي واختاروا طريقهم بأنفسهم بعيداً عن الوصاية الأسرية أو السلالية.
وما لا يدركه الحوثيون أني كمواطن يمني لو خيرت بين الوصاية الأسرية والوصاية الدولية لاخترت بلا تردد الوصاية الدولية، في ظل غياب أي خيار ثالث أكثر رحمة بي من الخيارين السابقين.
وختاماً لهذه الحلقة يجب التأكيد على أني لا أحمل أي عداء للحوثيين بل كنت دوماً مدافعاً شرساً في كل المحافل عن مظلوميتهم، لدرجة أن البعض كان يعتبرني ناطقاً باسمهم، ولهذا فإني أتمنى أن تؤطر الحركة نفسها في إطار سياسي بمسمى جديد غير المسمى الأسري الذي يطلقه الآخرون عليهم. وربما يفتح المسمى الجديد الطريق أمامهم لتمثيل قطاعات واسعة من المجتمع اليمني بدلاً من حصر أنفسهم في المذهب أو الأسرة أوالمنطقة.
وليتذكر الحوثيون أنهم قد تعرضوا للظلم والحرب والإقصاء والتشهير والإساءة وسالت دماؤهم، ودمرت بيوتهم وشردت أسرهم، بما لم يحدث لغيرهم أبداً في اليمن بالقدر الذي حدث لهم، ولذلك فإن عليهم ألا يمارسوا ضد غيرهم ما رفضوه ضد أنفسهم، وعليهم أن يدركوا أن أسهل طريق يمكن أن يسلكوه لإقناع الآخر بالقبول بهم هو أن يقبلوا بالآخر المختلف عنهم حتى لو كان أمريكياً أو يهودياً، فما هي الجدوى يا سادتي أن أتمنى الموت والهلاك لإنسان مثلي لمجرد أنه يهودي أو نصراني؟ أليس هذا هو فكر القاعدة الممقت؟.
كاتب يمني
ما لا يدركه الحوثيون 2-2 ما لا يدركه الكاتب وهو أن العقل المعتزل ومنه المعتزلة ،مشكلته الاساسية في رفض الآخر وهو بهذا شريك مضارب للخوارج قديما و القاعدة معاصرة. و الجارودية فرقة من الزيدية ، ولكنها الصق بالبترية منها بالزيدية. وهذه المسائل لا ينفع فيها ليبرالي غربي أو يساري متلبرب ( أي متحول إلى الليبرالية ) لعدم الوعي عندهما بتقفي بواطنهم فسرعان ما يقعان في تقيتهم( حال الاميركيين مع العراق و اليسار اللبناني عندما قامت الثورة الإيرانية و إلى اليوم – الحزب الشيوعي اللبناني و حال هيثم مناع تقريبا).فالحوثيون بالتحاقهم على خطى الجارودية أدخلو انفسهم في الغلاة فاستسهلوا الخمينية.و كذا… قراءة المزيد ..