قام قبل ايام عدد من الشبان باقتحام مبنى المعهد العربي المهني والتربوي (مهنية الحسين بن علي) في بئر العبد، وخرّبوا بعض مقتنياته عند التاسعة مساء، علما ان المعهد يقع قبالة مبنى يضم مركز اللجنة الامنية التابعة لحزب الله. بالتأكيد لم يقم عناصر اللجنة الامنية بالاعتداء، لكن ألا تعتبر اللجنة الامنية مسؤولة عن امن محيطها؟
في المقابل تتعامل القوى الامنية مع هذا الاعتداء باعتباره يقع ضمن منطقة امنية خاصة، ما يعفيها من البحث الجدي عن الفاعلين. واذا كان الحديث هنا عن نموذج يتكرر في اكثر من حي، فإننا لن نشير الى نماذج وامثلة باتت تضج في اذهان بعض العائلات من ظواهر تتصل بالمخدرات وتوزيعها، او سوى ذلك من الامور التي تنمو معها وتتصل بها. وهي ظواهر تعكس مسارا من تمزق النسيج الاجتماعي وتراجع القيم الاخلاقية والدينية، رغم تعدد المظاهر والرموز الدينية في المنطقة.
امس عمدت قوة مؤللة من الجيش اللبناني ضمت اكثر من 70 جنديا في مؤشر ايجابي، الى دهم منطقة “حي فرحات” الملاصقة لمخيم شاتيلا في ضاحية بيروت الجنوبية، وعمدت الى ازالة بعض مخالفات البناء، وتحديدا خلف ما يعرف بقصر الرئيس صبري حمادة.
تأتي هذه الخطوة غير المسبوقة في منطقة تعتبر على اطراف الضاحية، وتأتي بعد مواقف نسبت الى وزير الداخلية مروان شربل عن مرحلة جديدة بدأت بالتنسيق مع حزب الله ودعمه لمباشرة قوى الامن الداخلي مهماتها كاملة في احياء الضاحية، مع مراعاة الخصوصية الامنية لمسؤولي حزب الله في هذه المنطقة.
وفيما اشارت المعلومات التي تناقلها المقيمون في حي فرحات الى ان قوة الجيش عمدت الى ازالة جزء من التعديات التي باشرها مواطنون منذ ايام، بقي السؤال قائما حول استكمال هذه المهمة في هذا الحي. وليس خافيا على أحد ان هذه المنطقة وغيرها من المناطق “الطرفية” في الضاحية، مثل حرش القتيل، حي السلم، برج البراجنة، الرمل العالي ومحيط مطار رفيق الحريري، الغربي والشرقي، شهدت قبل شهور طفرة من المخالفات التي عجزت القوى الامنية او تراخت في قمعها بحسب الآراء المختلفة.
واذا كانت المواقف التي تتسرب وتعلن من قبل قيادة حزب الله تؤكد على ضرورة قيام الاجهزة الامنية والعسكرية بدورها في الضاحية، الى حد تحميلها القوى الرسمية مسؤولية التقصير في متابعة الملف الامني وردع التجاوزات هناك، تشير في هذا السياق اوساط معنية الى ان الحزب عمد الى تأمين مواقع ميدانية مؤهلة لان تشكل مقرات عسكرية او امنية رسمية في قلب الضاحية، من دون ان يلاقي تجاوبا من قبل هذه الجهات الرسمية.
لاشك ان حزب الله تلمس عدم نجاح تجربة حملة “النظام من الايمان” التي اطلقها في الضاحية قبل عامين ورصد لها موازنة مالية وفريق عمل كبيرين، او ان هذه التجربة لم تحقق الهدف المرجو منها، باعتبار ان مناطق الضاحية واحياءها لم تزل عرضة لمظاهر مستمرة من الخروج على القانون. وهو ما يبرز في ظاهرة مصادرة العديد من الارصفة وتحويلها الى ملكيات خاصة يجري استغلالها تجاريا سواءً عبر انتشار المقاهي المفتوحة، إلى مظاهر سلبية بعضها مسيء للمحيط الجغرافي والاجتماعي، إلى غير ذلك من انفلات ظاهرة الدراجات النارية غير القانونية بشكل واسع، و”مافيا الفانات” وتبلور مجموعات من “شبيحة الاحياء” الذين بتصرفون باعتبارهم اصحاب الحول والطول في التعامل مع الكثير من القضايا التي تتيح لهم اظهار قدرتهم على ابراز نفوذهم وسلطتهم. وقد يبرز ذلك في التحكم بشبكات “الستالايت” الخاصة او احتكار توزيع مياه الشفة واشتراكات مولدات الكهرباء، وصولا الى بيع الكهرباء العامة للمواطنين عبر شبكات خاصة تستفيد من نظام التقنين كما يحصل في احياء كالمريجة وحارة حريك والشياح، على سبيل المثال لا الحصر.
ظاهرة الفوضى وضبط حدودها بقيت في مناطق الضاحية من المحظورات التي لا يجوز تناولها بشكل علني منعاً للاستغلال السياسي، على ان هذا السلوك بدأ يُظهر نتائج سلبية باعتبار ان هذه الفوضى تأكل المبتلين بها قبل ان تصيب مناطق اخرى.
وحزب الله الذي ينهمك في مواجهة العالم الخارجي، من المشاريع الدولية والاقليمية وصولا الى تلقي تداعيات العقوبات التي تطال رجال اعمال ومواطنين لبنانيين شيعة من افريقيا الى الخليج العربي وصولا الى الاميريكيتين، يجد نفسه ايضا، وبسبب خصوصيته الامنية والسياسية، معنيا بمواجهة تداعيات هذه الخصوصية في حاضنته، وتحديدا مع تولّيه السلطة الكاملة في الحكومة الحالية.
حزب الله هذا يدرك اليوم أنّ ملف الامن الاجتماعي بات قميصا يلطخ صاحبه، وهو قميص لم يزل يتردد في نزعه (شماعة “الخصوصية”) رغم كل المواقف التي اسلفنا، فسؤال الدولة لم تعد الاجابة عليه مسؤولية الآخر… انها مهمة ملحة بعدما تسلل غيابها الى البيوت… وإن كانت محصنة.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
• البلد