في هذه الارض في بعض الأمكنة يتنامى صمت رهيب موحش، وخوف يغرسه دكتاتوريون في القلوب بقسوة، فيقتات الرعب على عزائم الناس ويلتهم كرامتهم، ومن ثم ينمو ويتفشى كالوباء القاتل عبر الاجيال القادمة…
في هذه الارض رعب يتجول في كل مدينة.. رجال امن ونقط تفتيش تنتشر وثكنات عسكرية.. وجواسيس تجوب الشوارع كالضباع الجائعة تبحث عن فريسة.. وعند كل صلاة وبسذاجة سمجة، يحمد الناس الربَّ على نعمة الامن والأمان، ويطلبون منه بخشوع صادق ان يديمهما عليهم..
في هذه الارض لم يعد احد يكترث بالآخر، طالما في معدته طعام وفي حسابه البنكي حفنة من المال، بالرغم ان بكاء المقهورين يدوي عبر كل وسائل الاعلام، وتضرر المعدمين تقاسيمه مرسومة على اجسادهم المترهلة الجائعة، وصراخ السجناء المظلومين وانينهم يحفر معالمه على وجوه ذويهم الحزينة..
في هذه الارض انت حرّ، طالما لا تكتب ولا تتحدث ولا تبدي موقفا ضد اي امر أو قرار نفذته السلطة.. انت حر في كل ما تفعل وما تقول، طالما لا تمس اياً من الخطوط الحمراء أو الصفراء أو الخضراء بل كل الخطوط المحظورة بجملة ألوانها…
في هذه الارض كل ساعة..تطل المذيعة بوجهها الملطخ بأصباغ تجميلية صارخة، وكأنها موعودة بلقاء حبيب لم تره منذ سنين.. تحدق في اعين المشاهدين.. وتقرأ ببلادة معتادة أخباراً مخيفة.. بدون ان ترف جفونها المستعارة..
في هذه الأرض.. سجون غوانتامو منتشرة في بقع سوداء من العالم.. يقبع فيها معتقلون لِمُدَد طويلة بدون محاكمة.. ومرّات يُمارس على بعضهم التعذيب حتى الموت.. ومن ثم يسجلون على انهم توفّوا بأسباب مشاكلهم الصحية..
في هذه الارض، القسوة وصلت ذروتها.. مافيا ومليشيات تحترف تجارة البشر والجريمة المنظمة.. وهناك طفلة ملقاة على ناصية الطريق تئن وتسيل دماءها امام اعين الناس ولا احد يهب لإنقاذها.. وثمة قصف مدفعي مستمر على مدن محاصرة بائسة.. ويهوي المتظاهرون فيها واحد تلو الأخر.. حتى تقرّف الطرقات من جثث شهدائها..
في هذه الارض لم يعد للرحمة مكان، مثلها مثل الدعوات لحقوق الانسان وقبول الآخر والتعبير بسِلم وبحرية. من لم يسر وراء القطيع يُعد خائناً لوطنيته ومنكرا للعقيدة.. وتلصق به تهمة الاستقواء بالخارج والعمالة.. ان لم تكن معنا فأنت بالتأكيد عدو لنا.. هذه هي السياسة القذرة..
في هذه الارض دول كبرى ومجلس امن وامم متحدة يتداولون شئون البشر على حسب مصالحهم السياسية والاستراتيجية.. والأهم المصالح الاقتصادية.. الثروات الطبيعية في البلدان غير المتقدمة هي الكعكة الباهظة الثمن، حيث تتقاتل عليها الدول العظمى ويصبح الانسان في تلك المعارك بلا ثمن ولا قيمة…
في هذه الارض من لديه سلاح نووي او لديه دولة حليفة تملكه، اعطى لنفسه الحق ان يفعل ما يشاء.. يعتدي ويعبث بمصير شعبه ويستقوي على دول الجوار، فيضرب بعرض الحائط كل المواثيق الحقوقية العالمية التي اقرتها الدول وصادقتها…
في هذه الارض الفاسدون كثر.. اكثر من الهم على القلب.. لأن الفساد صار يجري في دماء الكثير، خاصة الرجال السياسيين والمترفين منهم.. حيث تتفتق جيوبهم من وفرة المال الحرام.. والانسان النزيه بالكاد يجد اللقمة.. ويوهمون الناس عبر الاعلام المسيس ان تلك ازمة اقتصادية عالمية!
في هذه الارض الطبيعة ومخلوقاتها في حالة احتضار، والبيئة تلوثت الى حد الاختناق، والماء والهواء لم يعدا نقيا كما كانا بسبب جشع مالكي الشركات الكبرى..
في هذه الارض الحال صعب جدا.. فقد ضاقت الدنيا بشدة على المطالبين بحماية البيئة والسلام والحرية والعدالة الاجتماعية لكافة البشر.. ليعود من جديد صوت الشاعر العراقي مظفر النواب ويطرح السؤال نفسه يا ترى “هل أرض هذه الكرة الأرضية أم وكر ذئاب؟”
salameyad@hotmail.com
* كاتبة من السعودية