لم تكن المشاركة النوعيّة في لقاء سيّدة الجبل سوى تعبير عن ضيق النخب المؤمنة بمشروع 14 آذار من عدم قدرة بعض قيادات هذا الفريق على التصديق بأنّ ما جرى في المنطقة منذ إحراق محمد البو عزيزي لنفسه لم يكن ربيعاً مزيّفاً.
والذين شاركوا بصفتهم المسيحيّة تخطّوا الانتماء الى هويّة دينيّة وتكلّم معظمهم بلسان من ينظر الى الثورات العربية كأنّها الحلم الذي لم يستطع من حملوا أمانة ربيع لبنان أن يكملوه ولا يزالون.
كان هؤلاء أشبه بالهاربين من عجز 14 آذار عن نقل الحلم الى حقيقة، وكانوا أيضا في حالة الشعور بالنقمة والازدراء تجاه قيادات غرقت في عجزها الى درجة باتت تصطفّ على رصيف الأحداث بدءاً من اللامبالاة وانعدام التقدير الذي واكب سقوط النظام التونسيّ مروراً بالإحباط الذي رافق سقوط الحليف مبارك، وبالحماس لثورة الشعب الليبي المقرون بشعور دفين بأن لا ضير من إعلان موقف مؤيّد للثورة الليبيّة لسبب أنّ النظام المجنون ليس هناك مَن يأسف على رحيله، وصولا إلى الحياد البائس في الموقف من الثورة السوريّة الذي تحوّل الى تأييد يلهث للّحاق بالثورة، ويطمح فقط لحجز مكان في سوريا ما بعد الأسد، انتهاءً بالانتساب الى الربيع من دون تعبئة استمارة ومن دون مباشرة العمل.
كان هؤلاء يقولون لقيادات 14 آذار: لم تكتفوا بالتقصير وبالقصور، وفرّطتُم بما أُنجِز في العام 2005، وها أنتم اليوم تنتظرون كأن لا مهمّة لكم سوى الانتظار، فماذا تنتظرون؟
كانوا يقولون: تشاهدون الخرق اليوميّ للحدود وملاحقة الناشطين السوريّين، ولا تملكون القدرة على القول للحكومة ارحلي أو استعدّي للرحيل، ولا تعملون على إنتاج الأدوات التي تجعل من صوتكم سوطاً يعيد إلى الربيع اللبناني ربيعه، ومع ذلك تجاهرون بالانتساب إلى الربيع العربي.
كانوا يقولون: تراقبون بألم وبصمت خطاب المرجعيّات الدينيّة الذي يعيد عن قصد أو غير قصد إحياء خطاب المتاريس الطائفيّة ورسم جغرافيات المذاهب، ثمّ تتباهون بوقاحة بأنّ هناك في مصر وتونس وسوريا من أصبح يطالب بالدولة المدنيّة، وتنتقدون بقسوة خطاب الجليل الليبي الذي يعلن دولة ما بعد الثورة دولة تستمدّ تشريعها من الشريعة، وكأنّكم لا تتقنون إلّا فنّ المزايدة على مَن صنعوا الربيع بدمائهم، وحرفة الاختباء عندما يتطلّب ربيعكم التضحيات. كانوا يقولون: تطمحون دائما إلى اللعب في ملعب خصومكم، في وقت كنتم تستطيعون منذ الـ 2005 سحبهم الى ملعبكم، واليوم تكرّرون الملهاة ذاتها، فلم تنتبهوا إلى أنّ خوض معارك حول قوانين الانتخاب نسبيّة أو أكثرية قبل سنتين من إجراء الانتخابات هو أشبه بمبارزة افتراضيّة لا تصلح لمواكبة سرعة الأحداث في منطقتكم، وكأنّكم تتحضّرون لخوض انتخابات بقانون سوف يصدر عن حكومة ستبقى الى العام 2013 محتفظة بغطاء النظام الذي انتجها، هذا بدلا من أن تحضّروا أنفسكم كي تعرفوا أن تنتصروا عندما ستذهب هذه الحكومة مع من أتى بها.
كانوا يقولون لهم: راقبوا جيّداً لهفة الرئيس برّي بدعم من حزب الله لإعادة إحياء الحوار الذي أجهضه الحزب ولاحظوا جيّدا أنّ من يطلب الحوار يعرف أكثر ممّا تعرفون أنّ مرحلة ما بعد النظام السوريّ قد بدأت وأنّها تتطلّب إعادة ترتيب الأولويّات، فهل جهّزتم أنفسكم للجلوس على طاولة المفاوضات الصعبة؟ وماذا لديكم لتطرحوه من أوراق؟
من داخل قاعة مؤتمر سيّدة الجبل ومن خارجها أصداء لأصوات صنعت ربيع لبنان الذي لم يكتمل، أصوات لن تكتفي بمجرّد مساءلة قيادات 14 آذار، بل ستتوجه إليها بطلب عاجل: بالله عليكم إوقِفوا مؤقّتاً التهليل للربيع العربي، على الأقلّ بانتظار أن تعيدوا الحياة إلى ربيع لبنان.
* كاتب لبناني
الجمهورية