يستمد محمد حسنين هيكل أهميته من قدرته على ضخ أفكار جديدة في الحقل السياسي العربي. وقد أغنى هذا الحقل، مؤخراً، بفرضيات عن مشروع للغرب، على غرار سايكس ـ بيكو يستهدف تقسيم واقتسام العالم العربي، لا بواسطة الجغرافيا، كما كان الشأن في الماضي، بل عن طريق الموارد والمواقع هذه المرّة.
إن مجرد إلصاق تسمية من نوع سايكس ـ بيكو بهذه الفرضية أو تلك يقرع في ذاكرة العرب الأحياء أكثر من ناقوس للخطر. وبما أن التسمية في سياقها القديم كانت مرفوعة على ساعد المؤامرة، فإن التسمية في سياقها الجديد تستدعي كل تداعيات وظلال واستيهامات نظرية المؤامرة، ذات النفوذ الواسع في المخيال السياسي العربي.
وبما أن سايكس ـ بيكو الجديدة تأتي في ظل التحوّلات الراديكالية التي تعصف بالعالم العربي هذه الأيام، فإن نظرية المؤامرة تبدو هدية من السماء لجناح من أجنحة الثورة المضادة. الجناح الذي يدافع عن بقاء الأنظمة القائمة لأنها تعترض مؤامرة ترتدي طابع ثورات شعبية تهدد الاستقرار مرّة، ولأن هذه الثورات ستأتي بالإسلاميين إلى سدة الحكم مرّة أخرى. وهذا لسان حال آل الأسد، وآل القذافي وصالح وغيرهم.
الجناح الثاني للثورة المضادة يحاول الاستيلاء على الثورات من داخلها، إما عن طريق تعزيز جماعات وقوى، أصولية في الغالب، تربطها علاقات بمشيخات النفط، أو بتقديم خدمات دعائية وإعلامية ومادية للثورات على أمل استيعابها والتأثير على تحوّلاتها السياسية. وهذه لعبة حكّام قطر وآخرين في مشيخات النفط. وبالعودة إلى نظرية المؤامرة، فقد عثر أكثر من محلل في العالم العربي على ما يبرر النظر إلى الحركة النشطة لمشيخات النفط في شؤون سوريا وليبيا واليمن كتجليات لدور محتمل في مؤامرة سايكس ـ بيكو الجديدة.
وإلى كل ما تقدّم تُضاف حقيقة أن التحوّلات الراديكالية السريعة والمتلاحقة في العالم العربي، منذ مطلع هذا العام، تثير القلق لأن ملامحها النهائية لم تتبلور بعد، وبالتالي فإن عدداً لا بأس به من شبكات رجال الأعمال، والفئات المستفيدة من النظام العربي القديم (أي عالم ما قبل الثورات العربية) ولهؤلاء منافذ إعلامية، ومنابر سياسية كثيرة، يستثمر مشاعر القلق في التحذير من مخاطر تلك الثورات، ولا يجد غضاضة في استفادة من تداعيات محتملة لنظرية المؤامرة.
للتعليق على كل ما تقدّم فلنقل إننا إزاء مشهد بالغ التعقيد، حيث تتداخل المصالح والأدوار، هذا أولاً. ولنقل، أيضاً، إن تحليل الواقع يحتمل أكثر من أداة، ومن منهج في التحليل، طالما بقينا في حقل العلوم الإنسانية، وهذا ثانياً.
لذا، فلنفكر بطريقة مغايرة، ولنقل إن فترة الانقلابات العسكرية، التي عاشها العالم العربي منذ العام 1949 قد انتهت في العام 2011، وأن العالم العربي يدخل مع الثورات العربية مرحلة جديدة من تاريخه. ولنقل إن المرحلة الجديدة، التي قد تغطي النصف الثاني من هذا القرن ستشهد صعود الإسلام السياسي وانحساره قبل إنشاء نظم ديمقراطية حقيقية تغرس الثورات العربية بذرتها في العالم العربي هذه الأيام.
ما معنى هذا الكلام؟
معناه أن هذا النظام أو ذلك لا يملك الحق في البقاء، إلا إذا استمد شرعيته من صندوق الاقتراع. وأن الشرعية المستمدة من صندوق الاقتراع تعني التنافس بين برامج انتخابية، وأن التنافس بين برامج انتخابية يعني شرعية نقد ونقض المسوغات الأيديولوجية والسياسية لهذا النظام أو ذاك.
فقد يزعم هذا النظام بأنه يمثل العروبة أو الإسلام، وهذا الزعم لا يمنحه الحق في إنكار سعي المعارضين للإطاحة به بطريقة مشروعة في انتخابات قادمة، طالما كان صندوق الاقتراع هو الفيصل. وقد يزعم هذا النظام أو ذاك بأنه يخوض معركة البقاء والمصير والتحرير، وهذا الزعم لا يمنحه الحق في تجريد الآخرين من حق التشكيك في طريقة إدارته لمعركة البقاء أو المصير أو التحرير. باختصار، اكتسب “النسبي” حيزاً جديداً في الحقل السياسي العربي على حساب “المُطلق“.
هذه البذور جديدة تماماً، وقد كانت غائبة ومغيّبة في الفترة التي حكمت عليها الثورات العربية بالأفول. كانت المعارضة المصرية لا تملك الحق في مساءلة عبد الناصر بشأن قمع الحريات وتكميم الأفواه، وكانت المعارضة العراقية لا تملك الحق في مساءلة صدام حسين بشأن الحرب العبثية الفاشلة في إيران والكويت، وكانت المعارضة الليبية لا تملك الحق في مساءلة القذافي بشأن المغامرات الحمقاء في تشاد وغيرها. وكانت المعارضة السورية لا تملك الحق في مساءلة حافظ الأسد في توريث ابنه. هذه مجرد أمثلة. فكرة المعارضة لم تكن شرعية في ظل هذا النوع من الأنظمة، وحتى مساءلة النظام بشأن طول فتره بقاء هذا الحاكم أو هذا الحزب في سدة الحكم لم تكن شرعية.
كل هذا قد انتهى. هذا لا يعني زوال بقاياه من الواقع في وقت قريب، ولكن زمنه مضى وانقضى. البذور دافئة في التربة. لن تبرعم، للأسف، في وقت قريب. ولكن هذه البذور، بالذات، هي المستقبل الذي لن يتمكن الإسلام السياسي من تأجيله أو الالتفاف عليه.
بهذا المعنى، واستناداً إلى ما تقدّم، وصف مرحلة ما قبل الثورات العربية بمرحلة المشروع القومي العربي، أو ما تبقى منه، على طريقة هيكل، لا يسهم للأسف في تحليل تلك المرحلة بطريقة موضوعية، ولا في تفسير ما حدث ويحدث في العالم العربي هذه الأيام. وإذا كانت ثمة من ضرورة للحديث عن مشروع يستهدف الحواضر العربية (ولا وجود للعالم العربي من دونها) فهذا المشروع لا يأتي من الغرب، بل يأتي من محدثي النعمة الجدد في مشيخات النفط، الذين يحاولون هذه الأيام إعادة تشكيل العالم العربي على صورتهم.
كاتب فلسطيني يقيم في برلين
Khaderhas1@hotmail.com
سايكس بيكو الجديدة أم أغنياء النفط..!! لا أحد يقلل من حديث الأستاذ هيكل.ولكن للأسف كان الموقف غريبا فيما يتصل:1-بأدعاء عدم امتلاك الصورة كاملة والرؤية المستقبلية لدى اي طرف(في مصر).ألتعليل:هذة بالأصل فضيحة تحسب على الأخوان والوفد لأنهم معارضة تاريخيه اللي لـخبط وضعهم غير اللي ذكره الأستاذ عنهم من تبريرات. أما بقية أطياف المعارضة فمواقفها وطنية وشعاراتها العامة وليدة تكوينها.وحساباتها متصلة بالتأسيس لمبادىء الحريه.2-( بالنسبة لسوريا)كان مستغربا ابتعاد الأستاذ عن الحديث عن المجال الأقليمي لسوريا .في نفس الوقت اللي ركز على موقف الطبقه الوسطى في دمشق وحلب. مستغرب الا يركز الحديث عن النظام :وسائله,… أخيرا:كلا من احفاد سايكس والزفتةمن حقهم ان يضعوا… قراءة المزيد ..