“الشفاف” – خاص
السجال الدائر بين الرئيسين ميقاتي والحريري حول “المسؤول” على إلغاء التأشيرات المسبقة للإيرانيين لا يمسّ سوى جانب بسيط من الطلبات الإيرانية من لبنان. فنظام الملات في طهران يضغط على الحكومة اللبنانية للحصول على “إمتيازات” أخرى بعضها مصرفي، وبعضها مالي، وبعضها نفطي، وبعضها يتعلق بطيران الشرق الأوسط. ومطالب الإيرانيين المطوّقين بالعقوبات الدولية تشبه مطالب نظام الأسد الذي قيل ان أنصاره استخدموا المصارف اللبنانية ومحلات الصرافة لتحويل أموالهم إلى دبي وغيرها، وهذا ما تداولته الأنباء حول وجود حساب للبنك المركزي السوري لدى البنك المركزي اللبناني.
وكان خبر إلغاء التأشيرات المسبقة قد ورد لأول مرة في برقية لوكالة “إرنا” الإيرانية وجاء فيه:
بيروت/ 7 أيلول / سبتمبر / إرنا – من المقرر أن تبحث الحكومة اللبنانية في جلستها العادية اليوم الأربعاء اقتراحاً قدمه وزير الخارجية عدنان منصور ويقضي بإعفاء المسافرين الإيرانيين إلي لبنان من تأشيرة الدخول.
وفي هذا السياق أعلن وزير السياحة اللبناني فادي عبود تأييده لإعفاء المسافرين الإيرانيين من تأشيرة الدخول إلي لبنان، وقال رداً عن سؤال لإذاعة ‘لبنان الحر’ المحلية: ‘حتماً سنوافق علي إعفاء الإيرانيين من تأشيرة الدخول لأنهم يشكلون عنصراً مهماً للسياحة بل هم أساس في السياحة لدينا’.
وبعد إعلان إلغاء التأشيرات، أوضحت مصادر وزارية لقناة “الجديد” حول إلغاء تأشيرة الدخول للرعايا الإيرانيين أن “مجلس الوزراء وفي جلسة السابع من ايلول لم يلغ تأشيرة الدخول للإيرانيين وانما سمح بالحصول عليها في المطار وعلى المرافىء الحدودية وهذا إجراء يعمل به مع أكثر من 50 دولة بمن فيها الدول التي تسعى لمكافحة الإرهاب”.
<img2355|center>
وأوردت صحيفة “السفير” اللبنانية في سياق تقرير عن لقاء جرى بين رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي ووزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون في مكتب الامين العام للامم المتحدة بصفة أن لبنان هو الرئيس الحالي لمجلس الامن الدولي.أن الوزيرة كلينتون أثارت مع ميقاتي موضوع القرار الذي اتخذته الحكومة اللبنانية هذا الشهر والقاضي بإعفاء الإيرانيين القادمين الى لبنان من الحصول على تأشيرات دخول، طالبة إعادة النظر بهذا القرار، ورد ميقاتي عليها بأن هذا القرار اتخذته حكومة الرئيس سعد الحريري السابقة.
وبعدها،
رد المكتب الإعلامي للرئيس سعد الحريري على ما نشرته جريدة “السفير” في عددها الصادر اليوم بشأن الكلام المنسوب لرئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي خلال لقائه بوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون يوم أمس، ومفاده بأن حكومة الرئيس سعد الحريري هي التي اتخذت قراراً بإعفاء الإيرانيين القادمين إلى لبنان من تأشيرات الدخول وليست الحكومة الحالية. وأكد المكتب أنَّ “ما ورد من معلومات في هذا الخصوص ليس صحيحاً على الإطلاق، والصواب أن القرار المذكور اتخذ في جلسة عقدها مجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان وفي حضور الرئيس ميقاتي في قصر بعبدا في السابع من الشهر الجاري، وتم نشر مضمون القرار المذكور في المقررات الرسمية للجلسة بموجب محضر رسمي”.
الصحيح، إذاً، هو أن حكومة ميقاتي هي التي اتخذت قرار إلغاء التأشيرات المسبقة، خصوصاً بعد أن اكتشف وزير السياحة، فادي عبّود، أن حانات بيروت ومقاهيها وفنادقها تعجّ بالسواح من عناصر الباسداران الإيراني!
لكن طهران لن تكتفي بإلغاء التأشيرة المسبقة، وسبق لها أن قدّمت للرئيس الحريري قائمة مطالب أساسية أثناء الزيارة التي شبّه فيها المرشد خامنئي لبنان بـ”إزميرالدا”!
وكان “الشفاف” قد نشر قائمة المطالب الإيرانية من لبنان في مقال بعنوان: “ما خَفي من زيارة إيران: طهران عينها على بنوك بيروت و”طيران الشرق الأوسط”، جاء فيه ”
أن صُهرَ الرئيس أحمدي نجاد، “إسفندياري مشائي” طلب مساعدة الحريري في جملة امور للنهوض بالاقتصاد الإيراني الذي يترنح تحت ضربات العقوبات الدولية المتنامية. ويُعتبر مشائي “محافظاً براغماتياً” ويركّز على “إيرانية” إيران على حساب “إسلامها”!
وطلب “مشائي”، المثير للجدل في إيران نفسها، من الحريري مساعدة إيران لحل أزمة “البنزين” المستورد بعد أن تضاعفت أسعاره في السوق الداخلي. ومن المعروف أن إيران لا تملك المصافي الكافية لتأمين حاجاتها من النفط الخام الذي تصدّره.
كما طلب “مشائي” أن تقوم شركة “طيران الشرق الأوسط” بسدّ العجز الذي تعاني منه شركة الطيران الحكومية الإيرانية التي تعاني نقصا فادحا في الصيانة وقطع الغيار ما تسبب في تقليص حجم الرحلات الجوية التي تقوم بها من والى طهران. مما يعني أن تسيّر الشركة اللبنانية رحلات إلى “يريفان” بأرمينيا، وأذربيجان، ودول أخرى.
طهران عينها على مصارف بيروت!
ولم تقتصر الطلبات الايرانية من الحريري على ما سبق. فقد طلبت طهران تسهيلات مالية خصوصا في ميدان التحويلات المالية لتمويل الاقتصاد الايراني، مشيرة الى ان كلفة التحويلات الحالية عبر دبي تكلف قرابة أربعين في المئة في حين انها عبر لبنان تبلغ 3،5 في المئة.
وعرضت السلطات الايرانية على الحريري ان ترفع بنوك بيروت هذه النسبة الى 7 في المئة على ان تعمل السلطات الايرانية في المقابل الى إعتماد المصارف اللبنانية لجميع التحويلات المالية من والى ايران.
وأضافت المصادر ان السلطات الايرانية أقرت لرئيس الوزراء اللبناني بالصعوبات التي تواجه الاقتصاد الايراني، خصوصا التعاملات التجارية مع الخارج التي كانت تتم عبر “يريفان” و”دبي” و”ماليزيا”، مشيرة الى ان العقوبات بدأت تحاصر طهران عبر هذه المنافذ، وأن هناك حاجة ماسة لايجاد مخارج بديلة. وأضافت ان لبنان يمثل الملاذ الآمن للإقتصاد الايراني من خلال نظامه المصرفي القوي والمتين والخبير في التعاملات المالية مع الاقتصادات العالمية، وقدرته على مواجهة الازمة الاقتصادية العالمية.
وفي السياق نفسه، طلبت السلطات الايرانية من الرئيس الحريري ان تتخذ الحكومة اللبنانية قراراً بإلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين على غرار ما هو جارٍ بين لبنان وتركيا، من اجل تسهيل حركة تنقل الافراد ول”التعمية” على عمليات تبييض الاموال المقترحة!
ماذا كان جواب الحريري؟
المصادر الإيرانية واللبنانية تقول أن الرئيس الحريري رد على طلبات السلطات الايرانية بأن لبنان يلتزم القرارات الدولية وهو لا يستطيع ان يقدم أي تسهيلات مالية أو تجارية أو سواها تنتهك قانون العقوبات مهما كانت المغريات!
وأضافت المصادر ان الحريري رد على طلب إلغاء التأشيرات بالقول أن التبادلات التجارية بين لبنان وتركيا مرتفعة للغاية وميزان التبادل التجاري بين البلدين متوازن ويمر عبر المؤسسات الرسمية وغرفة الصناعة والتجارة، في حين ان المعاملات التجارية بين لبنان وطهران لا تمر عبر اي مؤسسة رسمية وهي في اتجاه واحد. وأضاف الحريري: “وانتم تعرفون تحديدا اين تذهب اموالكم في لبنان”!!
وعلّقت مصادر لبنانية بأن الحريري (الذي يعرف أن مآل زيارته سيكون موضع “تدقيق” من أكثر من دولة غربية!) أعطى الجواب المناسب لأن تورّط لبنان في تلبية طلبات إيران في قضية التحويلات المالية يمكن أن يعرّض بيروت لما تعرّضت له إمارة “دبي”! وحسب هذه المصادر، فإن ما حلّ بـ”دبي” من “ويلات” لم يكن بعيداً عن تجاهلها للضغوط الأميركية السابقة لتخفيف علاقاتها المالية والإقتصادية مع طهران!
أبعد من التأشيرة، ستواجه حكومة الميقاتي ضغوطاً ومحاولات إبتزاز أخرى، خصوصاً من طهران ولكن من دمشق كذلك. وسيكون صعباً على رئيس حكومة لبنان الحالي أن يتلطّى دائماً خلف قرارات سلفه.