تجتمع حكومة “حزب الله” في الساعات المقبلة لبحث خطة الوزير جبران باسيل للكهرباء. الواضح أن محاولات كل فرقاء 8 آذار، إضافة إلى من يُسمّون بالوسطيين، لم تنجح في إقناع “الصهر” بحل وسط لتمرير الخطة. هذا أمر طبيعي، فكيف بهم أن يُقنعوا مدعي “التغيير والاصلاح” بالعدول عن الاستفادة من 1200 مليون دولار، في وقت لم يرض هؤلاء بحكم القضاء العسكري على أحد قيادييهم بالعمالة لاسرائيل!؟
على أي حال، بغضّ النظر عمّا سيفضي إليه اجتماع الحكومة، لا بد من تسجيل جملة من الملاحظات، التي توحي، بل تؤكد العُقم الضارب في جذور هذه التشكيلة الوزارية. يقول سياسي “عتيق”، قبل أن يُفنّد واقع كل من هو على طاولة مجلس الوزراء:
أولاً، هناك من هو على قناعة بأن دخوله إلى هذه الحكومة بهذه الطريقة “المضخمة”، يستوجب الاستفادة قدر المستطاع من هذه الظروف التي لن تتكرر بعد اليوم؛ هذا هو واقع “التيار العوني” الذي يستعجل كل شيء، ليقبض سريعاً قبل حصول أي متغير قادم لا محالة.
ثانياً، الرئيس نجيب ميقاتي ثبت بما لا يقبل الشك أنّه تحوّل من باحث عن زعامة إلى مدافع عن الحد الأدنى من وجوده السياسي، فهو يتلقى السهام من كل الجهات، حتى من “حزب الله”، ويُدرك أن من أتى به، أي النظام السوري لم يعد ذلك المارد الذي يستطيع حمايته.
قد يكون النظام في دمشق اليوم، غير قادر على القيام بأي شيء تجاه من أتى به ليكون الخاصرة التي تدعمه في عزّ مرحلة تخبّطه، فضلاً عن كون البيئة التي ينتمي إليها ميقاتي، أي طرابلس، وصلت إلى مرحلة لم تعد بعدها قادرة على احتمال أي استفزاز من قبل “إبن البيت”، لا سيما وأن هذه المدينة هي أكثر المتضامنين مع الشعب السوري، وليس مع “الطاغية”، على غرار رئيس الحكومة.
ثالثاً، رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي ارتضى دخول انقلاب “حزب الله”، خسر في هذه التجربة كل ما بقي لديه، فهو فقد وجوده الفاعل الذي كان في الحكومة السابقة، وتاه بين قوى لا تقيم اعتباراً لدوره.
في الحكومة الماضية التي كان يرأسها سعد الحريري، كان الرئيس سليمان يتمتع بالحد الأدنى من الوجود السياسي والمعنوي، فلم يكن من شاردة أو واردة إلا ويكون فيها سليمان شريكاً بالقرار وأحياناً صانعه، أما اليوم فهو لا حول له ولا قوة إلا بمحاولة تقريب وجهات نظر متباعدة، حفاظاً على حكومة ولدت ميّتة وساهمت في أبعادها، بإعدام كل فرصة للرئيس كي يُثبت وجوده من اليوم ولغاية عام 2013.
رابعاً، هناك مجموعات، أُرضيت في الحكومة الجديدة، وذُوّبت في الأحجام الكبيرة. هذه المجموعات يترقب بعضها ما يحصل في دمشق ليبني على الشيء مقتضاه، وبعضها الآخر بدأ يُفكّر ملياً في مصيره بعد ذهاب القائد الخالد. هذا التفكير لا يعني بتاتاً العودة إلى العقل وإلى تفضيل المصلحة والوحدة الوطنية على ما عداهما.
خامساً، “حزب الله”. ما يقوم به العونيون في ملف الكهرباء وفي ما يخص العميل العميد، لا يوحي بقوّة “التيار الوطني الحر” بقدر ما يوحي بضعفٍ بدأ يضرب في جسم الحزب. ضعف جعل حليفه المسيحي الأوّل، يستقوي بما ليس لديه، ولا بد من التأكيد أن في “ماورائيات” سياسة التيار، قناعة بعدم قدرة الحزب على معارضتهم لحاجته إليهم.
والحزب أيضاً، يعاني الأمرّين من الرئيس ميقاتي الذي يسعى إلى الحد من خسارته، فيضرب بعرض الحائط ما يريده منه الحزب. موضوع تمويل المحكمة الدولية ليس موضوعاً عابراً، فهو يُعبّر أيضاً عن تفكير ميقاتيّ مشابه للتفكير العونيّ.
ينتهي السياسي من تفنيده، ليخلص إلى القول: بين هذا وذاك، يقف الحزب متأمّلاً ما يحدث من متغيرات حوله، وتحديداً في سوريا، فهو بعد الموقف الإيراني الملتبس، حاول الابتعاد عن الغوص في الدفاع عن نظام يقتل شعبه، ثُمّ ما لبث أن عاد إلى فعل “الغوص” مجدداً. يُفكّر ملياً ولا يجد إلى الحل الأنسب سبيلاً. حلفاؤه يحاربونه بالـ”أملية” ليكسبوا من حساب يدفعه هو؛ وعلى ما يبدو هو ليس في وارد العودة إلى الوراء، على الرغم من يقينه بأن الأمور لا تجري أبداً في مصلحته، يُصرّ الحزب على الذهاب عكس مجرى الأحداث.
أخيراً والأهم، بحسب ما يقول السياسي: في كل هذه التركيبة الحكومية، وحده النائب وليد جنبلاط، عرف كيف يدير معركته على مهل وبتأنٍّ، فكان له أن أصبح اليوم بيضة القبان؛ الجميع يريده وهو غير مستعد لإرضاء أحد، في انتظار “مُتغيرٍ” ينتظره أكثر من غيره، وهو العليم بواقع المتغيرات، ويدير دفّته السياسية وفقاً لها.
ayman.sharrouf@gmail.com
* كاتب لبناني