منذ اندلاع شرارة الثورة في سوريا ونحن نعد على أصابعنا زمن نظام الأسد وننقصه أياما. وقد مضى حتى الآن ما يقارب خمسة أشهر على الحدث الأبرز في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، لا الثورة رفعت رايات انتصارها النهائي ولا النظام نكّس أعلامه بعد.
ويوما عن يوم تزداد شراسة هذا النظام ، ويزداد معها إصرار الشعب السوري على مواصلة انتفاضته، دون التفكير بحجم التضحيات وضخامة الأثمان، وسط مواقف رسمية عربية خجولة نسبيا وردود فعل دولية فاترة، لم تتجاوز في الحالين مرحلة التمنيات والإدانات الخطابية والدعوات إلى الحوار والإصلاح.
وإن كان البعض قد لمس في رسالة العاهل السعودي موقفا حاسما من المقتلة اليومية التي ترتكب بحق الشعب السوري، وتأمل خيرا في أصدائها لدى المحيط العربي وانعكاساتها على معنويات الشعب السوري، إلا أنها أتت متأخرة كثيرا! خاصة إذا ما قارنا تاريخ الرسالة السعودية الموجهة إلى سوريا التي أتت بعد حوالي خمسة أشهر على الثورة وسقوط حوالي ثلاثة آلاف شهيد واعتقال أكثر من عشرة آلاف شخص، وحصار مدن وقرى سورية وتجويع أهلها، بتاريخ التدخل العسكري الحازم لقوات درع الجزيرة بعد أيام قليلة من تحرك المعارضة البحرينية، ما يدل على أن إجهاض الثورات أسهل على أولي الأمر أو أربح لهم من إنهاء الأنظمة.
قد يقول البعض إن للبحرين خصوصية سياسية واستراتيجية وجغرافية في الحسابات السعودية والخليجية، لا يمكن بأي شكل من الأشكال إسقاطها على الداخل السوري. لكن ذلك لا يبرّر تخاذلاً وتجاهلاً عربيين شكلا طوال هذه الفترة غطاء غير مباشر أو غير مقصود ربما، لسلوكيات النظام السوري في تعامله الوحشي مع المحتجين وأدى إلى ما أدى إليه، إذا فسرنا أن السكوت علامة الرضا.
وقد لا تريد المملكة إتخاذ موقف حاسم من النظام السوري أكثر مما جاء في مضمون الرسالة. ولا يمكنها بالطبع أن تتدخل في سوريا على طريقة تدخلها في البحرين. لكن ما الذي منع المملكة إلى الآن من توجيه هذه الرسالة، وما الحكمة في توجيهها مؤخرا؟ وهل هي موجهة إلى نظام الأسد فقط أم تشمل حلفاءه الإقليميين؟ وإذا كانت السعودية قد سارعت دون تلكؤ إلى ضرب المعارضة البحرينية مخافة أن تنتقل العدوى الربيعية إلى دول الخليج، فهل هذا يعني أن التغير الديمقراطي في سوريا لا يصيبها بالحساسية؟ لربما كان السبب في هذه الصحوة الفجائية أن المملكة رأت أن مفاعيل أو سلبيات التحول الديمقراطي في سوريا بالتحديد، يعود عليها بأضرار أقل من ضرب تحالف دمشق – طهران – حزب الله، أو ربما توفرت لدى المملكة معلومات حول إمكانية تدويل الأزمة السورية، فسارعت إلى الإعلان عن هذه الخطوة قبل فوات الأوان.
الصحوة السعودية رافقتها هبة تركية ساخنة، وحمل وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو رسالة مباشرة وشديدة اللهجة إلى الرئيس الأسد لكنه عاد إلى بلاده خالي الوفاض، بعد أن رفض الأسد كل مطالبه وتمنياته جملة وتفصيلا.
قبل وبعد الرسالة السعودية والزيارة التركية، كانت دبابات النظام تدك المدن السورية على رؤوس ساكنيها وما زالت. أعمال العنف لم تتوقف وأعداد الضحايا إلى إرتفاع. الصحف السورية اعتبرت الرسالة السعودية تهديدا أمريكيا بلهجة عربية، بينما وصفت القنوات الفضائية السورية تحركا روتينيا لدبابات تركية على الحدود مع سوريا أنه تمدد عثماني جديد باتجاه المنطقة العربية.
ربما سوف يشكل الحصار العربي والدولي الذي برز مؤخرا على رغم رخاوته “قميص عثمان” بالنسبة لنظام البعث الذي يستمد وجوده واستمراره من نظرية المؤامرة الكبرى فيرتديه ساعة تستدعي الحاجة، إضافة إلى امتلاكه أوراق إقليمية ودولية مهمة ، تستطيع إبقاءه على قيد الحياة مدة أطول من الأنظمة العربية التي سقطت قبله بفعل ثورات الربيع العربي.
لكن تأخر الدبلوماسية العربية والدولية في ممارسة ضعط جدي وفاعل ضد هذا النظام منذ بداية حركة الإحتجاجات أطال عمره وأغراه بالمزيد من استعمال القوة والعنف، وكرّس في نفوس حكامه مبدأ الإحتكام لسلطان القتل، فأمعن في جرائمه دون رادع، واستهان إلى أبعد الحدود بأرواح المدنيين السوريين.
الصمت العربي والدولي الذي عكّره بعض الشغب المتواضع أحيانا، ساهم بلا مبالغة في ازدياد ثقة النظام ببطشه واعتداده بقدراته، خاصة وأنه من ضمن ثلاثية تدير ظهرها للمجتمع الدولي، ولا تقيم وزنا لقراراته وآرائه، ولا تجد في أكثر مواقفه صرامة، خطرا على كيانها أو تهديدا لوجودها.
وهو سائر على خطى حليفيه “إيران وحزب الله” في هذا المجال. فالأول مستمر في البرنامج النووي رغم العقوبات الدولية، وما زال يقمع حركة المعارضة الخضراء ويحتجز زعماءها في الإقامة الجبرية، ويسوق نصف الشعب الإيراني إلى حبل المشنقة أو إلى السجن. والآخر يتمسك بسلاح غير شرعي ويحضر لإقامة “دويلته”، ويرفض تسليم قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري للمحكمة الدولية.
لا شك أن “ثلاثية الممانعة” صارت مع هذا الواقع أشبه بعصابة إرهابية خارجة عن القانون، لا تهمها القرارات الدولية ولا تتكلم إلا بلغة القتل، وهي مستعدة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إدخال المنطقة في حرب إقليمية مدمرة في حال أحست بالخطر الفعلي حولها.
ولا شك أيضا أن الأنظمة العربية والمجتمع الدولي يتحملان المسؤولية في شعور الغطرسة الذي وصلت إليه هذه الثلاثية، لأن مقياس التعامل مع هذه الظاهرة ظل، إلى ما قبل أيام، هو لغة المصالح الخاصة وربما ما زال.
نظام الأسد صعّد منذ بداية شهر رمضان حملته العسكرية على الشعب السوري، بعد أن فشلت كل وسائله الوحشية طيلة خمسة أشهر من القضاء على الثورة السلمية، وبات يتمنى تدخلا أجنبيا لينقذه من الورطة التي أقحم نفسه فيها، ويخرج منها بطلا بنسخة جديدة، متغلبا على المؤامرات والمكائد على طريقة “النصر الإلهي”!
أما الشعب السوري فسوف يتعرض إلى حرب إبادة حقيقية في الأيام القادمة ، وسيكون لزاما عليه دفع فاتورتين مكلفتين من أجل الوصول إلى بر الحرية، هما فاتورة الصمت وفاتورة صدى الصمت.
الأسد يتمنى تدخلا أجنبيا ينقذه من ورطته.. على طريقة “النصر الإلهي”! هذا الدم الذي يسيل ، سيحمل الخلاص و لأوّل مرّة من إشكالية حل موضوع السلطة في هذا العالم العربي الذي ان له ان يمر بالمطهرة الحقيقية التي مرت بها كل الامم. قد يتلوها مطاهر صغيرة او كبيرة هنا وهناك ومن مراكش الى بغداد دار السلام سابقا، لكن درع التخلف قد انكسر و انكسرت معه مقولة سلطان غشوم ام فتنة تدوم ، فالسلطان الغشوم أكثر ايذاءا هو و ذراريه من تلك الفتنة و التي لا يمكن ان تدوم لأنّ للبشر عقل ولأنه لا شيطان فعلي عندنا الاتلك السلطة التي تتلوى… قراءة المزيد ..